| مقـالات
* ما قيمة النقد في الحياة العامة اذا لم يوجه بالكلية الى إصلاح الذات الناقدة والمنقودة معا، والذي بصلاحها يصلح كثير من امور البشر، حيث تأتي العلاقات والمصالح والحاجات بين انسان وآخر، على رأس الهرم في الحياة اليومية,,؟
* وبما ان للنقد عدة أوجه فهو يأتي بصور متعددة ايضا طبقا للذات الناقدة والذات المنقودة، وتظل الحاجة قائمة للنقد بصفته اداة تقويمية مهمة، تبرز الايجابيات وتعمل على تعزيزها، وتكشف عن السلبيات فتبرز مواطن الخلل المسببة لها، وتصف من الحلول ما يكفل سدها، والكشف عن مواطن القوة المساعدة للخروج من مأزق العجز ومستنقع الضعف.
* ومع تعدد الاوجه وتنوع الصور الناقدة في الحياة اليومية الا ان ذواتنا الناقدة تظل في الغالب في موقف ظهور دعائي لا يؤمن غالبا بالمطروحات المثالية التي يتبناها عادة، بدليل انه لا يخضع نفسه للتطبيق الذاتي، ومن هذا المنطلق فالنقد من جانب الذات الناقدة هو طرح نظري بحت إما لعرض العضلات او للاستهلاك الآني، او لاثبات وجود لا غير,, هذه اشكالية واضحة، يقابلها من جانب آخر، الذات المنقودة,, تلك المتلقية ,, فهي الاخرى تضرب عرض الحائط بما هو في صميم خصوصيتها نظرا لانه ليس في منهجيتها ما يدعوها للسماع، فهي تعودت ان تسمع بضم الاول الآخرين لا ان تُسمع منهم، وهذه نمطية سلوكية سلبية حقيقة بدءاً من حيثياتها الاولى، فكيف بمعطياتها ونتائجها التي تأتي في جلها قهرية مشوهة وضارة.
* قد يقول قائل: بأن المجتمعات الشرقية هي التي تتصف في سلوكها العام بهذه السلبية الحادة بين ذات ناقدة وأخرى منقودة، في غالب الأمر، ويظهر هذا جليا في الادارة العامة لشؤون الحياة، وما يختص بخدمة المجتمع على عمومه، ففي حالة كهذا تتلاشى صفة الايجابية في العملية النقدية حتى لا يصبح امامنا سوى صورة لذات راقدة ,,! تظل تلوك كثيرا من النظريات والمثاليات، وتردد على المسامع عديدا من التنظيرات والنظرات ولكنها في نهاية الامر تجتر مع نفسها هذه الحصيلة النظرية البحتة في انكسار وانشطار وفي انكفاء على الذات التي تأبى الا ان تكون راقدة,,!
* إذن,, ما قيمة ما يقال وما يكتب وما يطرح اذا ظل النقد بين شخص وآخر، يمثل حالة عدوان او شتيمة، ينبغي الرد عليها بما هو اقوى وأعنف، من اجل اسكات مصدر الكلمة الرصاصة ,, او مصدر النيران ,, التي تعتقد الذات المنقودة انها سوف تجلد وتشوى بها أمام الملأ,,؟! يا للعار,,!
* ولكن ينبغي ان نعترف بأن العملية النقدية ذاتها، قد تطورت باتجاه القبول والفهم من الآخر حتى في المجتمعات العربية والشرقية التي ظلت توصف بأنها غير ديمقراطية في مسألة الرأي والرأي الآخر فهذا الرأي الآخر، لم يعد هو الرأي المضاد في كل الاحوال، ولكنه يصبح في المناخ الجيد رأيا معاضدا ومساندا للخصم وبأسلوب النقد ذاته الذي يستهدف البناء تعاونا بين الذات الناقدة والذات المنقودة، وليس اسقاط صفة التذنيب والتجريم في محاولة اقصاء هذا الطرف او ذاك، من اجل التوحد بشرفية تتسب لمن كسب جولة، فالمسألة لا تتعلق بمعركة حربية بين طرفين مختلفين لا يستقيم الأمر الا باحدهما ولكن صلب القضية هو في التعاون بين طرفين كل منهما يبرح طريقه ليلتقي مع الآخر في نقطة واحدة تحدد معالم المستقبل ,.
هذا رغم ما يطرأ من نماذج حية، تقلص في انفسنا من مساحة التفاؤل، فما زال بعض العرب والمسلمين يختلفون ثم يلتقون في المساجد لتصفية الخلاف بينهم جسديا,, مثل ما حدث مؤخرا في اليمن، وحدث قبل ذلك في الباكستان وفي السودان,, وهذه صورة قاتمة، تجسد التخلف في أدبيات الإسماع والسماع بدون أدنى شك.
* تكلمنا على تطور العملية النقدية وانتقالها من مرحلة التذنيب والتشهير ومحاولة الاقصاء الى مرحلة التعاون والبناء الجمعي وهذا تطور يحسب في جانب كبير منه للادارة الاقتصادية التي تخضع للغة الأرقام وتبني سيرها على وتيرة الربح او الخسارة، ويلتقي أقطابها ناقدون ومنقودون عند نقطة واحدة تمثل مصلحة عليا لا يجوز الاختلاف عليها بأي حال من الأحوال,, ومن هنا جاءت مفردات حديثة تتعلق بالدراسة والتقرير والتقويم,, ودخلت هذه اللغة الحديثة بقية الأنماط الادارية في الحياة,, وجاءت مسألة التخصص والاستشارة وبرز دور الصحافة والاعلام، وهو دور مهم في النقد وفي التوجيه نحو الأفضل متى ما أحسن استخدامه,, لكن هل بلغنا مرحلة النضج في التعامل مع العملية النقدية كوسيلة للاصلاح في السلوك العام,, وفي الادارة العملية على وجه الخصوص,,؟
* محاولة الجواب عن مثل هذا السؤال تقودنا الى اسئلة اخرى كثيرة ومتشعبة جميعها يدور في فلك العملية النقدية التي تكاد تكون يومية بين ذات ناقدة وأخرى منقودة، او حتى ذات ناقدة منقودة في الوقت نفسه، متى ما استطاع الانسان في وقت من الأوقات ان يصل بنفسه الى مرحلة النقد الذاتي ,, وما أنضجها وأصدقها من مرحلة.
* حسنا,, ما قيمة الدراسات العلمية والتقارير الدورية التي تصدر هنا وهناك بين فينة وأخرى، وتتناول قضية او مشكلة ما في مسار فرد او مجموعة من الأفراد,,؟ ثم ان هذا الفرد او هؤلاء الأفراد غير مبالين، ولا يعيرونه ادنى اهتمام، وكأن الأمر يختص باناس آخرين، ربما ليس لهم وجود على كوكبنا هذا,,؟
* الصورة في مثل هذا التعامل السلبي، مع ما يصدر من دراسات جادة، أو تقارير تفصيلية، فيها توضيح وتصحيح، وقد تحمل رؤى تبصيرية، وتسبر من نقاط الضعف والقوة، في مسار عملي معين، ما نحن في أمس الحاجة اليه، هذه الصورة، هي ذاتها تتكرر في التعامل مع الحالة النقدية التي تمارس يوميا على صفحات الصحف، او في المجالس العامة والدواوين والمنتديات والملتقيات اليومية لخاصة المجتمع وعامته,.
الكل يتفق على وجود خلل ما او شيوع علة في جهاز خدمي على سبيل المثال أو بروز سلبيات في نشاط اجتماعي، او ظهور انحرافات في سلوك فردي او جماعي، لكن الكل يقف عند حد التوصيف، وقد يتخلى عن دوره الايجابي في التعامل مع حالة، كان قبل ساعات يرى انها تمثل عقبة كأداء، ومحنة وخطرا واعوجاجا وانحرافا ونشازا الى آخر مفردات جلد الذات هذه الذي يرى الناقد نفسه، انها لا تليق بفرد او جماعة او جهاز ما، او مؤسسة ادارية تخدم الناس، وينبغي ان تكون في كامل لياقتها الادارية حتى تنهض بدورها المطلوب كما خطط لها مسبقا.
* أمر في غاية العجب,,؟!
* هل نحن نمارس النقد من اجل النقد,,؟ أين دورنا في التصويب والتصحيح والامتثال لما نطرح من مثاليات,,؟!
* قد تكون هذه مجرد ملاحظة عابرة ولكنها تعني عندي شيئا معبرا عن هم يومي معاش، هو في واقع الامر بعض من الظهورية والبروزية لكثير من الناس فهي وان كانت تعني عند هؤلاء وامثالهم بعضا من وجاهة اجتماعية، لكنها في ذات الوقت تشير الى شخصيات مزدوجة، فالواحد من هؤلاء يسير في اتجاهين مختلفين، ويمثل في وقت واحد الأمر وضده، لأنه ببساطة متناهية ينادي بشيء ويأتي بخلافه,, وهذا هو احد أخطر امراض العصر في هذا الزمان.
* ان العملية النقدية لا تأتي صدفة ولكنها تبنى على خبرات سابقة وتطبق على تجارب كثيرة في الحياة، وانا أرغب في الخروج بالحديث من العموم الى الخصوص، لأن المتضرر الأكبر من سلبية التعامل مع النقد بصفته عملية بنائية ايجابية في الدرجة الاولى هو خبراتنا الادارية، وتجاربنا العملية التي لن تتطور وتتقدم في منهجيتها التعاملية وأساليبها النظرية والعلمية ما لم تنهض من رقدتها الطويلة، فتستجيب للنقد البناء بالتعاطي الواعي مع طروحاته والاستفادة من الرأي الآخر في معرفة الذات من خلال نظرة محايدة.
* ماذا يمنع لو دققنا في كثير من التجارب العلمية والعملية التي خضناها ونخوضها في حياتنا اليومية، لنعرف من نحن,,؟ وأين نحن,,؟ ان الموظف منا، وهو خارج في الصباح الى مقر عمله في مؤسسة او ادارة تخدم مجتمعه ليقف أمام المرآة بعناية لينظر في نفسه، ويصلح من شكله وهندامه، حتى يبدو في أحسن وأتم وأليق صورة امام الآخرين، لكن هل فكر هذا الموظف يوما ما في صورة هذه الادارة التي ينتمي اليها,,؟ في شكلها أمام المحتاجين لخدماتها,,؟ في مستوى أدائها بعد عديد الخبرات والتجارب التي خاضتها على مر الأيام,,؟
* من وظائف النقد البناء في محاولة اصلاح الادارة العامة كشف المستور، مما يعمد بعض المتنفذين المعادين والمحاربين للنقد الى ستره، وتعتيم الاضاءة حوله بأي شكل,, ومما يُعنى به النقد الهادف خلق أرضية مناسبة للحوار، لمن أراد ان يسمع و,, يُسمع والأخيرة بضم الأول فالجمود في التعاطي مع الآخر الناقد ,,
هو جبن وافلاس وبؤس لا مثيل له وهو هروب ليس الى الأمام في كل الأحوال، ولكنه قد يكون الى الخلف، وما أكثر الذين فقدوا وقع خطواتهم في الحياة، فلم يعد في مقدورهم التعرف على مشيهم، الى الأمام هو ام الى الخلف,,؟!
* ان اعدى أعداء النجاح والابداع هو الزيف المتمثل في المجاملات الكاذبة والمدائح غير المستحقة، والنفخ بطريقة ساذجة وسامجة، ولهذه الأساليب الانتهازية أبطال من المتسلقين والمنتفعين وحمالة النعوش,,
وهؤلاء وامثالهم يشكلون خط النار الاول في وجه النقد الهادف، دفاعا عن فساد زرعوه في مواطن عملهم وحياتهم، فهم يرتعون في ظل الفساد الاداري، ويحصدون ثماره من كافة أفراد المجتمع.
assahm 2001@maktoobb.com
|
|
|
|
|