رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 13th January,2001 العدد:10334الطبعةالاولـي السبت 18 ,شوال 1421

متابعة

رحيل عالم زاهد
د,محمد بن سعد الشويعر
مصيبة وأي مصيبة، عندما تفقد الأمة عالماً مجاهداً بلسانه حريصاً على طهارة العقيدة، محبا للخير وأهل الخير، عرف بالزهد والورع، من حيث بدأ المسيرة العلمية، مع شيخه عبدالرحمن بن سعدي رحمهما الله انه الشيخ الجليل الذي عرف بالتواضع والبساطة في جموع أموره، حتى إنه يذكر الجالس معه، والحاضر لمواطن حديثه,, أنه مع واحد من علماء السلف، الذين نقرأ قصص حياتهم، وورعهم,, لقد فقدت المملكة العربية السعودية، والعالم الاسلامي بأسره يوم الخميس 16/10/1421ه الشيخ العالم: محمد بن صالح بن عثيمين، وصلي عليه في المسجد الحرام,, بجمع، حاشد، يذكرنا برحيل شيخ الجميع منذ أقل من عامين, وبالجماهير التي حضرت جنازته,, رحمهما الله ، وجمعهما في مستقر رحمته,, حيث دفن الأخير بجوار الأول في مكة المكرمة والشيخ محمد بن عثيمين، وان كان يعتبر نفسه تلميذاً للشيخ عبدالعزيز بن باز، حيث تتلمذ عليه في كلية الشريعة في الرياض، فان كلا منهما يجل الآخر، ويتبادل معه النصح في المسائل التي تهم المسلمين، ليس في المملكة وحدها ولكن في أنحاء العالم، لأنهما يحملان هموم المسلمين ويحزنهما ما يحزن أي مسلم في أي موقع من الأرض، ويسرهما ما يسر المسلم، أخذاً من الحديث الشريف: (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)،
وبقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
ونحمد الله على ان علماء هذه البلاد، قد زانوا العلم الذي منحهم إياه وفتحوا صدورهم لتفهم كل أمر يهم المسلمين، وبيوتهم لاستقبالهم، وعواطفهم لتحسس مشاعرهم، ومساعدتهم بالكلمة الطيبة، وبالتواضع وحسن الدراسة كل ما يعترضهم من مشكلات، وحل فتاواهم باليسر المستمد من نهج الاسلام، (يسروا ولا تعسروا).
فكان الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عند كل من عرفه يمثل نموذج العالم الورع في بسطه وتيسير وقته لكل راغب في الاستفادة أو وافد ليسأل عن مسألة، الزاهد في حطام الدنيا، مع ما أتيح له في الدنيا، لو كان يريدها,, أقبلت عليه فأدبر عنها,, وتزينت أمامه فزهد فيها، وشاح بوجهه عند مظاهرها وزخرفها,.
أحب العلم فشعر بمسئوليته في العطاء، ففتح بابه للطلاب، ونظم الدروس للراغبين في غير سويعات العمل في الجامعة، وشعر بحاجة القاصي والداني فاستجاب بالهاتف والمحاضرات، وتنظيم الاوقات في الجمعيات النسائية ومع طالبات العلم والراغبات في الاستفتاء مما يشكل عليهن,, عرفته رحمه الله عن كثب، وعرفت فيه خصالا هي حلية العالم، وزينة طالب العلم، ومن ذلك طيبة القلب ونزاهة اليد، وعفة اللسان، وطيب القلب، فهو رحمه الله يحسن الظن بمن يتوسم فيه ذلك، لكنه يتورع في الفتوى المكتوبة الا بعد تأييدها بكلمات منه، تؤكد ما فيها، مع قيد ذلك بالتاريخ والختم والتوقيع,, لأن بعض الذمم قد فسدت فأحب ان يقيد فتواه بالحبال الموثقة حتى لا يقال عنه ما لم يقل,.
كنت أعرف عنه حبه البذل من ماله لمن هو مستحق في داخل المملكة وخارجها، ويساعد في بناء المساجد وللجمعيات الاسلامية ومدارسها في الخارج متى ثبت لديه سلامة عقيدة القائمين عليها,, ولاشك انه سيترك فراغاً، قل ان يملأه الا من أعطاه الله نية صادقة، واحتسابا وبذلاً من نفسه ومن جاهد,.
لقد حزن أهالي القصيم خاصة، والمملكة عامة، عندما توفي شيخه عبدالرحمن بن سعدي، وكان بعضهم يظن انه لن يأتي من يحل مكانه، وبمثل قابليته عند الناس، وسعة علمه، فكان تلميذه الوفي الشيخ محمد بن عثيمين هو البديل الذي جعل الله فيه الخير والبركة,.
وحزن الناس أكثر عندما اخترمت يد المنون شيخ المشايخ ومفتي الديار السعودية محمد بن ابراهيم، فجعل الله في الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الجميع الكفاية في العلم والمقدرة في الفتوى,, والقابلية عند الناس.
وقبل الشيخ محمد، عندما توفي عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، فكان من فطنة الملك عبدالعزيز، ان قال للمشايخ وهم في المقبرة بعد الدفن مباشرة: لئن دفنا العلم، فإن في هذا الرجل، واشار الى الشيخ محمد بن ابراهيم الكفاية ان شاء الله,.
ثم اسند اليه القيام بمهام عمه,, ونحن اليوم في فقدنا لعلمائنا، نسأل الله سبحانه ان يجعل في العلماء الباقين بعدهم، خير الخلف، لخير سلف,, وان يمدهم بعونه لنصرة دينه وإعلاء كلمة الحق، مذكرينهم بمقالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (نحن قوم أعزنا الله بالاسلام ومتى ابتغينا العز بغيره أذلنا الله).
ومن حقهم وحق ولاة الأمور على الأمة الدعاء والتعاون، فإن ولاة أمرنا لحبهم لسلامة العقيدة، واهتمامهم بالاسلام: عقيدة وعملاً وتطبيقاً، كانوا يقدرون العلماء، ويتأدبون معهم وينزلونهم المكانة التي تليق بالعالم المدرك مكانة العلم في نفسه وفي عمله, بل يسندونهم في تبليغ ما آتاهم الله من علم، ويهيئون الفرص، حتى اصبحت المملكة الآن مرنا أفئدة طلاب العلم الشرعي، وعلماؤها موطن الثقة بما عندهم، والاطمئنان لما يصدر عنهم وخاصة في أمور العقيدة.
ولذا كانوا وبخاصة عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله مقصدا لطالب العلم وموطن ثقة لراغب الفتيا، وبفقدهما فقد طلاب العلم في الخارج خاصة، وفي الداخل بصفة عامة سندا قويا في الميدان العلمي، لان أي خلاف تبرز آثاره بين المتناقشين في أمور من الأمور الدينية في دول العالم، يرون الاحتكام الذي يصدرون عنه: ما قاله الشيخ ابن باز، أو ما أفتى به الشيخ ابن عثيمين,.
نسأل الله ان يعوض الأمة خيرا في علمائها الباقين، وأن يجعل لهم الورع,, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطمئن أمته بأنهم لايزالون بخير في مثل هذا الحديث: (من قال هلك الناس فهو اهلكهم، أو فقد أهلكهم),, لأن الله جلت قدرته قد تعهد بحفظ هذا الدين، ومن حفظه قيام رجال بترسم خطى قبلهم من أهل الصدق والأمانة: والحرص على التخلق بأخلاقهم في الأداء وصدق النية والعمل,.


فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم
ان التشبه بالكرام فلاح

لقد كان من مواطن الشبه بين الشيخين: ابن باز وابن عثيمين أن كلا منهما:
لما اصيب بالمرض تحامل على نفسه اداء وعملاً وحرصا على إفادة الناس ما يحتاجون اليه,, وهذا من الاهتمام بالامانة العلمية، وتبليغ ما أعطاهم الله، خلافا لأهل الكتاب الذين كتموا العلم.
فالشيخ بن باز رحمه الله كان يعطي الدروس ويحدث الناس في المناسبات وفي المسجد حتى اشتد به المرض أي قبل وفاته بيوم واحد.
والشيخ ابن عثيمين كان يؤدي حديثه المعتاد في رمضان بعد التراويح حتى آخر رمضان عندما اشتد به المرض.
والشيخ ابن باز حرص حرصاً شديدا أن يذهب الى مكة لأخذ العمرة قبل وفاته بأيام.
والشيخ ابن عثيمين قبل ذلك فقد أصر على المجيء الى مكة في رمضان والصلاة في آخر الشهر بالحرم.
والشيخ ابن باز ممن أكرمه الله بثبات حواسه كلها ولم يحس المراجعون عن حاله بشيء.
وكذا الشيخ ابن عثيمين كانت حواسه كاملة مستمرة معه والدعاء المشهور: (اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ابدا ما أحييتنا),, وقد استجاب الله لهما ذلك وحققه سبحانه.
والشيخ ابن باز يحب مكة كثيرا ويحب المجيء اليها,, ولذا لما مات دفن فيها وصلي عليه في الحرم.
وكذا الشيخ ابن عثيمين يحب مكة ويجيء اليها كثيرا,, وقد صلي عليه في الحرم ودفن بجوار الشيخ ابن باز.
وكل منهما محب لطلاب العلم وباسط جناحه لهم ويمدهم بالمساعدات، وخاصة الذين من الخارج.
وهكذا نجد الخصال الحميدة والسيرة الحسنة والزهد والورع,, ناهيك بالعبادة وحب المساكين, فرحم الله الشيخ محمد بن عثيمين فقد كان نجما ساطعاً في سماء العلم وقمرا يضيء الله به نور الجهل، وسلفيا محبا للعقيدة، ترسم خطى مشايخه واخذ بأقوال العلماء من قبله: دراسة وعملاً,, فكان تلميذا لابن تيمية في كثير من مسائله,, وكان صريحا على أخذ العلم الشرعي من مظانه عن شيوخه وعن كتب السلف حيث يحرص على التحقيق والتدقيق,, لينفرد بما يراه أنفع للناس، تأسيا بشيخه عبدالرحمن بن سعدي في سعة اطلاعه وبعد نظرته,.
رحم الله الجميع، ووفق الله علماءنا الى ترسم خطى اسلافهم: القريبين بمآثرهم والبعيدين بعلمهم المدون ومواقفهم المعروفة,, وجمعنا بمن سلف في مستقر رحمته إنه على ذلك قدير.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved