|
| متابعة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
لا يخفى على الجميع أن الموت حق وكأس مر حق على الجميع أن يشرب منه ويتجرع غصته ومرارته قال تعالى:(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) فكم أودعنا الأجداث ووارينا من صديق وعزيز وحبيب رحلوا عنا بدون رجعة فنسأل الله لهم الرحمة وأن يرزقنا العبرة والاتعاض، وفي آخر الزمان يقبض العلم بموت العلماء وفنائهم، قال عليه الصلاة والسلام إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا متفق عليه.
وفي مساء يوم الاربعاء الموافق للخامس عشر من شهر شوال لعام 1421ه فجع العالم الاسلامي بنبأ وفاة عالم من علمائه الافذاذ الذين قضوا حياتهم في طلب العلم ونشره وتعليمه والدعوة الى الله عزوجل، ألا وهو فضيلة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء والمحاضر بكلية الشريعة بفرع جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالقصيم وإما وخطيب الجامع الكبير في محافظة عنيزة رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته ونوَّر ضريحه وأنزله منازل الأبرار وجمعنا به في دار كرامته ومستقر رحمته، وجبر الله مصيبتنا فيه وأخلفنا خيرا منها وأحسن الله عزاءنا وأهله وجميع المسلمين فيه وخير ما نقول إنا لله وإنا إليه راجعون .
فلا يخفى على الجميع انه علم من أعلام الأمة وفقهائها وجهابذتها المتميزين بغزارة العلم والأخلاص والورع والزهد والكرم والبذل والسخاء وحسن الخلق والحلم والأناة، والحكمة والرؤية وبعد النظر، والرأي السديد، حتى أحبه الناس الصغير والكبير والبعيد والقريب، وتناقلوا فتاواه وذاع صيته في أنحاء العالم الاسلامي وصار مرجعا يعول عليه وحجة يحتج به، حيث نذر وقته وحياته منذ صغره الى ان وافاه الأجل المحتوم واليوم الموعود في طلب العلم والبحث عنه والعناية به وحفظ المتون والمطولات ثم في نشره للعلم وتعليمه للناس وبذله لهم وتيسيره لهم بأسلوب فريد مشوق حتى تزاحم الطلاب بالركب في حلقاته ودروسه بالمساجد والمحاضرات والندوات، والقاء الكلمات والدعوة الى الله في كل مكان وفي مواسم الحج في مكة وفي الحرم المكي في رمضان، ومن خلال اجابته على الأسئلة عبر الاذاعة ووسائل الاعلام، المقروءة أو المرئية والمسموعة كبرنامج نور على الدرب والبرامج المذاعة على الهواء مباشرة فيجيب بكل ثقة في المسائل الكبيرة والصغيرة ويقعّد ويأصل لها ويحتج بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء والعلماء ويجتهد ما يسوغ فيه الاجتهاد، غير متعصب لمذهب من المذاهب وكان غالبا ما يفتي ويميل لرأي شيخه ومعلمه العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي، وشيخ الاسلام بن تيمية رحمهم الله، وكان رحمه الله لا يكل من التدريس وبذل العلم لطلابه والاجابة على الأسئلة حتى في مرض موته وآخر ايامه اذ كان يلقي دروسا معتكفا في العشر الأواخر من رمضان في غرفة بالحرم المكي صابرا متحملا ما به من مرض والناس يسمعون ويستفيدون وللشيخ بالشفاء والعافية يدعون.
