| عزيزتـي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد,.
احتوت الصفحة الثالثة والعشرون من عدد جريدة الجزيرة رقم 10298 على تحقيق يتحدث عن الخطوة الرائعة التي قامت بها وزارة المعارف والمتمثلة في دمج الطلبة المكفوفين مع الطلبة المبصرين في المدارس التابعة لها، والايجابيات الكثيرة المترتبة عن خطوة كهذه التي اقلها تقوية عزيمة الطالب الكفيف وزيادة ثقته بنفسه ودفعه لمزيد من التحصيل والابداع.
والواقع انه قد لا يكون لدي المزيد لأضيفه الا أنني اجد نفسي مضطرا للقول: انه قبل التوسع في مثل هذا الأمر لابد من تأهيل جميع المعلمين تأهيلا كاملا يكفل لهم حسن التعامل مع الطالب الكفيف وعدم الاكتفاء بما تعلموه على مقاعد الدراسة لأنه في هذه الحالة قد يعتقد بعضهم ان ما يحتاجه الطالب الكفيف هو العطف والشفقة الزائدة والنجاح بأقل جهد، واعتقد ان هذا غير صحيح فهو يحتاج قبل ذلك الى التعامل الراقي الذي يكسبه حب المعرفة والسعي الحثيث للتعلم، على الا يتعارض ذلك مع العناية الفائقة بمشاعره وأحاسيسه التي يجب التأكيد على عدم المساس بها بإظهار الشفقة الزائدة عليه او القسوة، المبالغ فيها.
واعتقد ان في عقد الدورات الالزامية المكثفة للمعلمين سبيلا الى توجيههم الى الطريقة السليمة في التعامل مع الطالب الكفيف بصفة خاصة والمعاق بصفة عامة، والا فانني أخشى ان نشاهد مع مضي الوقت على هذه التجربة معظم الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد هجروا المدارس, واعتقد ايضا ان في ارشاد الطلبة الأسوياء الى الأسلوب الأمثل في التعامل مع زميلهم الكفيف امرا لابد منه حتى لا يتسببوا دون قصد منهم في تنفيره من المدرسة خاصة طلبة المرحلة الابتدائية الذين يمتازون بطرح الاسئلة البريئة والمحرجة في الوقت نفسه، وايضا طلبة المرحلة المتوسطة الذين قد يعتري بعضهم اضطراب في الشخصية ناتج عن مرورهم بمرحلة المراهقة التي قد يصاحبها عدوانية مقيتة مما قد يلحق الضرر بالطالب الكفيف، وهذا شيء مشاهد حتى بين الطلبة الأسوياء، الذين يتنافسون في البحث عن نقاط ضعف الآخر ليسيطروا عليه، ولو كان ذلك من خلال تهديده باخبار الآخرين عن اسم امه؟
اما مربط الفرس ان صح التعبير فأعتقد انه هو الطالب الكفيف الذي لابد من تأهيله نفسيا حتى ينسجم ويتأقلم بسهولة مع زملائه الأسوياء، خاصة اذا عرفنا انه يدخل معترك حياة جديدة، تختلف اختلافا كليا عن مدارس النور الخاصة بفاقدي نعمة البصر اذا كان قد تعلم بها، وتختلف ايضا عن جو المنزل الذي قد يجد فيه من يراعي مشاعره لأبعد الحدود.
ومما لا يزال عالقا في ذهني من تجربتي القصيرة في مجال التدريس، ان تلميذا كان يعاني من صعوبة كبيرة في النطق تأتأة وكان قليل الحديث مع انه كان متميزا عندما يتعلق الامر بالاجابات التحريرية، فأصبحت اطلب منه بصفة مستمرة الاجابة عن اسئلتي عن طريق المشافهة مع منحه الوقت الكافي للاجابة والثناء عليه بعدها، ومرة بعد مرة تشجع حتى اصبح يتقافذ في مكانه في كل مرة أطرح فيها سؤالا على الطلبة، حتى اعتقدت في احدى المرات انه سيضع اصبعه امام عيني مباشرة حتى ارى اصبعه المرفوع.
وبعدها بمدة سألته على انفراد عن سبب عزوفه في السابق عن الكلام فأجابني بنبرة حزينة ان الطلبة كانوا دائمي السخرية من صعوبة نطقه، وان ما آلمه اكثر ان احد المدرسين قال له في لحظة غضب والطلبة يستمعون اذا كنت في كل مرة ستردد الكلام قبل ان تجيب، فإنني لن اجد وقتا للشرح، وشكرا على اتاحة الفرصة.
علي بن زيد القرون
حوطة بني تميم
|
|
|
|
|