أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 11th January,2001 العدد:10332الطبعةالاولـي الخميس 16 ,شوال 1421

الثقافية

الشعر في مواجهة العالم
نهار جديد
عبدالله سعد اللحيدان
هل كان رواد الشعر العربي الحديث ومن تبعهم من أجيال أوفر حظا وأقل عناء وأيسر معاناة من الشعراء الجدد من شعراء التسعينيات ومن تلاهم؟
كان الرواد في مواجهة تراث شعري تقليدي عربي واحد، امتد بهم منذ بدايات الشعر العربي القديم وحتى العقود الاولى من القرن العشرين، وساعدتهم عوامل كثيرة، منها: احتفا النقاد وانبهارهم بهم وتبعيتهم لهم، والنقل والاقتباس والترجمة والمحاكاة والسرقة من الآداب الغربية اعتمادا على الامية التعليمية والثقافية والاعلامية التي كان يعيشها الانسان العربي آنذاك، والاحتفاء الاعلامي الاحتفالي الانفعالي الذي لاقوه في اوطانهم كونهم جاءوا بشيء جديد وكسروا القيود وخرجوا على القواعد المزمنة للشعر العربي، واعتمادهم كونهم استغلوا المراحل التي عاشوها في تاريخ الامة في تسويق انتاجهم على الشعارات الوطنية القومية الحماسية الثورية في وقت كانت فيه الشعوب العربية تمر بمراحل نضال ضد انواع متعددة من القمع والاستعباد والاستعمار، مما جعل الانسان العربي قارئا وناقدا وأميا، وربما بدافع التعاطف مع شعاراتهم يقبلهم على علاتهم، وربما يرى فيهم انقاذا ابداعيا وسفينة نجاة ثقافية ومشعلا يضيء ظلمات الانتظار الانساني العميقة.
وهذا لا ينفي ما انجزه بعضهم فنيا وما اضافه بعضهم الى مدونة الشعر العربي من محاولات تجديدية، ولكن في اطار الانتقال من مرحلة الى مرحلة وضمن محاولات الخروج على الاعراف الادبية والشعرية القديمة وتكريس هذا الخروج ومنحه مشروعية الدخول الى خيمة الذائقة العربية، والتأسيس لشعرية عربية جديدة في اشكالها ومضامينها وتقنياتها واغراضها واهدافها واعادة ترميم وبناء رؤية عربية جمالية، والرقي بوعي الانسان العربي ودفعه الى اعادة النظر في نفسه وما حوله واتخاذ مواقف ايجابية حيالهما بعد ايقاظه وتحريكه وازالة ما ران على عقله وقلبه وكرامته من صدأ قرون العبودية والطاعة والخضوع والاستسلام والخنوع والانحلال ومحاولة دفعه الى التغيير بعد مساعدته على كشف عورات ماضيه واضاءة حاضره واستشراف مستقبله.
كان من اتفقنا على تسميتهم بالرواد في مواجهة تراث عربي شعري تقليدي واحد يمتد محتفظا بأنماطه واعرافه وقواعده وجوهر ومضمون التنظيرات النقدية حوله لأكثر من خمسة عشر قرنا، وكانوا في مواجهة انسان عربي واحد في تفكيره وسلوكه ومواقفه وذائقته وفي مواجهة نوع واحد أو نوعين فقط من الظلم والاستبداد الاجنبي المكشوف مجسدا في الاستعمار المباشر، مما جعل الرؤية بالنسبة الى المفاضلين منهم واحدة وواضحة ومحددة والمواقف متحدة ومتجانسة وذات هدف واحد، وطرائق التعبير والتجديد والابداع متشابهة، وذلك في الاطار العام، على الرغم مما تميز به بعضهم من خصوصية في الاساليب او التقنيات الفنية.
هذا بالنسبة للشعراء اصحاب المواقف القومية والاجتماعية والانسانية، ولا يندرج هنا اصحاب الفن للفن او البرج عاجيون او الذاتيون او الأبواق او من لم يوظفوا فنهم وابداعهم وقدراتهم ومواهبهم وامكانياتهم في خدمة الانسان في اوطانهم والانسان الذي يشبهه في كل مكان وزمان في هذا العالم.
اما من تبعهم من اجيال فقد كانوا دون شك او حاجة الى اثبات اوفر حظا وأقل عناء وأيسر معاناة من الرواد، بحيث لم يزد انتاج معظمهم عن الترديد او التنويع على ما قاله الرواد وتقليدهم، حتى استطاع كثير من دارسي الأدب تصنيفهم تبعا لبنوتهم ونسبهم الابداعي أي لانخراطهم في جوقة هذا الرائد أو ذاك ووضعهم في جداول وبيانات متنوعة تنضوي تحت كل منها مجموعة كبيرة ومتفرقة وربما غير متجايلة، عمرا وزمنا وفي مختلف أرجاء الوطن العربي الكبير.
شعراء الاجيال اللاحقة والتابعة للرواد، وجدوا كل شيء جاهزا، أو لم يفكروا او يعانوا ما عاناه الرواد من هموم او يخوضوا ما خاضوه من صراعات في سبيل تأكيد مشروعية ابداعهم الجديد ومن صدامات مع التراث وثوابته الفنية والنقدية وحراسه وسلطته الاجتماعية والفكرية والسياسية فاستمروا دون ان يرهقوا انفسهم في التنويع على مقامات الرواد الى درجة اوصلت بعضهم الى شعرية مهمتها ممارسة اللهو والعبث والألاعيب الشكلية والبيانية والبنائية والتقنية والاعلامية وملاحقة الاضواء، وإلى ان وصل الشعر العربي الحديث الى مرحلة خطرة وفقيرة في الآن نفسه وحتى وصل الفراغ وانعدام القضايا الفنية والانسانية لدى بعض شعراء الثمانينيات الى عودة شبيهة بالعودة الى عصور الانحلال والصنعة وفنونها، من حيث اتجاههم الى اللعب اللغوي، والاسترسال الذي يقوم على التداعي اللفظي والايقاعي الى درجة ان تستغرق قصيدة التجريب ديوانا كاملا لدى بعضهم والى درجة جعلت دعاة القديم يحاولون التبشير بالعودة الى الشعر الخليلي وان الشعر العربي الحديث قد وصل الى طريق مسدود وانه لم يكن اكثر من ظاهرة تشبه الظواهر التي سادت اجواء الشعر العربي في عصور الصنعة والانحلال الوسيطة، ولكن يستثنى من هذه المراحل نوادر من جيل الستينيات والسبعينيات وما لمع لديهم من اشارات وبروق خاطفة ما يزال بعضها يضيء.
واتى دور شعراء التسعينيات ومن تلاهم من شعراء قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة الحديثتين جدا ليواجهوا اكثر من تراث، واكثر من انسان، وعددا لا يحصى من انواع الاستعمار والاستبداد والاستعباد القديمة والحديثة والمتطورة والظاهرة والباطنة والواضحة والمستترة والصريحة والتي تمارس الخبث والخداع والتضليل، وذلك عندما يواصل هؤلاء الشعراء مسيرة الاجيال السابقة في تقليد الرواد واتباع سننهم واجترار ابداعاتهم بل حاولوا هضم وتمثل تلك التجارب والاستفادة من القصور والاخطاء والسقطات السابقة، بل والبداية من الصفر ومن منطقة شعرية بكر تحتفل بعذرية العلاقات.
كما اصبح امام هؤلاء الجدد، التراث العربي بكامله، وتراث الرواد، وتراث الأمم الاخرى، غربية وشرقية وبخاصة، بعد تطور واتساع الترجمة ووسائل الاعلام والتقنية والاتصال وبداية عصر زوال الرقابات واصبح أمامهم انماط مختلفة من الناس في أفكارهم وسلوكهم ومواقفهم وذائقتهم، وواجهوا مرحلة من اخطر المراحل العربية والعالمية، من حيث السرعة والمتناقضات وانهيار اصحاب الايدولوجيات والافكار الكبرى والقناعات وواجهوا فشل او جمود او موت كثير من أصحاب النظريات والطرق الابداعية والفنية والكتابية، إلى آخر ما يواجهه الانسان الجديد اليوم من تحديات تجعله يعيد النظر في نفسه وما حوله عددا لا يحصى من المرات مما فرض عليهم لا يمانهم الجديد بدورهم النضالي الرؤيوي الريادي الانساني ان يكونوا في الواقع لا حوله وفي القلب والمقدمة لا في الاطراف التي تكتفي بالمراقبة او التي تكتفي بالوصف والتسجيل، او المؤخرة التي تحزم امتعتها باستمرار للتراجع والفرار.
الشعراء الجدد الآن يقومون بمحاولات انقاذ، حركية شعرية انسانية، بعدد ما يحيط بهم مما يحتاج الى ذلك، مقتربين من روح الحياة عبر الشعرية، دون اندفاع عشوائي هستيري حماسي كما لدى بعض الرواد ومقلديهم ودون محايدة انسانية لا مبالية، وان كانت لغتهم تبدو في القراءة الاولى محايدة، لاختفاء الضجيج والصراخ والشعارات والانين والترنم ببكاء الماضي والشعارات والتهويمات منها، ودون مباشرة سطحية او غموض او افتعال او أحلام غموض لا وعي او تصوف مخدر او انهزامية.
فقد أدرك الشعراء الجدد المسؤولية الانسانية الابداعية التي عليهم، وانها عظيمة الى درجة لا يمكن معها اضاعة الوقت او الموهبة او القدرات في غير ما يصب في صالح الانسان الجديد ووعيه وحقوقه وحريته.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved