| مقـالات
ما من شك أنه قد استدخل في وعي مواطنينا الاعزاء أن مهرجان الجنادرية الثقافي له مكانة خاصة لدى جموعهم في ربوع المملكة، ولدى مثقفي الدول العربية كافة, فهذا المهرجان ليس مجرد تظاهرة ثقافية أو أنه مجرد مؤتمر فكري أو عرض لمشتملات ثقافتنا الأصولية والعصرية، بل هو مجموع كل هذا فضلا عن أنه عرض لنتاج العلوم في الوقت الذي نرى فيه العلوم تتعقد يوماً تلو الآخر، مع تطور وسائل الإعلام الإلكترونية التي باتت تسابق الزمن نظرا لانتشار تكنولوجيا المعلومات باستخدام وسائل العصر بما يجعله مواكباً للسبق العالمي.
ويقيناً أن مهرجان الجنادرية لم يكن واجهة الوطن الثقافية فقط بل هو وقفة عند الواقع الثقافي للوطن يتلوها انطلاقة جديدة نبلغ بها المهرجان التالي حيث يعكس الفكر الوطني في تصديه لمحاولات التغريب في عصر صراع الحضارات.
نعم!! نحن في عصر يتسم بصراع الحضارات ولا يمكن تغافل ذلك عصر يختلف في صراعه عما كان قائما في النصف الثاني من القرن الغائب القرن العشرين، عصر يمثله العديد من النظم الإقليمية والتيارات الدولية وقلما نجد فيها تمثيلا أحاديا للانتماء الوطني.
ومن صميم طبيعة العصر نجد الجنادرية وعاء تصب فيه ثقافة الشعب في كافة صورها وهذا هو الدور الوطني الذي تتعاظم أهميته اليوم ونحن في عصر العولمة الذي يتميز بالحدود المفتوحة سياسياً واقتصادياً مما يتوجب معه إزاء ذلك الاهتمام بالمعطى الفكري للمواطن الذي سيجد نفسه عرضة لهجوم الثقافة والأفكار والمعتقدات والاتجاهات الغربية بفعل الصراع الإعلامي المعلوماتي, فاليوم تصل إليه هذه الأفكار دون مراقبة، وسواء رضينا أو لم نرض، فلا حدود في عصر العولمة أمام أي من الأفكار والآراء والثقافات, وفي ضوء حتمية هذه الظروف نرى أن من يحوز وسيلة الاتصال العصرية هو الذي يفوز، ومن يملك الثقافة والفكر فهو الذي يتقدم, وحري بنا أن نفوز ونتقدم فنحن نعيش في معترك هذا العالم وفي خضم هذا العصر، ووسط هذه الظروف, والسعودية ثرية بالمفكرين والمثقفين، غنية بفكرها وثقافتها، وبإنتاجها الإبداعي السعودي ويحمد لها حينئذ أن هذا الإنتاج الفكري الثقافي الإبداعي يصل إلى جمهوره في السعودية ويمتد لخارجها، وحيث ان المسؤولين في هذا الوطن قد قدموا لمفكريه كافة الأدوات المتاحة التي يمكن عن طريقها وصل المثقف والمفكر بجمهوره، كما وفرت وسائل الحفز لمزيد من الإبداع على كافة الأصعدة والمجالات, وهذه العلاقة التي توفرها الدولة هي التي تمنح دعماً لكل من الفكر الوطني وكذلك تفكير كل مواطن, فيقنع بما لديه في وطنه عما هو قادم عبر السماوات المفتوحة والحدود التي تحطمت حواجزها، بل وهذا يساعد أيضاً على تجاوز الحدود الوطنية ليصبح فكراً منطلقا في جميع مجالاته إلى قارئ العربية في كل مكان بل وترجمته الترجمة المناسبة لغير قارئ العربية,
وفي نطاق هذا السياق الحضاري المعاصر المستقبلي يجب النظر إلى مهرجان الجنادرية باعتباره بناء ثقافيا استراتيجيا أمام تلك الهجمة الآتية من كل صوب عبر وسائل الإعلام المختلفة حاملة نذرا من كل لون, وهو بناء ثقافي متكامل يتحقق بإدراك قيادتنا الرشيدة ووسائل إعلامنا المجيدة التي نجحت أيما نجاح أمام المنافسة الحضارية المقبلة، ووقفت امام تحدي مواكبة الإعلام الإلكتروني ذلك الذي ذاع صيته وانتشر في سنوات قليلة بدءاً من الأقمار الصناعية المزدحمة والمقيمة في الفضاء الخارجي والتي باتت هي وسيلة الاتصال المعاصرة والمستقبلية لكافة الأوطان وبات بثا فضائياً منتشراً ومتنوعاً في بلاد العالم المختلفة متجاوزاً الحدود الضيقة منطلقا نحو العالمية ومهيمنا عليها.
وهذا ما يلقي الضوء أيضا على أهمية مهرجان الجنادرية كبناء ثقافي استراتيجي من شأنه ليس فقط بناء فكريا إبداعيا وطنيا, بل بدفعه للثقافة إلى ساحات المنافسة العربية والعالمية بما يحويه من فكر متوافر ومعلومات غزيرة وإبداع هائل وعظيم يمكن اتساع مساحته وانطلاقه من الداخل إلى الخارج وانتشاره.
ومن هنا ندرك ان السعودية منطلقة انطلاقة واعية في اقتحامها عصر العولمة بأدوات العولمة مما يذهب عنا الخوف على تراثنا وثقافتنا وفكرنا وإبداعنا.
فنحن في الجنادرية نضع الإبداع الوطني ونوفر له كل إمكانيات الوصول إلى المواطن.
وليس ثمة جدال في أن مساندة ورعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني حيث سيفتتح هذه التظاهرة الثقافية الإبداعية في الثاني والعشرين من شهر شوال تحت شعار المهرجان الوطني للتراث والثقافة السادس عشر الذي ينظمه الحرس الوطني سنويا في الجنادرية، ويظهر هذا العام في بلوغ مداه المفتوح على المستقبل القادر على مواجهة تحدياته بإشراك المواطن في البناء الثقافي لوطنه.
ووفق هذه الروح يعتبر البناء الثقافي الاستراتيجي دعامة المملكة في القرن الجديد في مواجهة سوق الثقافة في العالم وركيزة من ركائز مواجهة العولمة والتصدي لسلبياتها.
|
|
|
|
|