| مقـالات
اطلعت على سلسلة المقالات التي كتبها د, عبدالله الصالح العثيميين ذات العنوان التالي: (قراءة في كتاب تاريخ قبيلة العجمان) وهو عنوان الكتاب الذي اصدرته قبل سنتين.
وقد سعدت باهتمام المؤرخ العثيمين به، وأوجه له الشكر عبر جريدة الجزيرة, ولكن الشكر لا يعني أني اتفق معه في كل ماكتبه وسأحاول عبر جريدة الجزيرة أن ارد على بعض الاستفسارات التي اثارها وأبيّن النقاط التي لا اتفق معه فيها:
1 بداية الامر احب ان اشير الى ان اي عمل يعتريه النقص والخطأ وقد ذكرت ذلك في مقدمة الكتاب وطلبت من كل مَن لديه نقد أو يريد أن يضيف شيئاً أو يبيّن خطأ ان يراسلني على العنوان البريدي المكتوب في المقدمة المشار إليها ولكن د, العثيمين اراد ان يتم النقد عبر صفحات الجزيرة، وله الحق في اختيار مايراه مناسباً.
2 وضع د, العثيمين علامة استفهام حول مشاركة (د, زكريا كور شون) في تأليف الكتاب، وعلل هذا التساؤل لأن مقدمة الكتاب كُتبت بصيغة المفرد (الباحث) وختمت باسم (د, سلطان بن حثلين) بدلا من كتابتها بصيغة المثنى, وايضاحاً للامر فانه عندما تم الإعداد للكتاب وجمع المادة العلمية كان لا بد من الاستفادة من جهود كاتب متخصص في التاريخ العثماني، وبخاصة فيما يتعلق بوثائق الارشيف العثماني, و(د, زكريا كورشون) استاذ مشارك في التاريخ الحديث في جامعة مرمرة تتركز اهتماماته البحثية على تاريخ الدولة العثمانية، وعلاقتها بالجزيرة العربية, واضافة الى جهوده في استخراج الوثائق من الارشيف العثماني، فقد وافق مشكوراً على المشاركة في هذه الدراسة، وكتب فصلاً من اربع وخمسين صفحة تتناول فترة الاستيلاء العثماني على المنطقة الشرقية وما تلاها من احداث تضمن الكتاب منها حوالي ثلاث وعشرين صفحة تمثل خمسة عشرة بالمائة من حجم الكتاب, وكان من باب الامانة العلمية ورد الفضل لأهله وضعُ اسمه على الكتاب.
3 أغفل د, العثيمين عند نقده لبعض فقرات الكتاب بعض الحقائق التي كان يجب ان تذكر، وأورد بعض النصوص التي استشهد بها بصورة تدعم رأيه وتقوي حجته واقتصر في بعض الاحيان على المصادر التي تؤيد وجهة نظره، وهذا فيه إخلال بالمنهج العلمي للنقد, ويتضح ذلك في الامثلة التالية:
في تعليق د, العثيمين على ماورد في الكتاب ص 29.
وعند الحديث عن معركة (قذلة) يقول: (ومما يُلحظ على الكلام السابق ان كلا من ابن غنام وابن بشر وهما المصدران القريبان من اجواء تلك الحادثة زمناً وصلة بقادة الدولة السعودية الاولى لم يذكرا حدوث قتل عدد لا قليل ولا كثير لرجال من قبيلة سبيع على ايدي العجمان، وانما ذكر ان العجمان اخذوا فريقا من سبيع، وكلمة اخذوا لا تعني القتل، اما الفاخري الذي قد يوهم ايراده في هامش الكتاب انه قد ذكر ذلك، فإنه لم يشر اطلاقا الى ما وقع من العجمان على سبيع لا اخذا ولا قتلا وانما اشار الى قتل عبدالعزيز بن محمد لخمسين رجلاً من العجمان,,,) انتهى, هنا نجد ان د, العثيمين يعتقد بان ذكر حادثة القتل في الكتاب لا تعتمد على مرجع يستند اليه وكأن هذا القول منتحل بالرغم من ان هناك اربعة مصادر اعتمد عليها في نقل احداث معركة (قذلة) هذه المصادر هي: الفاخري، فلبي، خزعل، ابن غنام, وبالتالي فإن هذه المعركة تم ذكرها في تلك المصادر والمراجع مع الاختلاف في الروايات.
والسؤال الآن: هل تلك المراجع جميعها لم تشر الى حادثة القتل تلك ام ان د, العثيمين اغفل بعضها؟ لقد اشار حسين خزعل في كتابه (حياة محمد بن عبدالوهاب) ص248 كما هو موجود في هامش الكتاب ونقله عنه ايضاً ابو عبدالرحمن بن عقيل في كتابه العجمان وزعيمهم راكان ص50 الى تلك الحادثة وكان نصه كما يلي: فانه لما عاد الامير عبدالعزيز من غزوته التي قام بها على سدير وعند وصوله الى رغبة وردته انباء بأن جماعة من قبيلة العجمان المنتسبة الى يام من همدان من قحطان قد تجاوزت على فريق من سبيع التي دخلت في سلك الدعوة وآمنت بها وأوسعتها قتلاً ونهباً,, انتهى, أليس الأولى ان يذكر د, العثيمين ذلك وينسب الخطأ الى كتاب حسين خزعل ان كان هذا خطأ اساساً؟
المثال الآخر: يقول د, العثيمين في الحلقة الرابعة عند تعليقه على معركة الرضيمة التي وقعت سنة 1238ه: يعتمد الحديث الموجز عن المعركة المذكورة في هذا الفصل على ماقاله عنها الشيخ عبدالله الدامر احد نبلاء العجمان وقد ذكر ان تلك المعركة كانت اساساً بين يدي خالد والعجمان وان هاتين القبيلتين كانتا قطبي الرحى فيها,,, ثم يضيف قائلاً: على ان كلاً من ابن بشر والفاخري وهما مؤرخان محليان معاصران لتلك الحادثة قد ذكرا بان معركة الرضيمة كانت بين فيصل الدويش زعيم مطير ومن تحالف معه من العجمان وغيرهم، وبين زعيمي بني خالد محمد بن عريعر واخيه ماجد ومن تحالف معهما من عنزة وغيرها.
ثم يتوقف د, العثيمين في مسألة اي الروايتين اصح وان كان من خلال كتابته يميل الى ترجيح رواية ابن بشر والفاخري لأنه على حد قوله: (يجب ان يؤخذ في الحسبان التنافس الذي كان قائما في تلك الفترة بين والى مصر ووالي العراق وان علاقة الدويش بالاول وطيدة وعلاقة زعيمي بني خالد بالثاني كانت جيدة) انتهى,.
وفي هذا السياق تبرز لنا عدة تساؤلات:
اولها: هل حقاً تم ذكر معركة مناخ الرضيمة في الكتاب بإيجاز وان الشيخ عبدالله الدامر ذكر ان تلك المعركة كانت اساساً بين العجمان وبني خالد كما قال د, العثيمين؟
والإجابة عن ذلك هي الإشارة الى النص في الكتاب من ص45 الى ص46 التي تقول: (,,,,وقع التصادم بين العجمان وبني خالد في عام 1238ه في معركة مناخ الرضيمة التي كانت بين العجمان وحلفائهم من القبائل الاخرى مثل مطير والدواسر وغيرهم من ناحية، وبين ماجد بن عريعر واتباعه من بني خالد ومن تبعهم,,)
ثم ذكرت رواية الشيخ عبدالله الدامر سبب القتال واستعانة العجمان بالإمام تركي بن عبدالله واعتذاره عن ذلك وكتابته الى الدويش امير مطير لمساعدة العجمان في قتالهم ضد بني خالد، وقد انضم الى الحلف الامير سلطان بن قويد من امراء الدواسر و معه ابن وثيلة من شيوخ الوادي وانضم اليهم السهول، وذكرت الشروط التي طلبها كل من الدويش وابن قويد للاشتراك في المعركة كما ذكرت الرواية مشاركة كل من مغيليث بن هذال وبرجس ابن مجلاد من امراء عنيزة ومسلم بن مجفل امير الصملة من سبيع في حلف ابن عريعر, وانتهت الرواية بذكر انتصار العجمان وحلفائهم, مما سبق يتبين لنا ان رواية الشيخ عبدالله الدامر لم تكن موجزة وانها لم تذكر بأن قطبي الرحى هما العجمعان، وبنو خالد بل اشارت بكل وضوح الى خلاف ماذكره د, العثيمين الذي لم يشر ايضاً الى ان هذه المعلومات قد وردت في الكتاب؟
الامر الآخر هو لماذا لم يرجح د, العثيمين رواية الشيخ عبدالله الدامر، ولماذا جعل رواية ابن بشر والفاخري هي الاقرب الى التصديق؟؟ ألم يكن بوسع المؤرخ د, العثيمين ان يتصل بأحد الرواة الثقات من قبائل الجزيرة مثل مطير او الدواسر او بني خالد او العجمان او عنزة او سبيع فتلك القبائل هي التي خاضت المعارك ورواتها اعلم الناس بتفاصيلها.
ان معركة مناخ الرضيمة من بدهيات تاريخ القبائل العربية، ورواية الشيخ عبدالله الدامر هي رواية متواترة ذكرها العديد من الرواة الثقات، وأكتفي بما ذكره عبدالعزيز بن سعد السّناح المطيري في كتابه الخيل والابل عند قبيلة مطير ص161 عند ذكره لاستيطان مطير في شرقي نجد:
(استوطنوا شرقي نجد بعد مناصرتهم للعجمان ضد ابن عريعر في مناخ الرضيمة سنة 1238ه، قال ابن فردوس العجمي مانصه (كان ابن عريعر في ذلك الوقت حاكماً لجميع القبائل والعجمان طلبوا النجدة من الدويش، وكان بالارطاوية فشرط الدويش على العجمان بان يعطوه الطوال وهي اللهابة والقرى واللصافة واعطوه ما اراد,,,)
وكما ان الشعر هو ديوان العرب فقد أرخ لهذه المعركة شاعر العجمان يوم الرضيمة (فهيد الخفيف) وهو ممن حضر احداثها وتداعياتها، حيث قال:
تسعين ليل والملايا معقله
من الجوع والهزلى تثنت رقابها
ولكن طرحان المناعير بيننا
جذوع نخل قطعت من عقابها
رحنا وجينا بالدويش المسمى
له ركضة عند الضحى ينحكى بها
وجينا بخطلان اليدين آل زايد
ربع ترابع في الأحدة ركابها
ورحنا وجينا بالسهول وخلطهم
برايزة بالضيق تروى حرابها
وجانا من العبر المسمى مخيلة
مخيلة ياسعد من هو عدابها
واولاد مرزوق هل المدح والثنى
يصالون ضو الحرب يوم التهابها |
إن حصر تاريخ الجزيرة العربية في بعض المصادر فقط وجعلها هي المرجعية الرئيسية للتاريخ هو نوع من الوصاية والحجر الذي لا يتفق مع المنهج العلمي حتى لو كانت هذه المصادر في حجم ابن بشر وابن غنام او من المؤرخين المعاصرين كابن عثيمين، لأن المصادر التاريخية يعتريها النقص والخطأ كما انها تخضع عند كتابتها لتأويل المؤرخ وتفسيره للأحداث بحسب ميوله وانتمائه للقوى السياسية والاجتماعية المؤثرة في عصره مهما بلغت نزاهته، فالحيادية في كتابة التاريخ امر قد لا يتفق عليه اثنان.
إن كتابة تاريخ قبائل الجزيرة العربية هو جزء هام من تاريخ هذا الوطن الغالي، وأعلم الناس بتاريخ هذه القبائل هم رواتها الثقات الذين نقلوا احداثها وتاريخها جيلاً بعد جيل حتى إن اعترى هذه الروايات بعض النقص والخطأ فانه لا يمكن ابداً اغفالها، كما انه لا يمكن الاستغناء عن المصادر التاريخية المكتوبة كابن بشر وابن غنام وغيرهما.
إن النقد الموضوعي واختلاف الآراء يثري الساحة العلمية والثقافية، ويدل على نضج المثقفين والمجتمع ككل مالم يكن الهدف من وراء ذلك النقد الضجيج الإعلامي او تزييف الحقائق او التجريح وهذا الأمر أُنزِّه عنه د, العثيمين وامثاله من الاكاديميين الذين نعتز بمكانتهم العلمية، ولكن لانقدس آراءهم او اقوالهم.
وكما يشمل كتاب تاريخ قبيلة العجمان على بعض الأخطاء فكذلك احتوت سلسلة المقالات النقدية للدكتور العثيمين على بعض الأخطاء، وضعف المنطق العلمي وهذا لا يقلل من الأهمية العلمية للكتاب او لمقالاته, واختلاف الرأي لا يغير من الحق شيئاً، ولا يفسد للود جانباً.
* رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
|
|
|
|
|