أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 11th January,2001 العدد:10332الطبعةالاولـي الخميس 16 ,شوال 1421

الثقافية

في الألفية الثالثة: العولمة والقرارات المسؤولة
تهاني الغريبي
قيل الكثير في العولمة، وقيل انها عنوان لمؤامرة تحاك، وقيل انها وسيلة يحقق بها الغرب مكاسب ومآرب وهيمنة, وقيل أكثر في معناها لغة واصطلاحاً ونشرت مئات الكتب وآلاف المقالات في الخطر المتربص الذي يحيق بالشعوب والمجتمعات الشرقية.
ولكن قد يكون للقصة وجه آخر: فالعولمة ما هي إلا منهاج جديد للحضارة الغربية التي مرت بالعديد من المراحل في تاريخها، وما هي إلا حلقة جديدة من مسلسل التقلبات والتيارات التي شهدها العالم في القرن العشرين، بدأت بالبلشفية ثم الفاشية والنازية والشيوعية فالماركسية والوجودية, ونزلت نازلة حربين عالميتين (وليس أربع!!) تركت الإنسان الغربي متعبا ومستعدا لنفض كل فكره الذي سبق هاتين الحربين لأنه أثبت عدم جدواه, حاولت أوروبا ان تنهض من بين أشلاء الجثث لتلحق بركب أمريكا التي أعلنت انتصارها بدوي نووي, كان الخيار هو التجنيد الشامل نحو الصناعة, غرقت أوروبا في صمت تام: لا حركات لا ثورات لا أيدلوجيات: لا صوت إلا صوت الآلات, الحق ان هذه الرهبنة الصناعية قد أتت أكلها، لكن الركود لم يرق لشعوب اعتادت الغليان, وتصاعدت أسماء تنادي بالراديكالية التي سرعان ما انهارت في السبعينيات لعدم اتساقها والطبيعة البشرية الخيرة, واستقر (بهم) الأمر إلى الديموقراطية والرأسمالية البيداغوجية, وغرقت الحضارة الغربية في التشظي والشك الذي عكسه نتاج أدبي وفني لا يتناول إلا الخيبة والإحباط, لم يعد هناك من جديد فقد تم طرح الكثير ودحض اكثر, باتت الحضارة الغربية في تعطش لمذهب تطالب به وتنشط خلفه.
وليس مما سبق ما هو جديد على القارئ الكريم, لكن الفكرة التي أحاول التشديد عليها هي أن الحضارة الغربية تعتمد على الانبعاث والتجديد* أذكر فيلم خيال علمي يحكي عن عالم مجنون اخترع كائنا خرافيا يلتهم كل شيء أمامه، وكلما أكل هذا الكائن كلما ازداد حجمه ونهمه وخطره، وهكذا بات الأكل بالنسبة له مسألة بقاء, وكذا الحضارة الغربية وحش جائع يبحث عن أيديولوجية يتغذى عليها, ولعل فيما قاله الأمريكي B.A. Sorokin مؤشرا للاتجاه الذي تسير فيه الحضارة الغربية نحو: جمع أفضل ما في عالم الدين والفلسفة والعلم في مذهب فلسفي متكامل واحد,, * فالعالم الغربي بعد أن استهلك نفسه وفكره، يحاول الآن البحث عن ضالته في أجواء وعوالم غير مأهولة, وهو نواة العولمة,, والحقيقة هي عكس ما يتخيله البعض من أن الغرب يحاول فرض مفاهيمه وتجربته الإنسانية على الآخر, إن الغرب سيحاول البحث في أرجاء الحضارات القديمة التي ما زال يتمسك بها أبناؤها حتى الآن عن معتنق آخر يعيد إليه الجاذبية والحيوية والتوازن ويخرجه من خطر الاستاتيكية الفكرية التي تهدده.
إن انتفاع الغرب من العولمة ليس كما يتخيله البعض الذي لا يتمتع بالثقة في حضارته فيتخيلها ريشة قد تطير مع هبوب أول عاصفة, والعولمة ليست فكرة احد بعينه بل هي ردة فعل طبيعية وحتمية قررتها حضارة مرت بكل المراحل التي لم يمر بها سواها وروج لها المروجون في الوقت المناسب، ولا ندري,, ربما ستظهر بعدها حركة مناهضة تطالب بالانكفاء على الهوية وترسيخها واستنباتها من جديد والنبش في قبور التراث الحضاري الغربي لاستحداث أم الحضارات أو هي الحضارة المطلقة يقول المفكر Arthur Koestler في روايته اللوتس والإنسان الآلي التي وضعها بعد أن عاد من رحلة إلى الشرق: لقد بدأت رحلتي وأنا معفر رأسي بالرماد وانطلقت مرتديا مسوحا من الخيش، ومن ثم عدت وأنا فخور بكوني أوروبيا, * ربما يحاول الغرب وضع حضارته على المحك، ليعيد ثقته بنفسه من جديد وليضع حدا لمشاعر الحيرة والارتباك التي تهدد استقراره.
ويظل من المهم في رأيي أن نتذكر، لا لنشعر بالامتنان ولكن لنستغل الموقف، ان ديموقراطية الغرب وانفتاحه على الأيديولوجيات الأخرى هما اللذان مهدا السبيل امام المسلمين لنشر الإسلام حتى بات يمثل تهديدا للمسيحية (أكثر الأديان رسوخاً وانتشاراً بعد الإسلام حسب الإحصائيات) في عقر دارها, وحين أقول عقر دارها فإنني أعني ذلك، إذ أطلعتنا وسائل الإعلام مؤخراً على مظاهرات لمتشددين مسيحيين عصفت بالفاتيكان الشهر المنصرم مطالبة بحظر دخول المسلمين إلى الفاتيكان لأنهم يتسببون بانتشار الإسلام بسرعة مذهلة مما يعكس صورة سيئة عن المسيحية, إن نفس الانفتاح الذي تسبب في انتشار الإسلام لأنه دين الحق هو نفسه الانفتاح الذي لم يباركه الكثيرون الذين يشعرون انه من الأسلم أن تبقى الأمور على ما هي عليه.
لعلنا نحتاج إلى وقفة أمام ردة الفعل العربية الحادة تجاه العولمة: هذه هي المرة الأولى التي تأخذ فيها حضارتنا موقعها على خريطة الفعل الحضاري, نعرف الآن أننا جزء من الكيان العالمي وانه ستطالنا قراراته سلبية كانت أم إيجابية, وها نحن نطل على مسرح الأدلجة التاريخي كوجه جديد، وعلينا أن نتصرف بمسؤولية لا أن نظل تضربنا البارانويا ونقنع بأننا مستهدفون، وإن كان هذا حقيقيا فالحقيقة الأخرى أنه ما من أحد لم يتحول إلى هدف على اختلاف الأسباب والمستهدفين.
وستأتي العولمة بثمارها لصالحنا إذا ما تحلينا بالثقة في هويتنا التي لا يمكن ان تسحق, المهم ألا نبالغ في رفض كل ما هو جديد بل ان نفكر كيف يمكن ان ندير دفة الأمور لصالحنا بدون فوضى وبدون ضجيج، وسيظل أكرمنا عند الله أتقانا.
*المصدر:
تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، الجزء الخامس, رولاند سترو مبرج, ترجمة أحمد الشيباني, مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر, 1985

paperblade@ hotmail.com
فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,,فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,,فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,,
فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,,فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأسئلة,, فضاء الأ

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved