| مقـالات
تابعت كما تابع غيري مانشرته جريدة الجزيرة في عددها الصادر يوم الاربعاء 8 شوال 1421ه عن حادث سقوط عمارة في شارع الخزان بالرياض، وقد استوقفني الحدث من عدة زوايا.
الزاوية الإعلامية حيث حظي بتغطية إعلامية متميزة، ولا سيما من جريدة الجزيرة التي لم تقتصر على إيراد الخبر فحسب، بل أفردت له تحقيقا موسعا وتحليلات غنية بالتفصيلات.
هذه التغطية الإعلامية لم تكن بهذه الصورة سابقا، فقد تعودنا أن نقرأ في صحافتنا عن عجوز أمريكية عضها كلبها، أو مسن إنجليزي سقط من درج منزله فشج رأسه، أو من زوجة خانت زوجها فقتلها، ويموت من يموت بين ظهرانينا دون أن نسمع عنه شيئاً.
هذا الجهد الإعلامي في رأيي ضرورة من ضرورات التواصل بين المطبوعة الصحفية وبين مجتمعها، وإلا فكيف تكون الصحيفة معبرة عن نبض مجتمعها وهي لا تسلط أي ضوء على معاناته ومشكلاته، وهو كذلك وسيلة من وسائل الإصلاح وإعانة المسئول على تفقد ومتابعة أداء إدارته، والتعرف على حاجات المجتمع، ومتطلبات مواجهتها.
يبقى بعد ذلك أن أؤكد على أن ميدان التحقيقات الصحفية ميدان فسيح يمكن ان تتبارى في ساحاته مطبوعاتنا، وأن تظهر فيه مهارات صحفيينا وقدراتهم المهنية، بشرط الالتزام بآداب الطرح والأمانة الصحفية ورسالة التوعية الملقاة على عاتقهم.
الزاوية الثانية: أهمية دراسة وضع المباني القديمة في مدينة الرياض، ولا سيما مايقع منها في مناطق تجارية كالخزان والفوطة وحوطة خالد للاستفادة من موقعها في إقامة مشروعات تجارية على غرار ماقامت به شركة الرياض للتعمير في بعض هذه المناطق، وهذا الموضوع ليس غائباً عن تفكير شركة التعمير بتوجيهات من سمو امير المنطقة، ولكن هذا الحادث لعله يكون سبباً في سرعة تنفيذ المخططات المقترحة.
الزاوية الثالثة: أكد الحادث حرص قيادة هذه البلاد وكبار مسئوليها على تحقيق أمن المواطن والمقيم، وتوفير سبل السلامة وعلاج السلبيات بمتابعة أمينة، فقد أعلن في اليوم التالي عن أمر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض بدراسة موضوع الحادث ومواساة أسر الضحايا.
وهذه خصيصة من خصائص القيادة الكريمة في بلادنا الحبيبة أنها تقف بكل طاقاتها مع ابنائها الذين يتعرضون للحوادث أثناء قيامهم بواجبهم، وفي حادث العمارة كان الشرطيان المتوفيان يؤديان عملاً تطوعياً في الدرجة الأولى.
مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلى دراسة الحادث دراسة متأنية يدفعني إلى إثارة بعض التساؤلات، فهذه العمارة وغيرها من المباني القديمة التي مضى على تشييدها أكثر من ثلاثين اوخمسين عاماً بحاجة ماسة الى تفتيش عليها بواسطة مختصين من مهندسين وخبراء في سلامة المنشآت للتحقق من توافر شروط السلامة والأمن فيها.
هذه العمارة وغيرها كانت ماثلة أمام الاعين وعلى شارع رئيسي من أهم شوارع مدينة الرياض، وهو شارع تجاري تتراص فيه المحلات التجارية، أفليس من الاولى فحص تلك المحلات من خبراء في سلامة المنشآت تابعين للدفاع المدني قبل الترخيص بفتح محلات تجارية فيها؟
أليست مهمة التفتيش على المنشآت القديمة والآيلة للسقوط من وظائف الدفاع المدني التي يجب ان يباشرها بصورة روتينية؟ولماذا لم نسمع عن مخالفة صاحب العمارة ومحاسبته إلا بعد وقوع الكارثة؟ وأين التفتيش والمتابعة القبلية؟
إن الدفاع المدني علم وخبرات وليس عملاً روتينياً تسيره النيات الطيبة والأماني الخيرة؛ لأنه يتعلق بأرواح البشر، والإنسان قد كرمه الله على كثير من المخلوقات وفضله تفضيلاً.
والدفاع المدني يتعلق بعدد من المجالات، فالمتطوعون في الدفاع المدني لابد ان يكون بينهم من هو ملم بأسس الدورة الكهربائية، ومن هو ملم بأسس الهندسة المدنية، ومن هو ملم بالإصابات والكسور في العظام أي ان يكون على الأقل ممرضاً متمرساً.
والمتطوع في الدفاع المدني بحاجة الى الالتحاق بدورات تدريبية تنير له كل تلك الأسس والخبرات وتعطيه معلومات أولية في كل مجال من المجالات التي قد يصادفها في عمله.
والتدريب العلمي المبني على أسس سليمة ضرورة من أهم ضرورات الدفاع المدني في هذا العصر، ولا يكفي التدريب الرياضي الذي يقوي العضلات، ولكنه لايفيد في التعامل مع الظروف العصيبة التي يجد متطوع الدفاع المدني نفسه محرجاً أمامها لقلة علمه أو خبرته بها.
إن الدفاع المدني يقوم بأعمال كبيرة، وليس أكبر من ان يجود المرء بنفسه في سبيل إيمانه بأهمية عمله، وأسأل الله الكريم ان لايحرم العاملين في الدفاع المدني من نية الاحتساب في عملهم حتى لايحرموا من أجر الشهداء عنده عز وجل.
ربما كانت الصورة المرسومة في ذهن المواطن عن الدفاع المدني ناقصة أو قاصرة، نتيجة ضعف الدعاية الإعلامية لأعمال الدفاع المدني وإنجازات رجاله، ولكن ذلك لايمنع من الإشادة بجهودهم المباركة في نجدة الناس وتخفيف معاناتهم.
وواجب الإنصاف يفرض علينا الا نغفل الصعاب والظروف بل والمخاطر التي يتعرض لها رجال الدفاع المدني في عملهم، وإطلاق الكلمات والاحكام بعيدا عن تلك المعاناة سهل، ولكن خوض غمار تلك المخاطر شيء آخر.
وبرغم إدراكي لمعاناة رجال الدفاع المدني والصعوبات التي تواجههم، فإنني وبالصوت الجهوري اقول: إن عمل الدفاع المدني لايخلو من اخطاء ومن قصور فهذه طبيعة البشر، وكل من يعمل لابد ان يخطئ، ولكن لا يجوز الاتكال على هذه المقولة، بل لابد من الحرص على تطوير العمل إلى الأفضل، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في مجال عمل الدفاع المدني.
وأكبر دليل على ذلك المتابعة الشغوفة للبرنامج الإعلامي المعروف 911 الذي يعرض بعض منجزات وجهود الدفاع المدني في الدول الأخرى، وليس عيبا ان نستفيد منه، فهذا البرنامج يؤكد أهمية التنسيق بين الدفاع المدني والجهات الحكومية والاهلية والأفراد، وبالأخص مع المستشفيات.
رأينا كيف يقوم رجال الدفاع المدني المدربون والمجهزون بالأدوات اللازمة بالإسعافات الأولية في وقتها، ثم الاتصال بالمستشفيات المتخصصة مع إعطائهم صورة واضحة ودقيقة عن الإصابة والمطلوب لعلاجها، وبالتالي يتم تجهيز أدوات العلاج المناسب فور وصول المصاب للمستشفى، وتتم الاستعانة بالطائرات والزوارق البحرية وغيرها لضمان سرعة أكبر لوصول المصاب لمكان العلاج, عن طريق التنسيق مع خفر السواحل والقوات البحرية والقوات الجوية واستثمار وسائل الاتصال الحديثة في التنسيق بين هذه الجهات.
بل رأينا كيف تتم الاستعانة بذوي الخبرة والمتخصصين من الافراد في عمليات الدفاع المدني والتطوع، فأحياناً تتم الاستعانة بشخص من المتخصصين في الالعاب البهلوانية إذا استدعت الحالة الإسعافية ذلك، وأحيانا تتم الاستعانة بمهندس متخصص في حفر الانفاق والكهوف وغير ذلك.
لقد رأينا من خلال برنامج 911 الدرجة العالية التي وصل إليها استعداد الافراد والمؤسسات الأهلية للتطوع والإنقاذ والمساعدة الإغاثية، وهم في مجتمع مادي، مما يجعلنا نتساءل: هل يمكن عقد مقارنة بين ذلك الاستعداد، وبين مستوى استعداد الأفراد والمؤسسات الأهلية من مستشفيات وغيرها في بلادنا للتطوع الخيري والإغاثي بدون البحث عن ربح مادي، ونحن في مجتمع إسلامي قوامه التراحم والمودة والتعاون؟؟
إنني أرى أن من الواجب ان نستفيد من الخبراء ميدانياً والمتخصصين علمياً في كل مجال يفيد عملية التطوع والإغاثة والتعاون بين افراد المجتمع في كل شأن يتعلق بأمنهم وسلامتهم، وبما يحقق نهضة الدفاع المدني في بلادنا ليواكب النهضة العامة في كل مناحي الحياة ولله الحمد، ولكن السؤال هو: هل لدى أولئك الافراد والمؤسسات الأهلية الاستعداد للتطوع بدون انتظار ربح مادي؟
وهل يمكن إصدار نظام ملزم للمؤسسات التجارية؛ ليؤدوا واجبهم في هذا المجال، ولا سيما ان الدولة هيأت لهم ميدان الربح التجاري بدون فرض ضرائب وغيرها، وبقي واجبهم تجاه مجتمعهم مما يجب وفاؤهم به؟
إن الحاجة ماسة إلى تنمية الشعور بأهمية الاحتساب لله تعالى في المجال التعاوني والتطوعي والإغاثي عند افراد المجتمع افراداً ومؤسسات، من منطلق ديني عن طريق العلماء والدعاة والإعلاميين، وفق خطط علمية مرسومة، تحقق ما فطر الله أهل هذه البلاد عليه من فطرة حب الخير والسعي إليه.
ولعله من المفرح الإعلان عن عقد المؤتمر السعودي الثاني للتطوع الذي ستنظمه جمعية الهلال الأحمر السعودي بالتعاون مع مديرية الدفاع المدني في شهر محرم من عام 1422ه وإن الآمال معقودة عليه بتوفيق الله لوضع أسس علمية وتصورات عملية وتنظيمات دقيقة ووافية؛ للنهوض بأداء التطوع الوطني بمجالاته المختلفة ومنها التطوع في مجال الدفاع المدني.
هذا وبالله التوفيق.
|
|
|
|
|