أنت, ومن أنت؟ إنسان يضيع بين عامة الناس مسافر من القصيم إلى الرياض, تدخل إلى المطار, تذهب لاستخراج كرت الصعود للطائرة, تقف خلف عاملين هنديين, يأتي إليك الدور, تأخذ الكرت وتدلف نحو الصالة الداخلية, يستوقفك منظر جميل, شيخ جليل يلبس ثوبا أبيض وغترة بيضاء يوزع ابتساماته نحو اليمين ونحو اليسار, لا بد أنه الشيخ محمد بن صالح العثيمين, ابتساماته الجميلة وهيئته البسيطة تخلق جواً من الراحة والأمن ينتشر في كل أجزاء المطار, تبتهج ويقفز قلبك فرحا عندما تستنتج أنه سيصاحبك في نفس الرحلة, ماذا عليك أن تفعل؟ هل يجب أن تذهب وتسلم عليه؟ نعم، لكن ليس الآن! هو لا يعرفك إطلاقاً، لكنك تعرف أن هذا الشيخ يعرف أنك أخوه المسلم وهذا يكفي, يجب أن تنتظر خاصة وانه مشغول بالحديث مع هذا وذاك, الآن لا أحد يغبطك على ما أنت فيه, رحلة بالطائرة وبمصاحبة من؟ الشيخ العثيمين؟ سافرت مرات كثيرة ولم تشعر بمثل هذا الاطمئنان والأمن في حياتك, كم هي جميلة بعض المواقف التي لم تخطط لها, تذهب بسعادة كبيرة نحو الصالة الداخلية بانتظار الدخول إلى الطائرة, كل شيء في المطار بدا جميلاً, حتى موظفو المطار بدوا وكأنهم حصلوا للتو على علاوة كبيرة, لقد تعاملوا معك والمسافرين على نحو استثنائي وراقٍ قلّما تجده في أي مكان, هل هذا له علاقة بالشيخ؟ بل على العكس، بعضهم لم يعرف بوجوده في المطار، أم أن كل ذلك بسبب الحالة الانفعالية السعيدة التي تعيشها؟, تدخل الطائرة وتبقى بانتظار قدوم الشيخ, نعم، ها هو يدخل يوزع نفس الابتسامة على جميع المسافرين, تتضايق من استنتاجك المزعج أن يذهب الشيخ إلى مقاعد الدرجة الأولى, وهل هناك أحد في الطائرة أفضل من هذا الشيخ الجليل, ماهذا؟ الشيخ العثيمين يتجه نحو الدرجة السياحية؟ تنفرج أساريرك وأنت تتابع الشيخ وهو يتجه إلى مقعد في الصف الذي يقع أمام الصف الذي تجلس فيه, يعرفه بعض المسافرين فيذهبون للسلام عليه, أدرك أحد المضيفين أن بصحبتهم في الطائرة رجل مهم, تحمد الله أنك لا تملك مالاً كثيراً يجعلك تحجز مقعداً في الدرجة الأولى لأنك لا تقبل بالجلوس هناك وهذا الشيخ الجليل يجلس في الدرجة السياحية, كم هم تعساء أولئك القابعون هناك؟ جاء أحد المضيفين يعرض على الشيخ الانتقال إلى الدرجة الأولى حيث أنه يوجد مقعد شاغر هناك, تتضايق وتخاف أن يستجيب الشيخ لطلبه, تترفب ماذا سيقول الشيخ له, يعتذر الشيخ من الذهاب إلى هناك ويبقى في مقعده بينكم, يزداد المكان طمأنينة, تقرر الذهاب للسلام عليه, تذهب إليه وتلقي عليه السلام, يرد عليك بأفضل منه, يبتسم لك كما لم يبتسم لك أحد من قبل, تتيقن أنه يعرفك كما لم يعرفك أحد من قبل, تسأله عن صحته فيسألك عن صحتك كما لم يسألك أحد عن صحتك من قبل, تستفتيه فينصت إليك كما لم ينصت إليك أحد من قبل.
يتحدث معك كما لم يتحدث معك أحد من قبل, شخص آخر يريد أن يتحدث إليه مثلك, تودعه مضطراً فيودعك كما لم يودعك أحد من قبل, تأتي طفلة صغيرة تجد صعوبة في الكلام وتجلس بالمقعد الشاغر بجانبه, يقرؤها سورة الصمد فتقرأ, يقرؤها الفاتحة وهي تقرأ خلفه, يبقى الشيخ معها يحدثها وتحدثه, يمضي الوقت سريعاً, تهبط الطائرة في الرياض, يغادر الجميع الطائرة, تنظر إلى الشيخ ينزل من الطائرة, تسير خلفه, تعود إليك انفعالاتك القديمة, تتضايق عندما تعرف أن الشيخ سيفارقك, إحساس بالوحشة ينتابك.
خالد عبدالرحمن العوض
|