| متابعة
إذا ما مات ذو علمٍ وتقوى
فقد ثلمت من الإسلام ثلمة |
حقاً,, يثلم الإسلام، ويرزأ المسلمون، ويحزن المؤمنون، بفقد العالم الذي ينشر إرث الأنبياء، وسنة سيد المرسلين، فمصابنا في فقد شيخنا وإمامنا فضيلة الوالد الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، مصاب عظيم، وخطبٌ جلل، تهتز له القلوب، وتعتصر له النفوس ألما وحسرة، ولكن قضاء الله نافذ، والحمد لله على قضائه وقدره، فليبكه العلماء والمشايخ الذين عرفوه بحراً زاخراً بالعلم، وعرفوه طالبا للحق مدافعا عن السنة، عرفوه نبعا صافيا ومعدنا أصيلا لا تغيره الأحوال، ولا تؤثر به الظروف، وليبكه طلاب العلم الذين كانوا معه وكان معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، حتى في ايامه الاخيرة، فهم اكثر الناس التصاقا به وأقرب الناس إلى قلبه، وأكثر من يعتني بهم وبشؤونهم، وليبكه السائلون والمستفتون من عامة المسلمين وخاصتهم، الذين كان الشيخ إماما لهم وأباً لهم يسألونه في مسجده وبيته وفي الطريق والهاتف وفي برامج الاذاعة والتلفزيون، وغيرها كثير، فيجدون عنده الدليل والاتباع والحكمة والعقل في أدب جم، وعبارة لطيفة واضحة صريحة ولسان عربي مبين، وليبكه المساكين والمحتاجون الذين كان الشيخ منتهى لحاجاتهم ونهاية لمطالبهم مع ما هو فيه من شغل مع طلبة العلم والعلماء,, ولتبكه المنابر والمحاريب والمساجد وقاعات المحاضرات ودور العلم وبرامج الخير وأهلها.
إنه رحمه الله مدرسة متكاملة,, بل جامعة شاملة من العلم والأدب والفكر والسماحة، جمع من الخصال والسجايا ما يعجز عن وصفه البيان ففي مدرسته يتعلم الكبير والصغير ويتربى طالب العلم، فقد كان رحمه الله يركز تركيزا على التطبيق العملي للسنة النبوية والتربية العملية عليها، ولشيخنا رحمه الله سجل حافل في هذا الميدان، يعرفه القريب والبعيد والقاصي والداني، ولعل مما يذكر في هذا المقام وعرف عن الشيخ ولمسته شخصيا منه رحمه الله ما يلي:
1 رفع صوته بالذكر والاستغفار بعد السلام من الصلاة تطبيقا عمليا للسنة، وتعليما لطلبته على الصدع بها في كل مقام، وتربية للجميع على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الانصراف من الصلاة.
2 إفشاء السلام على الصغير والكبير، حتى على عمال النظافة والباعة في الاسواق، في رحمة وألفة عجيبة تخرج بلا تكلف ولا عناء، مع ابتسامة ايمانية تأخذ القلوب، تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم: أفشوا السلام,,, الحديث، وهو اسلوب تربوي دعوي لا يكلف شيئا لكنه عظيم الاثر عميق التأثير.
3 إرساله من يسوي الصفوف ويتفقدها بعد إقامة الصلاة، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة مهجورة تركها الكثيرون لكن الشيخ بعلمه واتباعه طبق هذه السنة وعلمها الكثيرين.
4 حرصه رحمه الله على المشاركة في كل امر خيري وتجمع على الخير والبر وطلب العلم، ومن ذلك حرصه على مشاركة جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في انشطتها وحفلاتها، وخاصة حفلات تخريج حفظة كتاب الله تعالى، فهو لا يتوانى عندما يدعى في تلبية الدعوة رغم مشاغله وارتباطاته.
5 اتباع الدليل وهو ما اشتهر عن الشيخ وعُرِف به، فتجده يدور مع الدليل حيث دار، ويأخذ به متى صح، ولا يتوانى لحظة في الرجوع عن رأيه إلى الدليل إذا صح عنده، فالدليل الصحيح مذهبه والأخذ به واجب عنده مع تقديره وعنايته بأقوال سلف الأمة، وهو جمع عزيز في مثل هذه الصور.
لقد كان مصاب الامة الاسلامية في فقده عظيما، فقد غادرنا وكل الناس محتاجون إلى علمه وحلمه، وكل الناس في حاجة إلى مثله، نعم,,, فقدنا منارة من منارات العلم وعلما من أعلام الامة وعظيما من عظمائها، لكنه باقٍ معنا بعلمه الذي ورَّثه وسيرته العطرة التي سطرها طوال حياته الحافلة بالعطاء، باقٍ معنا بمنهجه العلمي الفريد وأسلوبه في مخاطبة القلوب والعقول، باقٍ معنا مجددا وداعية وعالما قل أن يجود الزمان بمثله.
فحقه رحمه الله علينا حق كبير، وواجبه علينا واجب عظيم، انه الأب والمربي والعالم الناصح الذي احتل مكانة في القلوب وتربع على عرش الافئدة، حياته علم وتعليم وفقه واجتهاد وجهاد في مثابرة لا تعرف الكلل والملل، فترك لنا علماً غزيراً في العقيدة والفقه والاصول والاخلاق والآداب، مكتوبا ومسموعا، وترك لنا طلبة له في كل الآفاق، يحملون علمه إلىالمسلمين وينشرون سيرته العطرة بينهم، وستبقى بإذن الله تعالى فتاواه وآراؤه واجتهاداته للاجيال القادمة نبراسا يضيء لهم الطريق.
نعم,, سيفقده كل داعية ومصلح، سيفقده كل عالم وطالب علم، سيفقده كل باحث ومستفتٍ، سيفقده كل المسلمين، فغيابه خسارة، لكن هذا قضاء الله ولا راد لقضائه.
اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، وان لله ما أعطى وما أخذ وكل شيء عنده بمقدار، وإنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله شيخنا رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الاعلى من الجنة، وجعل منزلته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً,, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
*رئيس محكمة محافظة الرس
|
|
|
|
|