| مقـالات
تجري الاستعدادات النهائية هذه الأيام لإقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية السادس عشر ابتداء من 22 شوال 1421ه والذي سيشرفه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الامين.
هذا المهرجان الوطني الذي يؤدي دورا فعالا في اثراء الحركة الثقافية والتراثية في المملكة العربية السعودية بخاصة وفي الوطن الاسلامي والعربي بعامة, وبالرغم من تجسيده للملامح المشتركة الإسلامية وغير الإسلامية ممثلة في نخبة من الادباء والمهتمين من غير المسلمين في دعم مسيرة التبادل الفكري والتعارف الحضاري والدبلوماسي الذي هو من غايات المهرجان الوطني، فإن المهرجان يحقق في اهدافه رغبة المملكة في السلام والأمن واحترام حقوق الإنسان وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى ويعزز رسالتها فالواقع هو ان الجنادرية لم تعد مهرجاناً وطنياً يهتم بالتراث والثقافة او مجرد ساحة عرض لاستعادة صور الماضي وتراثه العربي والإسلامي المشرف بل اصبحت الجنادرية الآن وبالفعل موسما ضخما من مواسم الثقافة الجماهيرية التي تؤلب الوعي باتجاه الضوء الذي لايغيب,, حيث باتت معتركا لطروحات فكرية بالغة الدلالات والعمق يتم تناولها من خلال علماء ومفكرين موسوعيين استطاعت الجنادرية ان تفرز معهم حبل السرة لتربطهم بمهد الحضارات العربية والإسلامية فعندما تتبنى المملكة العربية السعودية هذا المهرجان الذي اشترك فيه العرب والمسلمون والمشارقة والمغاربة ومن مختلف الاديان والمذاهب الفكرية ففي هذا دليل قاطع ان المملكة شخصية ثقافية شمولية من خلال ماتقدمه من عطاءات فكرية وثقافية، وذلك من خلال الندوات والمحاضرات المتنوعة ذات الطرح الفريد والجريء جدا حيث ترى انه آن الأوان للثقافة العربية الإسلامية ان تقف بقوة في وجه التيارات الثقافية الاخرى التي تتبنى غزوا فكريا وتحديا حضاريا غربياً ضد الإسلام واهله وتسعى من خلاله لاستئصال هويتنا وانتمائنا الى تراثنا ومورثاتنا والتي منها نستمد العزة والقوة والأمن وما يؤكد تميز شخصية المملكة في مجال التراث والثقافة والصد لتيارات هدامة وكان ذلك سببا في الاهتمام بايجاد تظاهره ثقافية كبيرة فانطلقت فكرة وطنية تبناها صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني سلمه الله وثمنها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز سلمه الله بافتتاحه اول مهرجان وطني للتراث والثقافة في 2 رجب 1405ه فكانت الحاجة الصادقة الى احياء قيم الامة الإسلامية الاصيلة وتجسيد تراثها العميق والخالد الذي كاد أن يندثر لا يبقى لجيل اليوم والغد منه شيء إلا النزر القليل, وطبيعي ان يتم اختيار اليونسكو للرياض عاصمة الثقافة العربية لعام 2000م هذه العاصمة العربية الكبيرة تعمل وتعمل قبل ومنذ انطلاقة الجنادرية على ارض المملكة وحتى هذا العام, حيث يلمس الصغير قبل الكبير والإنسان العادي قبل الكاتب والاديب والمفكر انه لايمر يوم إلا وترصد انجازا سياسيا او ثقافيا او ادبيا او اقتصاديا او انسانيا او رياضيا ولا يمر عام إلا والجنادرية ترفع ستار المحبة وتفتح ذراعيها وتحتضن بقلبها ووجدانها ونفسها لكل إنسان لينعم بتظاهرة تراثية حضارية تسعد انسان اليوم في عالم يخالج الإنسان الشك فيه بان يعيش في سلام واستقرار.
ان مايميز الجنادرية كانطلاقة متقدمة على طريق الوعي الفكري والشمولية سعيها الى تعريف العالم اجمع بخصوصية الامة العربية والإسلامية وبأطروحتها المتجددة وهي تتبنى قضايا وحوارات مع حضارات الغرب والشرق كما تم في الجنادرية في السنوات الاخيرة بالرغم من اختلاف الديانات والثقافات, ومن هنا يحق القول بانه يخطئ من يقول ان المهرجان الوطني لايحتوي الا بعدا ثقافيا وفكريا وفنيا فقط بل الحقيقة انه يجسد بعدا سياسيا وحتى شريعي للمملكة، ومن يبحث عن السلام العالمي الدائم، بعد ان ادركت، ومعها الدول العربية والإسلامية، خضوع خريطة المنطقة لعملية تغير وتبدل، ودخول العالم العربي منعطفا تاريخيا جديداً نتيجة اتفاقيات سلام عربية مع اسرائيل وبعد ان قامت اسرائيل بنقض العهود والاعراف والقوانين الدولية! مما يجعل قضية العرب وإسرائيل بل الإسلام والغرب مرة اخرى امام الكاتب والمفكر والاديب والمنظر والسياسي رجلاً او امرأة مسألة او قضية اعادة تأسيس ثقافي سياسي جديد يوقظ الافئدة قبل العقول التي لازالت تعيش ازمة فكرية طالت المفكر الذي لاحول له ولاقوة فحدث ماكان متوقعاً وانشطرت الثقافة العربية وعمق تناثر جزئياتها ثورة التكنولوجيا الاتصالية واتحاد العالم الاوربي والامريكي بل وماترتب على المد الشيوعي وانحساره من نتائج الشيوعية.
ان مايطالب به الإنسان المسلم عربيا او اعجميا هو تاسيسه لقواعد متينة محددة للتعامل مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الجديدة خصوصا بعد ان انكشف للعالم ذلك المارد الشيطاني المتعنت اسرائيل وبروز التميز الواضح امام العالم من قبل الولايات المتحدة الامريكية.
ان الادب والتراث والثقافة وكل عناصر تنشيط العقل ماهي الا رموز للغة وفق منظور تفاؤلي للغة عربية تحتاج الى تحديد خطاب سياسي عقدي اقتصادي فكري يتوجب على الادباء والمفكرين تأسيسه وتاصيله وتجديد ثقافة شعوبها دون فقط التركيز او التغني على مادة الماضي بقوالبها المتحركة او الجامدة! لا احد يشك ان البيئة العربية لها من المقومات اللغوية والعقدية والثقافية والتقاليد والعادات وانماط الحياة الاسرية والاجتماعية والحرفية والفنية مايبرهن على استمرارها وتطورها نعم كل هذا جزء من التراث او المورث إلا ان الاهم ان نجعل الكاتب والمثقف والأديب بل والمسؤول امام مسؤولية عظيمة هو علو الإحساس بحركة النهوض الشامل او الثورة الفكرية لمواجهة الخطر القادم من انفسنا اولا.
فالماضي وبالتحديد الخيمة العربية والسواني والحراثة وضرب السيف والكرم قيم بالية لاتلقم عيشاً الا في حالة صيغة عربية اسلامية عالمية.
في الجنادرية تنبه من تنبه لحضور تشارلز امير ولز الذي شارك بكلمة في افتتاح النشاط الثقافي للمهرجان، وكذلك حضور وزير الدولة الالماني للشؤون الخارجية، وحضور بول فندلي السيناتور الامريكي الاسبق والمثقف الدولي البارز هذا فضلاً على عدد من السفراء الأجانب وكبار المثقفين العرب العالميين إذ إن للجنادرية خصوصية عالمية وخير مثل مشاركة الرئيس الامريكي بل كلينتون في المهرجان الوطني الثاني عشر للتراث والثقافة بكلمة القاها بالنيابة عنه السفير الامريكي بالمملكة العربية السعودية السيد رايش فادلر قبيل انعقاد ندوة الاسس المعرفية والفلسفية للرؤية الإسلامية الليبرالية، التي عقدت مساء يوم الاثنين 3 ذو القعدة 1417ه حيث يقول كلينتون إن علينا مسؤولية مشتركة انتم في المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي ونحن في الغرب، لابد ان نحول دون ان تتحكم العناصر المتطرفة في إملاء الحوار واستغلال ماوجد من تفاهم، ولذا ينبغي استمرار الحوار البناء .
ان العناصر المتطرفة هي اسرائيل وحدها تتحكم في إملاء الحوار السياسي وتستغل مايوجد من سوء التفاهم الشرعي الطبيعي من الامم واسرائيل هي التي تؤكد على استمرارية عدم الحوار وعدم الإجماع بين الدول, ان رسالة كلينتون واضحة وسلوك الانفعال السياسي والعسكري الإسرائيلي واضح, وبالتالي تنبه القائمون على المهرجان على اعادة رؤية فكرية جديدة للحوار والنقاش مدركة ان السلام في الشرق الاوسط لايمكن وإسرائيل على قمة الهرم السياسي العالمي وفي قلبها ان الإسلام في الشرق الأوسط لايمكن واسرائيل تقتل وتشرد دون اعتبار مقررات هيئة الامم المتحدة! إن الامم لم تستطع ان تخضع اسرائيل بالانضمام الى معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية ووضع كافة منشآتها النووية تحت نظام الضمانات التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن تردي الاوضاع الامنية وتفاقم المعاناة الانسانية في فلسطين، البوسنة، الهرسك، الشيشان واندونيسيا جميعها تجعلنا نفكر وعبر بوابة الجنادرية ان امة بلا تراث امة لا تستطيع المواجهة واننا لسنا بحاجة الى مناسبات بقدر الحاجة الى فكر نقي وهذا الامر نجده واضحا شامخا مدعوما من الرجل الاول الذي بذر هذه البذرة الفكرية الوطنية المهرجان الوطني ولي العهد السعودي الصادق الامين.
إن القارئ للنشاط الثقافي لجنادرية رقم 16 يتضح له ان هناك فرصة قد تكون الاخيرة للكاتب والاديب والمفكر والمسؤول من خلال المحاضرات والندوات ذات العناوين البارزة والمحتوى الفعال ونتوقع ان يطال العالم العربي اليوم فكرا رصينا متجددا ومفيداً وقادراً على احداث التغيير ولو جزئيا في المسؤول الإداري والمسؤول السياسي والمسؤول الادبي والثقافي حيث سيحظى الجانب الثقافي باهمية متميزة جدا حيث اقترن المهرجان بندوات ومحاضرات ذات فضاء ورؤى تخدم ليس فقط الموروث الإسلامي والعربي عموما والوطني على وجه الخصوص بل تجاوز ذلك المادة ترتيب العقل العربي الإسلامي معا من خلال رؤية جديدة واقعية للعمل على تقريب وجهات النظر والجدل والقناعات بين المسلمين انفسهم لانه لا تأكيد على قيم ولا تلاحم واكتشاف ولا اهتمام وصقل ولاتشجيع ولا رصد ولا عمل وتحديد في قيم دينية وموروث وتراث شعبي وابداع فني وادبي واستغلال مصادر البيئة ومواكبة التقدم العلمي ونقل صورة من الماضي واصالته بدون شفافية مطلقة وصراحة صادقة ونوايا واضحة, إن شعور القائمين على المهرجان باهمية الحوار الذاتي ومن رؤية إسلامية مقارنة برؤى العولمة الجديدة لهو تأكيد على مدى عمق الإحساس باهمية الدور والمكانة التي ينبغي ان يقوم بها العالم الإسلامي والعربي بحيث يصبح له مكان مرموق بين دول العالم.
ولقد بادرت المملكة العربية السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين باستشراف هذا الواقع المعاصر فاعدت له العدة من خلال إقامة اصلاحات اقتصادية وعلمية جذرية، وعن طريق خلق حوار بين الثقافة العربية الإسلامية وغيرها من الثقافات وذلك من خلال المؤتمرات والندوات، وعلى رأسها هذا المهرجان المتميز الذي يطل علينا بابتسامته المعهودة في كل عام, إنه الجنادرية.
|
|
|
|
|