أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 16th January,2001 العدد:10337الطبعةالاولـي الثلاثاء 21 ,شوال 1421

مقـالات

مركاز
جلباب الطاعون!
حسين علي حسين
في منتصف القرن التاسع عشر انتشر وباء الطاعون، في العديد من المدن والقرى المصرية، ابرزها مدينة المنصورة، وقد حصد هذا الوباء، الذي استمر زهاء تسعة شهور، المئات من السكان، مادفع بعثة طبية روسية، للمجيء الى مناطق انتشار الوباء، ولم يكن معروفا حتى ذلك الوقت، على نحو مؤكد، ما اذا كان هذا المرض ينتقل عن طريق العدوى ام لا، لذلك فقد تفتقت عقلية بعض اعضاء الوفد الروسي، عن فكرة لاقناع بسطاء الناس وفقرائهم، من سكان المنصورة باعطاء خمسة قروش، لكل من يوافق، على ارتداء ثوب من ثياب ضحايا الطاعون، لمدة يوم واحد، ولان المبلغ كان كبيرا بمقاييس ذلك الوقت، قد اندفع العديد من الناس، لخوض التجربة، ليس تضحية بحياتهم، من اجل مجتمع خالٍ في مقبل الايام من مثل هذا المرض الفتاك، ولكن لان الجميع في حاجة الى خمسة القروش! وقد بذلت جهود خارقة للسيطرة على تدافع المتقدمين لارتداء جلباب الطاعون ! فقد كان معدل مصروف الفرد من هذه الفئة، لايزيد عن نصف قرش في اليوم الواحد، وهذا معناه، ان الواحد منهم سيعيش عشرة ايام، بالمبلغ الذي يحصل عليه عند ارتداء جلباب الطاعون!!
ولان الله رؤوف بعباده، فلم يصب اي فرد من هؤلاء البؤساء، بمرض الطاعون نتيجة ارتدائه لذلك الثوب، بل الذي مات طبيب من هذه البعثة، كان محصنا بالمضادات الحيوية والمطهرات!!
عكست ماحدث قبل اكثر من قرن ونصف القرن في بلد عربي، على مايحدث، وحدث بعد ذلك، في العديد من البلدان الفقيرة، والتي تعاني من ظروف اقتصادية وصحية وتعليمية وكيف انها لكي تقف على رجليها، رضيت عن طيب خاطر بان تكون بلدانها، حقولاً لتجارب الدول الجبارة، فهناك العديد من الدول تحولت الان الى مقالب للنفايات النووية والتجارب الطبية، حتى تفشت فيها الامراض وزادت بمعدلات، قد تتحول مع الايام الى اوبئة، فالايدز والاسماك الملوثة والامراض الخطيرة، الموجودة في العديد من الدول الافريقية والشرق آسيوية هي نتيجة ارتداء هذه الدول لجلباب الطاعون، الذي ألقته عليها الدول الكبيرة، والتي تفضل اجراء تجاربها والقاء نفاياتها بعيداً حيث الحاجة للقرش اكثر من الخوف من المرض!اما الوجبات واللحوم المصنعة على هيئة اقراص الهامبورجر والستيك، فقد اصبحت من الوجبات المفضلة للشريحة الشابة، ومعها المياه الغازية، التي اصبحت اسعارها ارخص من اسعار المياه العادية، وبات عاديا ان ترى شباناً في مقتبل العمر، يسيرون في الشوارع باجساد مترهلة، مع مشاكل متعددة في الجهاز الهضمي، واختفى مع هذه الهجمة الامريكية الاوربية، الغذاء التقليدي الصحي، الذي اصبح له الآن في الدول المتخمة عيادات واطباء، تحت مسمى الطب البديل!
ومن يرتدي جلباب الطاعون الان، ياخذ مقابلا يزيد مئات المرات، عن المقابل الذي دفعته البعثه الطبية الروسية، لكنه سوف ياتي عليه يوم، يدفع فيه الكثير من المال والجهد، ليترع هذا الثوب المتعدد الاشكال والالوان دون جدوى، وما ذكرناه عن النفايات النووية وتلويث البحار واغذية الهامبورجر والستيك، ليست سوى عينة من هذا الجلباب، الذي تطوق به الدول الجبارة، الدول والافراد في دول العالم الثالث!!


أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved