| الطبية
تعتبر مشاكل وآلام الظهر من المعضلات العصرية التي كثرت وانتشرت في جميع الفئات السنية والاجتماعية, منها ما له علاقة بالمسنين وبعضها ناتج عن إصابات شديدة صغيرة أو متكررة ولكن هناك علاقة كبيرة وجدت بين آلام الظهر الشائعة الآن وبين نوع الحياة اليومية والممارسات، فقد وجد ان تغير نمط الحياة وتحولها إلى حياة هادئة مريحة تعتمد في مجملها على جهد حركي وعضلي بسيط قد أخل إلى حد كبير بالتوازن العضلي لأجسامنا, ففي الوضع المثالي لا بد أن يكون هناك توازن بين قوة عضلات البطن وقوة عضلات الظهر وذلك للحفاظ على توازن للضغط الداخلي للبطن، فعندما تضعف عضلات البطن ينشأ اختلال في الضغط الداخلي للبطن ويحدث اللا توازن في توزيع القوى العمودية والأفقية في هذا المستوى وفي هذه الحالة يبدأ العمود الفقري والعضلات الظهرية بتحمل عبء هذا الخلل وبمرور الايام تزداد عضلات البطن ضعفاً ويزداد العبء الواقع على الظهر وتبدأ سلسلة التغيرات السلبية على الظهر، ما يحدث هو زيادة في مستوى قوس الفقرات القطنية مما يخرجه من المعدل الطبيعي ويغير تناسق الفقرات ويخل بميكانيكيتها وقد يستمر هذا حتى تبدأ الفقرات في التآكل وقد تظهر بعض التكلسات أو الترسبات العظمية على حافة الفقرات وامتدادا لهذه التحولات أو تزامنا معها تتآكل الغضاريف بين الفقرات وتضعف الاربطة الداعمة لها وتكون أكثر عرضة لحصول الانزلاق الغضروفي خصوصا عندما يصل العبء على عضلات الظهر إلى الحد الذي لا يمكن للعضلات احتماله ووصولا إلى حد انعدام القدرة وتحول هذه القوى مباشرة على محاور غير المحاور الطبيعية.
ووجد ايضا ان نسبة متزايدة من اصابات الظهر ناتجة عن اخلال بالقوام الطبيعي نتيجة عادات خاطئة في الجلوس والنوم والعمل,,, الخ وكذلك بعض الممارسات قبل حمل الاشياء أو تحريكها او التعامل معها اجمالاً.
والسبب الأول (العادات الخاطئة) يؤثر تأثيراً متدرجاً على ميكانيكية العمود الفقري وتغيير أقواسه (قوس الرقبة للأمام) ويحمل وزن الرأس قوس الظهر (الصدري) للخلف ويشكل القاعدة للقوس أعلاه ويحمل وزن الرقبة والاكتاف, قوس الظهر (البطني) للأمام ويمثل قاعدة للأقواس أعلاه ويستقبل بمستوياته وزن البطن ويمثل المحور الاساسي للحركة في جميع الاتجاهات ويتمتع بمرونة عالية ويحتاج لقوى داعمة كبيرة تساعده في تمثيل وظائفه وأخيراً تقوس خلفي (عجزي) مع الحوض يكون القاعدة شبه التي تستقبل الحركات والقوى المختلفة وتقللها، تمتصها أو تعيد توزيعها للاطراف السفلية, ووجود هذه التقوسات وبقاؤها في حدودها الطبيعية يضمن التناسق الحركي لجميع هذه المستويات وخروجها عنه يخل بالاداء الوظيفي العام والخاص لكل منها.
أما السبب الثاني (الممارسات) الخاطئة مثل حمل الاشياء ذات الاوزان العالية فوق قدرة الجسم فتعرض الظهر لحالة من الضغط الشديد أو الانحناء أو الالتواء المفاجئ والعنيف أو غيره مما يؤدي إلى توجه غير منسق للقوى التي في الغالب تصيب العضلات والانسجة الرخوة مباشرة او تؤثر على المحتوى شبه السائل داخل الغضروف مما يؤدي إلى اخراجه من الغضروف مسببا ضغطا على الحبل الشوكي أو احد الجذور العصبية في مستوى او عدة مستويات من الفقرات القطنية الظهرية وهذا هو ما يسمى بالانزلاق الغضروفي وهذا مختلف الشدة والتأثير وأعراضه هي ألم في اسفل الظهر يمتد إلى الاطراف السفلية من الخلف وفي حالاته الشديدة لا يستطيع الانسان المشي والحركة, وقبل ان نخوض في الاساليب العلاجية لا بد من التنويه إلى ان الوقاية خير ألف مرة من العلاج الذي يفيد وقد لا يفيد أحيانا وهذه الوقاية هي بمعرفة وادراك القدرات الطبيعية لأجسامنا وعدم تكليفها او تعريضها لما هو أكبر من ذلك او يفوق هذه القدرات ثم محاولة تعلم بعض الاساليب والطرق التي يمكن بها التعامل مع الأشياء الحياتية بأمان مثال على هذا طرق نقل الاشياء او تحريكها او استخدامها.
إعاذة النظر في طرق وأساليب حياتنا من طريقة الجلوس والحركة والنهوض والمحافظة على اوزاننا ونمط غذائنا، كذلك محاولة إدراك عوامل سنية معينة مثل نقص المحتوى المائي داخل اجسامنا كلما تقدم بنا السن وهذا أمر يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار وله عدة آثار سيئة منها زيادة تخثر الدم واحتمال تكون جلطات، تقلصات عضلية، ارتفاع نسبة الاملاح والسميات في الجسم نتيجة عدم قدرة او تناقص قدرة الكليتين على ترشيح الدم ومن ثم بقاء نسب متفاوتة من المكونات التي كان يفترض ان ترشح وتخرج في البول وتبقى في الجسم وايضا نقص محتوى الماء في الانسجة الرخوة والعظام والغضاريف مما يسهل اصابتها ويقلل من مدها الحركي ومرونتها.
ولو أخذنا الاصابة بالانزلاق الغضروفي ونظرنا إلى كيفية حصولها لوجدنا ان بعض او كل الاسباب السابقة ضعف العضلات، تعريض الجسم لأعباء تفوق قدراته او الطريقة الخاطئة للتعامل مع الاشياء والاعمال قد أدت إلى حدوث الانزلاق.
والانزلاق كفكرة مبسطة هو خروج المادة شبه السائلة التي بداخل الاطار الغضروفي والتي تمثل كرة الارتكاز الذي تسقط عليه الاوزان والقوى من كل الاتجاهات فتمثل محور الحركة الذي يسمح بتمثيلها بحرية, وهذه المادة متماسكة مائعة تتشكل حسب الضغط الواقع عليها، فعند حصول حادث أو التعرض لتأثير قوى عالية او باتجاهات غير سليمة او مفاجئة ينفتق هذا الإطار الغضروفي وتخرج المادة التي بداخله وتضغط على الحبل الشوكي او الاطراف العصبية الخارجة منه وتعيق انتقال الاشارات العصبية الواردة او الصادرة منه وتظهر آثارها في اسفل الظهر والاطراف السفلية للجسم وكانت معظم اصابات الانزلاق الغضروفي تعالج بالجراحة إلا انها الآن في درجاتها الخفيفة والمتوسطة ممكن ان تعالج بالوسائل الطبيعية من خلال عدة اساليب علاجية او الارجاع، وهذه الاساليب متطورة ودقيقة وتحتاج إلى مهارة وخبرة كافية لممارساتها وتعتمد على الضغط او على توجيه قوى باتجاه او اتجهات متعددة وكذلك بزوايا محددة تجاه منطقة الانزلاق الغضروفي مما يؤدي إلى انحسارها ورجوعها إلى موقعها الاساسي وبعد ذلك يتم توجيه المريض بتفادي بعض الاعمال والحركات التي تؤدي إلى الانتكاسة وعودة الانزلاق مرة اخرى والتي قد تحدث بسهولة.
ولا بد من التنويه إلى ان اتباع التعليمات التي تعطى بعد او اثناء علاج الانزلاق لا تؤدي بالضرورة إلى التئام الغضروف ولكن مع عمل تمرينات تقوية لمنطقة اسفل الظهر عموما قد يؤدي ذلك إلى دعم من جميع الاتجاهات لمكان الاصابة ويقلل احتمالات حدوث الاصابة مرة اخرى بشرط اتخاذ الحيطة والممارسة السليمة لكافة النشاطات والاعمال اليومية.
* دكتوراه في المخ والأعصاب مدير مساعد قسم التأهيل مستشفى الملك فهد
|
|
|
|
|