كان رحمه الله فاتحا بابه في عنيزه لطلبة العلم والضيوف والمحتاجين والمعوزين نذر حياته في خدمة الاسلام والمسلمين وقضاء حوائجهم والاهتمام بقضاياهم والسؤال عن أحوالهم الى ان توفاه الله حيث بدأ به مرض خبيث من بداية هذه السنة نقل على اثره لأمريكا وتلقى العلاج وتماثل للشفاء وعاد لبلده، وفي رمضان المنصرم أدخل المستشفى التخصصي بالرياض لتلقي العلاج بعد معاودة المرض له، ثم سافر الى مكة كعادته لالقاء الدروس في الحرم ولكن المرض تمكن منه في الليالي الأخيرة من رمضان ونقل على اثر ذلك للمستشفى التخصصي بجدة للعلاج حتى وافاه الأجل المحتوم، ولا راد لقضاء الله وحكمه, وذلك عن عمر يقدر بأربع وسبعين سنة حيث ولد رحمه الله في عام 1347ه في السابع والعشرين من شهر رمضان بمحافظة عنيزة، واسمه: ابوعبدالله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين الوهيبي التميمي، وله خمسة من الأبناء الذكور هم: عبدالله ويعمل استاذا بفرع جامعة الملك سعود بالقصيم وعبدالرحمن نقيب بوزارة الدفاع والطيران وابراهيم ملازما أول بوزارة الدفاع والطيران وعبدالعزيز ملازما بالمديرية العامة للجوازات وعبدالرحيم موظف بالخطوط الجوية السعودية ولفضيلته من البنات ثلاث, بارك الله في عقبه وجعلهم خير خلف لخير سلف.
وأشقائه ثلاثة وهم الدكتور: عبدالله عضو مجلس الشورى، والأستاذ عبدالرحمن مدير عام الادارة العامة للشؤون الادارية والمالية بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وله رحمه الله شقيقة واحدة، وواحد وعشرون حفيدا من أبنائه وبناته وزوجة واحدة وقد قرأ فضيلة الشيخ يرحمه الله القرآن على جده من أمه عبدالرحمن الدامغ ثم التحق بمدرسة تعليم الكتابة فتعلم الخط والحساب وبعض فنون الأدب ثم دخل مدرسة تحفيظ القرآن فحفظ القرآن عن ظهر قلب ثم اتجه الى طلب العلم.
وكان الشيخ السعدي رحمه الله قد وجه بعض الطلبة المتمكنين لتدريس المبتدئين منهم الشيخ محمد بن عبدالعزيز المطوع حيث أخذ عنه الشيخ مبادىء التوحيد والفقه والفرائض والنحو، وكذلك الشيخ عبدالرحمن بن علي بن عودان أخذ عنه الفرائض والفقه، ثم لازم الشيخ عبدالرحمن السعدي وأخذ عنه الكثير من العلوم كالتوحيد والتفسير والحديث والفقه وأصوله والفرائض والمصطلح والنحو والصرف, وممن أخذ عنهم الشيخ علمه الشيخ علي الصالحي أحد طلبة الشيخ السعدي.
وفي عام 1371ه جلس الشيخ محمد بن عثيمين لتدريس الطلبة في الجامع الكبير ثم التحق بالمعهد العلمي بالرياض وتخرج منه سنة 1374ه وعين بعدها مدرسا في معهد عنيزة العلمي وقد واصل دراسته بالانتساب في كلية الشريعة، وقرأ على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في صحيح البخاري وبعض رسائل شيخ الاسلام بن تيمية وبعض الكتب الفقهية ولما توفي الشيخ السعدي سنة 1376ه تولى الشيخ بن عثيمين امامة الجامع الكبير في عنيزة وامامة العيدين والتدريس في مكتبة عنيزة الوطنية ثم محاضرا في كلية الشريعة وأصول الدين فرع جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالقصيم بالاضافة لكونه عضوا في هيئة كبار العلماء، وقد فرض عليه سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رئاسة القضاء بالمحكمة الشرعية بالأحساء واعتذر الشيخ عن ذلك بعد الحاح شديد باعفائه من القضاء,, وقد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الاسلام في عام 1414ه، وقد أسس رحمه الله الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بعنيزة عام 1405ه، وقد أوصى أبناءه رحمه الله بتقوى الله وطاعته، وطاعة ولاة الأمر في مرضاته، وعلى العلم ونشره والدعوة الى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك نشر علمه وفتاواه من خلال شبكات الانترنت العالمية لينتفع الناس بها في كل مكان، وسيخصص لفضيلته موقع على الانترنت عن قريب ان شاء الله.
أما طلابه وزملاؤه فلا حصر لهم إذ يبلغون أحيانا خمسمائة طالب في الحلقة الواحدة فسبحان الله حبب فيه خلقه وجاءت سيرته على كل لسان.
وقد ألف فضيلته كتبا كثيرة ورسائل عظيمة نافعة تزخر بها المكتبات ودور العلماء تربو على اربعين مؤلفا وهي كما يلي:
1 تلخيص الحموية وهو أول كتاب طبع لفضيلته في 8/11/1380ه.
2 تفسير آيات الأحكام, 3 شرح عمدة الأحكام, 4 مصطلح الحديث, 5 الأصول من علم الأصول, 6 رسالة في الوضوء والغسل والصلاة, 7 رسالة في كفر تارك الصلاة, 8 مجالس رمضان, 9 الأضحية والزكاة, 10 المنهج لمريد الحج والعمرة, 11 تسهيل الفرائض, 12 شرح لمعة الاعتقاد, 13 شرح الواسطية, 14 عقيدة أهل السنة والجماعة, 15 القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى, 16 رسالة في ان الطلاق الثلاث واحدة ولو بكلمات, 17 تخريج أحاديث الروض المربع, 18 رسالة الحجاب, 19 رسالة في الصلاة والطهارة لأهل الأعذار, 20 رسالة في مواقيت الصلاة, 21 رسالة في سجود السهو, 22 رسالة في أقسام المداينة, 23 رسالة في وجوب زكاة الحلي, 24 رسالة في أحكام الميت وغسله, 25 تفسير آية الكرسي, 26 نيل الأدب من قواعد بن رجب, 27 أصول وقواعد نظم على بحر الرجز, 28 الفياء الواقع في الخطب والجوامع, 29 الفتاوى النسائية, 30 زاد الداعية الى الله عزوجل, 31 فتاوى الحج, 32 المجموع الكبير من الفتاوى المجلد الأول , 33 حقوق دعت اليها الفطرة وقررتها الشريعة, 34 الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه, 35 من مشكلات الشباب, 36 رسالة في المسح على الخفين, 37 رسالة في قصر الصلاة للمبتعثين, 38 أصول التفسير, 39 رسالة في الدماء الطبيعية, 40 أسئلة مهمة, 41 الابداع في كمال الشرع وخطر الابتداع, 42 ازالة الستار عن الجوانب المختار لهواية المحتار.
فنسأل الله ان ينفع بها وأن لا يحرمه أجر وثواب تأليفها الى جانب ماسجل له من الأشرطة السمعية العديدة وما فيها من الدروس والمحاضرات النافعة لمن رغب فيها.
وبعد هذا المشوار الطويل في البذل والعطاء والتدريس والتأليف، توارى عن الأنظار وخلف حزنا عظيما في قلوب المسلمين حيث صُلي على جثمانه في الحرم المكي الشريف جوار الكعبة المشرفة بعد صلاة العصر من يوم الخميس السادس عشر من شهر شوال لعام 1421 حيث صلى عليه خلق كثير وجمع غفير من اصحاب السمو الأمراء وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية نايف بن عبدالعزيز حفظه الله ومن أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ وطلبة العلم يخيم عليهم الحزن والبكاء على فراق الشيخ داعين له بالمغفرة والرحمة وأن يسكنه فسيح جناته حيث ووري جثمانه في مقبرة العدل بمكة المكرمة إنا لله وإنا إليه راجعون .
والحمد لله على تدبيره وحكمه, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وسلم.
محمد بن سعد السعيِّد
إمام وخطيب جامع سلطانة الشرقي بالرياض
|
|
|
|
|
