أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 11th January,2001 العدد:10332الطبعةالاولـي الخميس 16 ,شوال 1421

الثقافية

هكذا
يبتسم بخوفٍ,, ثم يمضي
فهد العتيق
أمامي الآن على الشاشة الفضية الصغيرة تمر لقطة عابرة لفتاة فلسطينية تحاول سحب شاب من بين مخالب دورية اسرائيلية قبضت عليه، لكنها فجأة تتعرض لصفعة قوية من الخلف، تلتفت بسرعة وحنق، تُبادل ضاربها نظرات قوية، ثم تعود لمحاولتها, ثم لقطة أخرى لرصاصة ليست طائشة تمر فوق رأس شاب فلسطيني على ارتفاع (سنتيمترات) فقط، يخفض الشاب رأسه، يبتسم قليلاً بخوف، ثم يعاود الركض مُجدّداً إلى الأمام.
(يبتسم بخوف),,.
أعجبتني هذه اللقطة,.
وبدأت أفكر قليلاً في موضوع الخوف والموت على إثر تلك اللقطتين العابرتين للشاب والشابة في الأرض العربية المحتلة والمناضلة, وكنت متيقناً أن ذلك الهاجس بالموت الذي كان يُصاحبني قبل (15) عاماً تقريبا قد توقف، بعد ان شغل وقتاً ليس طويلاً، لكن الآن، ربما من سنوات، بدأت أراه أو أتعامل معه مثل أي موقف يمكن أن يواجهه الإنسان، مثل أن تتعثر في الدرج وتسقط، أو تمرض، أو تتعرض لحادث سيارة مفاجئ، أو تتعرض مثلاً لضائقة مالية أو فُسحة مالية، أو في لحظة نشوة أو غضب تجد نفسك أكثر جرأة وأكثر صراحة فتكاشف المسكوت عنه وتُعري الكثير من التناقضات والممارسات غير العادلة فتجد نفسك موضع مساءلة أو موضوعا بين قوسين هكذا ,,,,, .
مواقف كثيرة يمكن أن تعترضك وهي في مُجملها ضرورة استمرار الوقت أو الحياة,, وهكذا تدريجياً تلاشى هذا الهاجس وحل محله أشياء كثيرة أولها الكتابة والفن بشكل عام، لكن مازال من بين أهم اسئلة هذه الكتابة مسألة حرية التعبير التي نسمع عنها كثيراً ومازلنا نشك في صدقيتها وسوف تظل مطلباً لكل كاتب عربي نزيه ومطلب كل حكومة عربية لاتخبئ شيئاً.
الموت يظل الشيء الوحيد الذي لايمكن فهمه بعد ممارسته، أو بعد ارتكاب فعله، إنه اللحظة القاضية أو القاطعة، هو الشيء الوحيد الذي نحتاج إلى خيال واسع لكي نقترب قليلاً من مفهومه، لكن يظل (الخوف) موضوعاً آخر ومختلفا تماماً، وكمية الخوف أو نسبة الخوف لدى الانسان تعود في نظري الى تربيته والى نوع ومستوى تجاربه في الحياة، وليس لكل هذا علاقة بالوراثة والمورثات الجينية، كثير من الناس يهربون من بعض المواقف بخوف كبير، خوف زائد عن الحد، هل للخوف حد، الخوف طبعاً نسبي من إنسان لآخر، لكن الحذر واجب، وهناك فارق كبير بين الحذر والخوف المرضي، يخافون ويهربون في أوقات تفترض المواجهة الشجاعة وليس الهرب، ومازلت أتأمل مواقف كثيرة شديدة الغرابة لناس يخافون من ظلالهم كما تقول الأمثال الشعبية، ومثل هذه اللقطات والمشاهد الحية لشباب الانتفاضة العربية الفلسطينية قد تساعدنا في محاولة فهم تلك الحالات، أو للتغلب على الجانب الخائف فينا، على هذا الخوف النفسي الذي ليس له معنى في اغلب الاحوال، ولكنه يعشعش في قلوب الكثيرين وليس الكل بلا أسباب أو مبررات معقولة سوى ضعف التجربة, فهذه المشاهد اليومية الفلسطينية التي تتكرر منذ أكثر من ثلاثة اشهر مازالت تعبر عن المواطن العربي الحقيقي الذي يرفض الابتزاز ويرفض ان يدوس على كرامته إرضاء لغرور ومطامع الدول الاستعمارية، ويرفض ان يساوم على حقه ويرفض اخيراً ان يعيش مسلوب الحق.
وبهذه المناسبة نطالب كافة الحكومات العربية بالوقوف وقفة واحدة مع الحق الفلسطيني ودعم كامل مطالبة ورفض كل الضغوط التي تُمارس الآن على الحكومة والشعب العربي الفلسطيني لكي يتنازل عن كثير من حقوقه مقابل سلام غير منصف وغير عادل.
أنتم الأدباء أيها الناس:
نعم، وهم الوقود الحقيقي للأدب، هم صوره المعبّرة، وهم مواقفه الحقيقية، وهم أهم عناصره، والدليل أن جميع جوائز العالم الأدبية المهمة وجوائز العالم العربي الأدبية المهمة ايضا، ذهبت في السنوات العشر الأخيرة إلى كُتّاب القصة من روائيي هذا العالم الحي والزاخر بالصور (الدرامية) العالية، ذهبت الى من سردوا قصة هموم ومعاناة وأسئلة الأجيال المتلاحقة في هذا العالم، وإذن فإن البطل هنا هو الكاتب وشخوص روايته والقراء او (الناس) الذين هم العمود الفقري لكل عمل أدبي حقيقي، بعيداً عن كل تصنع او افتعال أو نرجسية لا علاقة لها بالأدب.
أيها الناس أنتم الشعراء، هذا ما تشيء به قصائد الفنان المميز محمود درويش حين يقول في سماء منخفضة :
هنالك حب فقير، يطيل التأمل في العابرين، ويختار أصغرهم قمراً: أنت في حاجة لسماء اقل ارتفاعاً فكن صاحبي تتسع لأنانية اثنين لايعرفان لمن يهديان زهورهما، ربما كان يقصدني، ربما كان يقصدنا دون أن ننتبه .
تجدر الاشارة الى ان للشاعر العربي محمود درويش (18) ديواناً شعرياً و(7) كتب نثرية، هذا للمعلومية فقط، شاعر لايفصل بين همه الخاص والهم العام، أجاد المزج بينهما في كتاباته الشعرية بفنية عالية لايتقنها الكثير من الشعراء لهذا يظل مميزاً بإنسانيته وإبداعه على حد سواء ودون الفصل بينهما.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved