| متابعة
بالأمس ودعت الأمة الاسلامية علماً بارزاً من أعلامها، ورمزاً فذا من رموزها انه سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله رحمة واسعة نعم رحل عنا الشيخ الجليل والعالم الكبير الى جوار ربه الى دار الحق بعد ان ترك لنا إرثاً نافعاً عظيم الأثر وبنفس الوقت ترك في نفوسنا وفي ارض الواقع فراغاً كبيرا ندعو الله ان يعوضنا عنه بكل نافع لهذه الأمة وهذا الدين,لقد ودعنا الشيخ الجليل وهو بعمر يناهز الرابعة والسبعين كان حافلاً وعامراً بالخير والعطاء، فكلماته كانت نبراساً للجميع، وأفعاله كانت مثالاً للقدوة الحسنة الطيبة، وأعماله فحدث ولا حرج فأنت أمام عالم كبير القدر عظيم الشأن واسع الإدراك والمعرفة نير البصيرة متقد الذهن، لقد ولد الشيخ الجليل في السابع والعشرين من رمضان المبارك عام 1347ه وها هو يودعنا بعد ان شهد معنا رمضان والعيد وانتصف شوال ليشهد غياب أحد أكبر علماء الامة,لقد قرأ شيخنا وعالمنا الكبير القرآن الكريم على جده من جهة امه عبدالرحمن بن سليمان آل دامغ رحمه الله، وحفظ القرآن واتجه لطلب العلم على أيدي الشيوخ الأفاضل الذين من بينهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الذي كان يقول عنه شيخنا: تأثرت بالشيخ عبدالعزيز بن باز من جهة العناية بالحديث وتأثرت به من جهة الأخلاق ايضا وبسط نفسه للناس ,وعندما حصل على العلم النافع وتمكن منه امتثل لأمر الله ورسوله بإذاعة هذا العلم وإعطائه للناس كي لا يكون مثل الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، ففي عام 1371ه جلس للتدريس في الجامع، ولما فتحت المعاهد العلمية في الرياض التحق بها، ولما تخرج عين مدرساً في المعهد العلمي بعنيزة مع مواصلة الدراسة انتساباً في كلية الشريعة ومواصلة طلب العلم على يد الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله , وعندما توفي فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله تولى شيخنا امامة الجامع الكبير بعنيزة والتدريس في مكتبة عنيزة الوطنية بالاضافة الى التدريس في المعهد العلمي ثم انتقل الى التدريس في كلية الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالقصيم,لقد افتخرت هيئة كبار العلماء في مملكتنا الحبيبة بأنها تضم بين جوانحها فضيلة الشيخ الكبير ابن عثيمين كما انه قد عرض عليه وبالحاح تولي القضاء لا بل صدر القرار ولكن الشيخ طلب الإعفاء تواضعاً منه,لقد كان لفضيلة الشيخ نشاط كبير في الدعوة الى الله عز وجل وتبصير الدعاة في كل مكان، فهو داعي الدعاة، وكيف لا وهو الذي نذر حياته ونفسه في خدمة هذا الدين الحنيف لا يبتغي من ذلك مدحاً ولا منة بل يرجو الجزاء من ربه والغفران من خالقه والرحمة من مولاه,لقد وفقني الله تعالى لأن أعرف الشيخ والعالم الجليل عن قرب، فقد سعدت بلقائه مرات ومرات وكنت كل مرة لا اغادره الا وقد حصلت على فائدة علمية ونور كريم، وكان آخر لقاء لي مع فضيلته في منزل الشيخ عقيل العقيل مدير عام مؤسسة الحرمين الخيرية الذي أقام جزاه الله خيراً مأدبة عشاء تكريماً لفضيلته بعد رحلته العلاجية من أمريكا، والتي حضرها بعض أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ، وكان الشيخ العثيمين رحمه الله رغم مرضه يجيب على كل الاسئلة والفتاوى التي تطرح عليه مع ذكر الدليل موجهاً وناصحاً ومعلماً للحضور,وقد ودعت الشيخ العلامة على أمل لقاء آخر أشتهيه وأتوق اليه، والآن ها هي العين تدمع والقلب ينفطر ولا نقول الا: إنا لله وإنا اليه راجعون، ولا حول ولا وقوة إلا بالله، وأنتم السابقون ونحن اللاحقون، ودعاؤنا للعلي القدير ان يجمعنا في جنات خلده وفسيح رضوانه ورياض فردوسه إنه على كل شيء قدير,إنها سنة الله في خلقه فكل نفس ذائقة الموت والحمد لله، ولا راد لقضاء الله وقدره وندعو الله أن يلهمنا الصبر والسلوان، وان يلهم ذوي المغفور له بإذن الله كل صبر وراحة بال وطمأنينة، فنحن نعرف حجم مصابهم وكبير الابتلاء الذي يمتحنون به الآن ولكن صبراً آل عثيمين فإن شيخكم في نعم إن شاء الله,لقد منّ الله تعالى على هذه الأمة بأن جعلها أمة الحق والإيمان، ومنّ عليها وتفضل بانه لم يتركها فكان هناك العلماء ورثة الأنبياء الذين لا تخلو منهم هذه الأمة بحمد الله في أي زمان ومكان، وكلما ذهب واحد منهم عوضنا الله تعالى بأمثاله وأقرانه بما يحفظ هذا الدين ويبقى النور مشعاً الى ما شاء الله,لقد كان الشيخ العالم رمزاً ومثلاً أعلى في التواضع والإيثار وحب الخير ونكران الذات والتوجه لله بقلب طاهر مطهر لا يبتغي من هذه الحياة الا العمل الصالح ورضوان الله، لقد كان أخاً للكبير وأباً للصغير بكل ما تحمل هذه الكلمات من معاني الحب والخير والعطاء والحنان,لقد افتقدت الأمة في الآونة الاخيرة عدداً من علمائها الأجلاء الأفاضل، وأملنا كبير بما استودع الله هذه الأمة من شباب ورجال يحملون لواء الحق وراية التوحيد وكلمة لا إله الا الله محمد رسول الله، نعم عيوننا تنظر بأمل كبير وقلوبنا تتلهف بشوق أكبر الى هؤلاء الفتية الصالحين الذين نطمع ان نرى من بينهم من يكون بمكانة أولئك الذين توفاهم الله,ان الدور عليكم اخوة الإيمان في رفع هذه الراية المباركة، عليكم شحذ الهمم واستخلاص العلوم والصبر والتوسع في المدارك والعطاء، والوصول لان تكونوا القدوة الصالحة الخيرة فالأمة بانتظاركم، وكم هو جميل ورائع وعظيم ان يذكر الإنسان عند وفاته وبعد مماته بمثل ما يذكر به الآن هذا العالم الكبير ابن عثيمين، أليس في هذا الدافع كل الدافع للعمل والعطاء المتواصل للوصول للمراتب العالية ليس في المناصب وانما في حب الخير وفعله وإرشاد الأمة لسبيل الحق والدعوة الى الله,لقد امضى شيخنا حياته مدافعا عن كلمة الحق والدين وداعياً الى الله بإذنه بلسان مهذب وكلمة لطيفة وفعل ألطف وأحسن، وهكذا احبته القلوب وتلهفت للقائه النفوس، وكان حديثه ومجلسه لا يمله احد، بل كان مطلباً ملحاً للجميع يقصدونه للتزود من معين علمه وفكره الخصب النير,لقد شهد المستشفى التخصصي في جدة يوم الاربعاء اليوم الأخير من حياة ابن عثيمين الدنيوية فقد ودعنا بعد العصر، ويوم الخميس شهد الحرم المكي الشريف الوداع الأخير شهدت له أرض مكة الطاهرة بالخير كل الخير، وصليت عليه صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة في كل مساجد المملكة,نودعك وعيوننا تفيض بالدمع الذي ينزل مدراراً وعزاؤنا أننا نعرف أنك عند الذي احببت وعند الذين أمضيت حياتك رافعاً لراية دينه، نودعك وقلوبنا ترنو لعلمك الغزير الذي تركته فينا، أو ليست الكلمة الطيبة والأثر الطيب من النعم الكبرى، ألست الذي فاقت مؤلفاته الأربعين وكلها بأصول الدين والفقه والدعوة الى الله؟ أليس هذا بشاهد كبير لك عند ربك؟ نودعك ونحن مطمئنون ونفوسنا راضية، لأننا نعلم أنك تلقى ربك بأمان واطمئنان ونفس راضية مرضية بإذن الله,وأنتم يا أهل فقيد الأمة، المصاب ليس مصابكم وحدكم، بل مصابنا جميعا، مصاب الأمة كلها، فهنيئا لكم بهذا العالم الكبير الذي سيبقى ذكره علماً بارزاً في سماء هذه الأمة، وسيبقى إرثه فخراً لنا كلنا وللامة جمعاء، وستبقى فعاله الطيبة ذكرى للذاكرين، وهنيئا لك يا شيخ الأمة وعالمها بما عملت وبما قدمت وبما فعلت وبما قلت، وهنيئاً لك بلقاء ربك بنفس راضية مرضية ولا حول ولا قوة الا بالله، إنا لله إنا إليه راجعون.
سلمان بن محمد العُمري
|
|
|
|
|