| وَرّاق الجزيرة
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد مضى زمن كانت الكتابة فيه عن الجزيرة العربية تأريخيا وأدبيا يكتنفه شيء من الغموض، وما ذاك إلا لقلة المصادر والمراجع عن تلك الفترة، نظرا للحالة العلمية التي مرت بها هذه الجزيرة في القرون العاشر والحادي والثاني عشر.
ولكن بفضل الله عزوجل، ثم بفضل ظهور بعض الدعوات الاصلاحية المهمة، وأعلاها، دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وما انتظم حالها من: اتجاه سلفي جاد، وولاية سياسية قوية، ممثلة في الدولة السعودية الأولى عندئذ (1) .
وما صاحب ذلك من تشجيع وتكريم للعلم والعلماء والأدباء استمر في عهد الدولة السعودية الثانية، ثم جاء في هذا العهد الزاهر وما صاحبه من نقلة حضارية كبرى في شتى المجالات، لاسيما العلمية، فكان ذلك مشجعا للعلماء والأدباء في اقامة المنتديات العلمية والقيام على اصدار المجلات والحوليات ذات الطابع العلمي الخاص، ولا نعني بذلك ما تقوم به المؤسسات التعليمية كالجامعات والكليات والأندية الأدبية وغيرها فهذا بلا شك جزء من رسالتها العلمية والأدبية.
ولكن أن يقوم شخص بمفرده والواقع انه لايخلو من دعم أو مساعدة بإصدار مجلة ذات طابع علمي خالص أو حولية تُعنى بأدب وتأريخ الجزيرة العربية، فهذا أمر يستحق بلا شك الدعم والمؤازرة والتشجيع، حتى يكتب لهذا العمل الاستمرار، وتحصل الفائدة المرجوة بإذن الله.
خذ مثلا ذلك العمل الذي يستحق ان يسجل في التأريخ ويحفظ لصاحبه أعني ما قام به علامة الجزيرة في شؤون التأريخ والأدب الشيخ حمد الجاسر رحمه الله من اصدار مجلة العرب وصمودها بإذن الله هذه المدة الطويلة منذ عام 1386ه والى وفاته ونرجو ان تستمر إن شاء الله .
أقول هذا بين يدي مقالتي هذه عن كتاب سنوي متخصص في أدب الجزيرة العربية وتأريخها اختار له صاحبه، الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد أبوداهش اسم حوليات سوق حباشة الباحث في دراسات: أدب الجزيرة العربية وتأريخها.
وتيسيرا على القارىء الكريم فإنني أجعل الكلام عن الكتاب وصاحبه في أمرين:
أما الأمر الأول فهو في الحديث عن الكتاب، فأقول:
وقع في يدي قبل ما يقرب من أربع سنوات مضت كتاب بعنوان حوليات سوق حباشة من منشورات النادي الأدبي في أبها وذلك في احدى مكتبات الرياض فساقني الفضول وحب الاستطلاع الى اقتناء الكتاب وتصفحه، فوقع نظري على بعض المباحث التي تهمني لاسيما فيما يتعلق بالحج، وكذلك ما يتعلق بالنقود، وكنت وقتها لدي بعض البحوث حول هذين الموضوعين.
ثم جلت بصري في مباحث هذا الكتاب فكبر في عيني ولم يكن عندي فكرة كاملة عن مؤلفه، فصممت بإذن الله على اقتناء الأجزاء القادمة من الكتاب.
فكان العدد الثاني معروضا ضمن اصدارات دارة الملك عبدالعزيز بالرياض في المعرض الدولي فضممته الى صاحبه.
وأما العدد الثالث فهو من منشورات نادي جازان الأدبي وقد ظفرت به أيضا في أحد معارض الكتاب، ثم كان العدد الرابع وهو من منشورات نادي الباحة الأدبي من نصيبي أثناء تجوالي في احدى المكتبات الكبرى بالرياض وقد صدر عام 1420/1421ه.
وقد يكون من حق قارىء هذا المقال ان يطالبني وبسرعة بتفسير هذا العنوان الذي قد يبدو غريبا، وحق له ذلك لكن لا أجد ما أتحف به القارىء الكريم عن هذا العنوان أفضل مما ورد في كتب المتقدمين، وأثبته صاحب الحوليات في المقدمة، وأحسن في هذا.
فالحوليات كما أعرف جمع حولية وهي ما يصدر من الحول الى الحول أي في السنة مرة واحدة.
أما حُباشة، وما أدراك ما حُباشة؟ فهذا الاسم غريب على غير المهتمين بكتب التأريخ والأدب ومعاجم البلدان.
وحُباشة، بالضم والشين المعجمة، هي سوق الأزد، وهي أكبر أسواق تهامة وكانت تقوم ثمانية أيام في السنة من أول شهر رجب متوالية ، قال حكيم بن حزام رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرها، واشتريت فيها بزّاً من بزّ الجاهلية .
والحباشة: الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة, (2)
وكل عدد من هذه الحوليات ينطوي على أعمال علمية تستحق ان تُشد لها الرحال عند صاحبها في تلك البقعة الحبيبة من بلادنا لغالية، ولكن هاهي بين يديك في طباعة أنيقة واخراج جميل، فما عليك إلا ان تبذل دريهمات لا تتجاوز العشرين ريالا للحولية الواحدة.
وحتى لا أثقل على القارىء وترغيبا له في اقتناء هذه الحوليات أذكر نماذج من هذه الأعمال المنشورة ضمن الأعداد الأربعة:
1 رحلة الحج من يلملم إلى البلد الأمين لعلي بن الحسين العجيلي.
2 رسالة الضمدي الى الامام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود.
3 رسالة محمد بن اسماعيل الأمير الصنعاني الى عبدالهادي العجيلي.
4 رسالة في النقود لجمال بن محمد المالكي.
وهذه كلها في العدد الأول.
5 القصيدة اللامية في رثاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب للشوكاني.
6 بيوتات العلم بقبائل رجال الحجر في العصر الحديث.
7 المعلمي، والسنوسي في مجلس الادريسي، للمعلمي.
وهذه في العدد الثاني.
8 ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بلدان جنوبي الجزيرة العربية.
9 السيد عزالدين النجمي، شاعر بيش وقاضيها يرثي بصره.
10 الملك فيصل بن عبدالعزيز في شعر جنوبي الجزيرة العربية.
وهذه في العدد الثالث.
11 بلادنا والحاجة الى مجمع لغوي.
12 النور الوهاج على منسك الحجاج.
13 معالم الحياة الاجتماعية في المخلاف السليماني عبر القرون الاسلامية.
وهذه في العدد الرابع.
وغني عن القول ان هذه الأعمال كلها قام بها صاحب الحوليات ما عدا مقال في العدد الأول بعنوان حُباشة بقلم الأستاذ حسن بن ابراهيم الفقيه.
وهذه الحوليات بمقالاتها الرائعة وبحوثها المهمة مزينة بالتوثيق والوثائق وصور المخطوطات.
ثم يختمها صاحبها بشيء من عناوين المخطوطات في مكتبته الخاصة، وهذا يفيد الباحثين كثيرا.
أما الأمر الثاني: فهو الحديث عن الباحث نفسه، فلا أجد كلاما أبلغ مما كتبه ناشر العدد الأول (3) بقوله يعد الأستاذ الدكتور عبدالله أبوداهش من الباحثين الأكاديميين السعوديين المتميزين، ومن الدلائل على جديته ودأبه أنه اتجه الى ابراز تراث الأدب في جنوبي الجزيرة العربية، وبخاصة في منطقتي عسير وجازان في القرون الأخيرة، وهو أمر شائك بدون ريب لندرة المصادر ولوجود العقبات الكئود للوصول اليها وتحقيقها وتصحيحها وتوثيقها، وقد تجشم في سبيل ذلك الكثير من الرحلات والجولات الى مظان المخطوطات، أو المصادر، وما بالك بقراءة المخطوطات وترميمها واستنباط ما فيها مع رداءة الخطوط آنذاك وتعرضها لعوامل الزمن، وما اصاب بعض أوراقها من التلف.
وما كتبه الأستاذ حمد الجاسر بقوله:
ولقد عرفت الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد أبوداهش بشدة تعلقه واهتمامه وعنايته واتجاهه لدراسة الأدب في تهامة، وما يتصل بها بحيث يعد من أوسع المهتمين بهذا الجانب اطلاعا، وأطولهم باعا في هذا الأدب (4) .
هذا ويجد الباحث في كل عدد من هذه الحوليات نبذة عن صاحبها وحياته العلمية والعملية.
وفي الختام أقول ان هذه الحوليات عمل متميز وفي أبحاثها من غزارة الفائدة والجدية في العمل ما يجذب القارىء الكريم، لاسيما وأنها كتبت بقلم أستاذ محقق ومدقق بذل جهده ووقته وماله في سبيل ذلك.
وأُذكِّر الباحث الفاضل والقارىء الكريم بمقولة القاضي الفاضل عبدالرحيم بن علي البيساني:إني رأيت انه لا يكتب إنسان كتابا في يومه، إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر (5) .
ونظرا لاهتمامي بهذه الحوليات فقد اقتنيتها وقمت بجردها وفتشها والافادة منها, فبدا لي بعض الملاحظات وليتني أجد كلمة أخف من هذه لأسوقها للباحث الكريم، فمن تلك الملاحظات:
* الأخطاء المطبعية، لاسيما في الأعداد المتأخرة.
* رداءة الورق أو الطبع لا أدري لاسيما في العدد الرابع.
* عدم افساحه المجال للباحثين لنشر بحوثهم ومشاركاتهم العلمية في الحوليات، والباحث الكريم وان كان وعد بهذا في مقدمة العدد الثالث إلا أننا ما نزال ننتظر تحقيق هذا الوعد، ولم نر شيئا في العدد الرابع.
* تكرر بعض الأبحاث في أكثر من عدد، لا أدري لعل الباحث الفاضل له وجهة نظر لا أفهمها، فمثلا:
1 مع القاسم الذروي في الحنين الى وطنه، نشر العدد الثالث ص 141 وفي العدد الرابع ص178 بهوامشه مع اختلاف طفيف في المقدمة.
2 لامية ابن عمر الضمدي في الاستسقاء, نشرت في العدد الثالث ص87 وكذا في العدد الرابع ص/206 كما نشرت في رسالة مستقلة.
3 عزالدين النعمي يرثي بصره، نشر في العدد الثالث ص63 وفي العدد الرابع ص212.
إن هذه الملاحظات وغيرها لا تغض من قدر عمل صاحب الحوليات، كما أرجو ألا تفت في عضده، وأطالبه بمواصلة البحث والعمل والنشر، تحقيقا للفائدة.
والحمد لله أولا وأخيرا.
* محافظة الرس المعهد العلمي
(1) العدد الأول من الحوليات ص/15.
(2) مقتبس مما يثبته صاحب الحوليات في مقدمة كل عدد، وانظر مصادره.
(3) نادي أبها الأدبي.
(4) انظر العدد الرابع من هذه الحوليات ص:243.
(5) اتحاف السادة المتقين للزبيدي 1/4ط دار الكتب العلمية.
|
|
|
|
|