أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 16th January,2001 العدد:10337الطبعةالاولـي الثلاثاء 21 ,شوال 1421

متابعة

مات الشيخ ابن عثيمين، ثم ماذا؟
بقلم: م, حمود السالمي*
لم يكن نبأ موت الشيخ محمد بن صالح العثيمين كغيره من الأنباء؛ ولكنه كان حدثاً فريداً له وقع خاص، في زمن تتابعت فيه مصائب عامة على مدى نحو عامين من الزمان، فقدت فيهما الأمة أئمة أعلاما، وفي فقد كل واحد منهم فجيعة عامة، فكان المصاب عظيما، اهتزت له أفئدة وعروش، أفئدة أولئك الذين ملأ الله قلوبهم بالإيمان، وعرفوا قدر العلم وأهله، بل وأفئدة كثير من المقصرين الذين وجدوا في الحدث وقفة للمراجعة.
واهتزت عروشٌ اقلقتها حرب أولئك الأفذاذ للعقائد الباطلة، أو البدع الظاهرة والباطنة، او الفساد المقنن الذي يمارَس ويحمى، ولقد بلغ اولئك الائمة النجباء منزلة ما بلغها غيرهم من المعاصرين، حتى إن بعض الخصوم عاد يتغنى بكلمة سمعها من أحدهم، أو رسالة نالها من بعضهم، وكل يدَّعي وصلاً لليلى!!
لا اريد رثاء الشيخ، ولا ذكر محاسنه أومناقبه التي أجهل أكثرها، وقد ذكر بعضها من هم اقرب مني إليه، ومهما كتب عنه الكاتبون فلن يوفوا الشيخ حقه ولا بعض حقه، ولكنني أريد الوقوف بعض الوقفات عند هذا الحدث العظيم، فلعل موعظة تطرق قلوبا اورثها طول الامل شيئا من الغفلة، لأخاطب ما فيها من الايمان والخشية، ولعل سامعا ان يجيب، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: كفي بالموت واعظاً (1) فأقول:
1 من الناس من يحيا بحياته أمم، وإن مات فقده أمم، فمثل هذا فراقه ألم، ومنهم من يكون وجوده كعدمه، أو ربما كان عدمه خيراً من وجوده، وهذا لا يفقده إن مات إلا أهله إن فقدوه ومثل هذا قد يكون فراقه أملا, فمن أي الفريقين تحب أن تكون؟
2 الميتة التي كتبها الله على الشيخ قد ذاقها، وهو الآن بين يدي ارحم الراحمين، نرجو له منزلة عالية إن شاء الله، وعسى ان يكون ممن قال الله تعالى فيهم (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون), وهذه المنزلة التي نرجوها له منزلة لا تُدرك بالواسطة المقيتة، ولا بالتمييز أو التفرقة التي يمارسها بنو البشر في واقعنا المعاصر اليوم، العصر الذي فُتن فيه فئام من الناس بالدنيا وزينتها، حتى عبَد كثير منهم على مختلف فئائهم وطبقاتهم صنماً معاصراً اسمه المال, منزلة لا تُدرك بألقاب تطلق على البعض ممن لا يعلم حقيقة قربهم منها أو بعدهم عنها إلا الله وحده، ولا بغير ذلك من الاعتبارات التي لا ولن تغني عن أهلها شيئا إن لم يعمروا قلوبهم بالايمان بالحي الذي لا يموت، ثم يتبعوا ذلك عملا لا يقبل إلا بشرطين:
أ أن يكون خالصا لله وحده لا شريك له.
ب وأن يكون وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى أعمالكم وقلوبكم) (2) .
3 صلى على الشيخ في بلد الله الحرام أعداد كبيرة، وصلى عليه صلاة الغائب جموع أخرى لا يحصيها إلا باريها، حتى تمنى المرء ان المصلَّى عليه هو، وفي احتشاد هذه الجموع عبرة من جانبين:
أ نرجو أن يكون الشيخ ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض ، وإني لأرجو أن يكون ذلك من ذلك.
ب لكل الذين يناوئون العلم وأهله، والسنة وأهلها، ممن طمس الله قلوبهم، او غلبهم الهوى، من أعداء ظاهرين، أو ممن لا يُعرفون إلا في لحن القول!! ألم تذكركم الجنازة والمصلون عليها بقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز (3) ، فكان كما قال رحمه الله، إذ صلى عليه ما يزيد على المليون ومائتي ألف مصل أو نحواً من ذلك كما ذكر أهل السير، بينما لم يصلِّ على خصومه إلا عدد أصابع اليدين، مع انه عاش زاهداً، وعاشوا مترفين، هو بين الناس وفي شظف من العيش، وهم في شاهقة المناصب والقصور وما يتبع ذلك من زيغ وطيش، فلما لم يتقوا الله فيها كانت النتيجة تلك.
1 قال صلى الله عليه وسلم: إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة ، ولقد كان الشيخ أمة في رجل، فهل من مدكر؟!!


الموت أفناهم واستبقاك بعدهم
حياً فما أقرب القاصي من الداني

فهل من رجعة، ما دمت في مهلة؟ أم لا بد من الاصرار حتى تُنشب المنية أظفارها، ولات حين مندم، ،الله المستعان.
2 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس ولكن يقبض العِلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤساء جُهالا، فسُئلوا، فأفتوا بغير علمٍ، فضلّوا وأضلوا , ولربما لم يدرك هذه المعاني إلا من نوّر الله بصيرته ليعرف مقام العلم وأهله، فالعالم يعرف الجاهل، لأنه كان جاهلا، لكن الجاهل؛ لا يعرف العالم، لأنه لم يكن عالما, ولأجل ذلك انصرف الناس عن العلم وأهله انصراف الزاهدين، وانحرفوا عنه وعنهم انحراف المعاندين، لأن من جهل شيئا عاداه.


وفي الجهل قبل الموت موتٌ لأهله
فأجسامُهُم قبل القبور قُبورُ
وإنَّ امرأً لم يحيَ بالعلم ميتٌ
فليس له حتى النشور نشور
موت قبيلة أيسر من موت عالم

3 الناس في أمس الحاجة إلى العلماء الربانيين، والأئمة المصلحين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك العلم أن يُختلس من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء فقال زياد بن لبيد: وكيف يختلس منا العلم وقد قرأنا القرآن وأقرأناه أبناءنا؟ فقال: ثكلتك أمك يا ابن لبيد هذه التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى ما يرفعون بها رأسا (4) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: موت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسد، وهو نجم طمس (5) ، وعن أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن يضل الهداة أخرجه الإمام أحمد.
4 إلى طلبة العلم: نعلم ان الله تعالى لن يترك الأمة هكذا، وقد تُعهد ببقاء الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خالفها أو خذلها، ولكن سد الثغر الذي ثُلم لن يكون بالأماني وملحقاتها، بل يحتاج إلى جد ووقت مع إخلاص ومثابرة، فنناشدكم الله ان تقدروا الأمر قدره، وان يكون لكم في السلف وبقية السلف قدوة, والله لا يضيع أجر المحسنين.
رحم الله الشيخ رحمة الأبرار، وجعل منزلته الفردوس الأعلى في الجنة، وجمعنا به والصالحين، في دار نعيمها مقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد الأنبياء والمرسلين.
* مدير عام التخطيط والميزانية المشرف على برنامج الدراسات القيمية وزارة الشؤون البلدية والقروية.
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/308.
(2) أخرجه ابن ماجة 2/1388.
(3) انظر : سير أعلام النبلاء 11/340.
(4) رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.
(5) رواه الطبراني في الكبير.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved