| مقـالات
بلغ اهتمام العالم الجديد بثقافة الإنسان حدا بعيداً، مما جعله يعرض للملأ احدث الكشوف العلمية الأكثر تعقيداً، في أسلوب مبسط وشرح ميسر حتى لفهم الطفل، بعد ان تنامت المدارك بما اتيح من تقنيات الحاسب وعلومه وتطبيقاتها، وضمن الإصدارات المعرفية المرئية والمسموعة والمقروءة تجد الآن معالجات لموضوعات الساعة، على نحو ما تعرضه تلك الإصدارات من كشوف علمية، كان من أخطرها ما اذيع مؤخرا حول اكتشاف سر الخارطة الجينية (الوراثية) للإنسان في وحدة تكوينه (الخلية)، وما يرتبه ذلك من سيطرة على امراض الإنسان وتخفيف الكثير من آلامه.
وفي اطار هذا الاهتمام العالمي يأتي رصد الظواهر الكونية، وبث حركتها بالكلمة والصورة لحظة بلحظة، سواء ما يتكرر من هذه الظواهر بانتظام، كمذنب هالي الذي يعاود الظهور كل ستة وسبعين عاماً، او تلك ذات العلاقة المباشرة بالارض، ككسوف الشمس وخسوف القمر وغيرهما, وتفسير تلك الظواهر طبقاً للشريعة الإسلامية أنها من آيات الله في كونه يخوّف بها عباده، وينبّه الغافلين منهم الى بعض أنعمه الظاهرة، التي ما عادوا يدركون ان وراءها قدرة الخالق، لطول اعتيادهم على وجودها دون اختلاف ولا اختلال، لذلك فإنه جل وعلا يحجبها عنهم كليا او جزئياً لبعض الوقت، ليعلموا كيف تكون الحياة إذا افتقدوا هذه النعم, قرأنا عن هذا مبكراً حتى في كتب المرحلة الابتدائية، وقد نكون رأينا شيئاً من الكسوف والخسوف عن بعد، حين نطالع صفحة السماء وقت الحدث بالعين المجردة، لكن رصد تلك الظواهر وبثها عند وقوعها، على شاشة التلفاز بعدسة (الزوم) يجعلنا نقترب كثيراً من التفصيلات، ثم نكون أبعد إدراكاً للقدرة الإلهية على بسط النعم وقبضها.
وبالأمس القريب وقع للقمر خسوف متدرج، إذ دلف إلى منطقة شبه الظل، فامتقع لونه وخفت ضوؤه، ثم تغشى الظل بعضه فانخسف، وبدا الباقي منه بلون البرتقال، وحين احتجبه كهف الظل تماماً، انخسف القمر كله لدقائق معدودة، ثم تسحَّب منفلتاً من رحم الظلام، حتى اكتملت ولادته (بدراً) ورحلة الحمل والمخاض والولادة الجميلة المثيرة، نقلتها حيّة على الهواء شاشات العالم، وقد تابعتها شخصياً على قناة عجمان الفضائية بعد أن تأكد لي بأن التلفزيون السعودي لن يقوم بنقل هذا الحدث.
والذي افهمه ان المملكة العربية السعودية قد قدمت للعالم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، كأول رائد فضاء عربي شارك في رحلة فضاء علمية، ودعا زملاء الرحلة بعدها الى جولة حوار في أنحاء المملكة، وأن ذلك حُسب لها على الساحة الدولية بكثير من التقدير، وكان يمكن للتلفزيون السعودي أن ينقل حدث الخسوف بحكم أن موقع المملكة الإسلامي يحتم عليها أن تسارع الى التغطية الفورية لمثل هذه الأحداث، وأن تبتهل الفرصة لتقدم للعالم الرؤية الاسلامية لتفسيرها بشكل عصري جذاب، وان تنقل صلاة الخسوف، الشعيرة الإسلامية المتعلقة بالحدث، وأعتقد ان ذلك من صميم الدعوة الإسلامية التي نحمل أمانتها، وهذا التفاعل من قبلنا يحقق الكثير من الفائدة الدعوية، فهو يُعلم من لا يعلم، ويصحح فعل البعض تجاه الظاهرة، فهناك دول مسلمة يخرج فيها الناس إذا انخسف القمر بالطبول والغناء بدلا من الصلاة والدعاء ظناً منهم أن ذلك يفك أسر القمر وكم من البدع يمكن أن يقف في وجهها الإعلام السعودي الموجه!!
هكذا يأتي خسوف القمر ليذكرنا بواجبنا تجاه العالم.
وسبحانك ربي خلقت الكون من عدم، وضبطت حركته في انتظام فالتزم (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون).
|
|
|
|
|