الحمد لله رب العالمين مصرف الليالي والأيام والصلاة والسلام على من كانت مصيبة فقده أعظم مصيبة على الأنام، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: قضى الحق تبارك اسمه بالموت على كل حي، وجعل الدوام لوجهه الأكرم: كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ، ولولا ان الموت سنة الله في خلقه لكان نبي البشرية أحق الناس بالخلود,لقد فجع العالم الإسلامي مساء الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال لهذا العام بنبأ وفاة حبر الأمة وعالمها سماحة الشيخ محمد الصالح العثيمين، وماموته إلا سلسلة من مصائب مرت على هذه الأمة في هاتين السنتين، فقدت الأمة الإسلامية خلالها كوكبة من علماء اجلاء يأتي على رأسهم والد الجميع وعلامة الزمان سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز نور الله ضريحه وأسكنه فسيح جناته فلئن هوى شيخنا بجسده، وووري التراب، فإن ذكره سيظل تاجاً مرصعاً يزين هامة التاريخ,مهما كتب عن فقيدنا العثيمين فلن نوفيه ولا جزءاً من حقه، ولكنها كلمات يفرج بها الانسان عن مكنونه ويشارك الأمة في مصابها الجلل في فقيه ومحدث أفنى حياته بين طلابه يربيهم ويعلمهم، ويعطف على فقيرهم، ويؤوي ضعيفهم، ويساعد محتاجهم فعنيزة كانت مأوى الطلاب من كل قطر.
لقد كان سماحته يرحمه الله درساً مثالياً في التعليم والحرص على الطلاب ففي كل محاضرة يلقيها كان يحرص على أن يكون الحضور على متابعة جيدة له أثناء الحديث فكان يلقي الأسئلة ويفاجىء أحد الحاضرين بالوقوف ثم الإجابة على السؤال أو إعادة ما قاله آنفاً، يقول أحد تلاميذه وهو الشيخ وليد بن أحمد الحسين، وكان زميلا لي في الدراسة الجامعية، حيث كان أحد الطلاب الملازمين للشيخ عليه رحمة الله يقول: من الجوانب المثالية التي تشير إلى اهتمام الشيخ، وحرصه على طلابه، هو تكليفهم بالبحوث وتحرير المسائل المشكلة بل إنه يكلف حتى المبتدئين في علمهم ليزرع الهمة والحرص في نفوسهم، ويحاول الشيخ رحمه الله ألا يفرض رأيه وينفرد به في الأمور التي تحتاج إلى مشورة بل يحاول جاهداً أن يجعل الطلاب يشاركون الرأي والمشورة وربما قدم رأي الطلبة على رايه؛ لقربه من الصواب، ولاشك ان مثل هذا فيه تعويد للطلاب على التجرد للحق,, كما يستعمل الشيخ يرحمه الله أسلوباً مثالياً فيدرب طلابه على القاء الكلمات الوعظية والدروس العلمية فيكلف الطلاب باعداد كلمة والقائها أمام الطلاب، بحضور الشيخ توجه الملاحظات من قبل الشيخ أو الطلاب للطالب ليجيب الطالب عليها,, انتهى كلام الشيخ وليد ثبتنا الله وإياه, لقد كان مثالا في التواضع، والزهد والورع، والصبر، والحرص على الدعوة، وتلك خلة نعرفها في سماحته، ويعرفها المقربون منه، فعندما كان في مرحلة حرجة من مرضه رحمه الله أصر على إلقاء الدروس واستئنافها في الحرم المكي فلم يفتر يوما واحدا عن التعليم, ورفض كل سبل العلاج التي قد تغير من هيئته لأنه أحس بدنو أجله فأحب لقاء الله ليحب الله لقاءه,لقد كان موته رزية على الأمة الإسلامية وأي رزية لأن موت العلماء موت للعلم معهم، ومايموت العلم إلا بأهله، فقد كان أمة في رجل، وما أجدر شيخنا بقول عبده بن الطبيب يرثي قيس بن عاصم:
وما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
ولافض الله فاه شاعر قال:
أقض مضجعنا وهالنا الخبر
تكاد من هوله الأكباد تنفطر
يكاد فرط الأسى والحزن يخنقنا
ودمعة الحزن فوق الخد تنهمر
يا أمة ثكلت في فقد عالمها
أما لك اليوم في ما فات معتبر
محمد العثيمين الذي رزئت
بفقده بلدي ومثلها اخر
ابن العثيمين تاج فوق هامتنا
بالعلم والفهم والإدراك يشتهر
ابن العثيمين بحر عز ساحله
في كل ناحية من علمه اثر
ياشيخ صحوتنا الكبرى ومرشدها
في زمن عم فيه الجهل والخور
اللهم أجزه عن الأمة الإسلامية خيرا, ونور قبره،وبيض وجهه واجمعنا به في دار الكرامة الحبور، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم اجبرنا في مصيبتنا وخلفنا خيرا منها إنا لله وإنا إليه راجعون.