أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 16th January,2001 العدد:10337الطبعةالاولـي الثلاثاء 21 ,شوال 1421

محليــات

لما هو آت
روضة الورد
د, خيرية إبراهيم السقاف
روضة الورد كَلستان لسعدي الشيرازي ترجمة: محمد الفراتي (1381ه 1961م)، من روائع الأدب الشرقي,, هو عبارة عن قطوف وردية من الفكر، وعبير فواح من النفس، ونثرات أنوار الروح,, وهي تحلق,, يذكرني بأجمل ما كتب أحمد أمين في فيض خاطره، مع اختلاف المنهج والأسلوب فلكل شيخ طريقة ,.
أذهب لهذه الروضة كلما أثقلت علينا القراءات الجادة العلمية، بحكم العمل اليومي في التدريس الجامعي،,, وهناك متعتان تتنازعان الفكر والنفس: متعة البحث العلمي، ومتعة التعبير الأدبي,, ولكليهما متطلبات، ولهما رغبات ,, إذ لا تتوقف الرغبة عند الإنسان وإنما تتشخصن وتتأنسن بحكم علاقتها بالإنسان وبشخصه،,.
يبدو أن رَهَقَ وكَبَدَ الحياة و على وجه التخصيص هذه الحقبة منها لم تعد قابلة لأن تسمح للإنسان ولواحدة من رغباته أن يأخذا شيئاً من حيزها الزمني فيذهبا فيه للفسحة في روضات الورود، أو حدائق الزهور لمنح الروح والنفس شيئاً من نثرات النور، وقطوف الزهور أو استنشاق عبيرها الفواح كي تتجدد فيهما رهجة الحياة,.
وإنما هي ضاغطة على رغبة البحث الجاد عند من يمتهن التعليم أو البحث أو التأليف العلمي ، بمثل ما هي ضاغطة وطاغية على من هو في معيّة هذه الحياة بكلِّ رهَقِها وكبَدِها خُلق الإنسان في كبد كما قال تعالى,.
والإنسان يحتاج إلى عملية توازن أو هو بدءاً يحتاج إلى تفكير منظَّم كي يستلب لحظات ولو كانت خاطفة كي يهرب إلى رياض الورد,.
الشيرازي بكلِّ انسيابية متمكنة حدَّ الجاذبية التي لا ينفكَّ منها المرء يستطيع بلا مبالغة أن يقسر على اقتحام بوابات هذه الروضة، ويمنحك لحظة متعة فكرية ونفسية حتى تجد نفسك وأنت عائد من روضته الوردية أنك حُمِّلتَ بأسفار من الكلام، وبأطنان من العطور، وبأثقال من المتعة تكفيك لأن تمارس رهَق وكبَد الحياة لفترة دون أن تكلَّ أو تملَّ,, إذ ستجد فوح الورد من حولك، ورهجة السعادة فيك، وعنفوان الأمل يدفعك,.
إنني أحسب بكلِّ صدق أن كلَّ إنسان لديه ملكة التعبير بمثل ما هي عند سعدي الشيرازي وسواه ممن يملكون علينا حواسنا ومشاعرنا وأفكارنا حين نلج عوالمهم الفكرية وحدائقهم الأدبية وصوامعهم العلمية وأقبيتهم الشعورية ,, لكن ليس كلُّ إنسانٍ يعنى بهذه الملكة,, لذلك قلَّ عدد المعبِّرين,, مع التأكيد على أنَّ ليس كل تعبير يمكن أن يأتي كتابةً فهناك أساليب ووسائل مختلفة له وإلا لأصبح كلُّ الناس أدباء وهذا ليس صواباً,.
روضة الورد,, أبواب متنوعة لا تقف عند حدود لا تخطر لك في بال,, فمن البيت في القصيدة، إلى الحكاية، إلى القطعة الأدبية في أبواب عديدة لا تترك حتى الشيخوخة، وفضائل السكوت,.
يقول فيه: قلتُ لأحد الأحباء: وقع اختياري على حسم مادة الكلام لما أنه في غالب الأوقات يصادف في القول وقوع الجيد والرديء وعين العدو لا تقع إلا على الرديء فقال: أيها الأخ الأفضل ألا ينظر العدوُّ الجيدَ بيت :
كمالُكَ في عين الحسود نقيصةٌ
وروضة سعدي في عيون العدىشوك , ص 172 .
تُرى,.
أي الرغبات سوف تنازعك؟!
أن تأخذ في تنظيم وقتك كي تلج موارد الورد؟ وتنجو من قليل كَبَدٍ ورَهَقٍ؟! أم تظل في ضغط وطغيان الحياة من حولك؟!,.
وحتى إن كان لعدوِّك عينٌ يرى بها مثالبك فإن له عيناً أخرى أَنصِفهُ فإنه بها يرى محاسنك,, ولعل المحاسن ذات يوم تطغى عنده على المثالب,, فيكون إليكَ كي تتغلبا على كَبَد الحياة,, وتنثرا عبق الورد معاً.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved