| مقـالات
كانت القراءة في الحلقة السابقة قد وصلت الى نهاية الفصل الرابع الذي اختتم بالحديث عن مقدّمات سقوط الدولة السعودية الأولى, اما الفصل الخامس فعن سقوط تلك الدولة على يد حاكم مصر العثماني، محمد علي باشا, وقد بدأه المؤلف بالإشارة الى الدوافع التي دفعت السلطان العثماني الى تكليف ذلك الحاكم بانتزاع الحجاز من آل سعود والقضاء على قوَّتهم، والأسباب التي جعلت هذا الأخير يرحب بالمهمة الملقاة على كاهله وما اتخذه من استعدادات للقيام بها، ثم وصول الحملة، التي جهزها بقيادة ابنه طوسون، الى الحجاز، مبيناً هزيمتها في وادي الصفراء واسباب هذه الهزيمة، وبخاصة تلك التي ذكرها المؤرخ المصري، عبدالرحمن الجبرتي، ثم تحدث عن مجيء امدادات جديدة من مصر، وتمكُّن طوسون من احتلال الحجاز، وما تم بعد ذلك من قدوم محمد علي نفسه بعد ان تكبّدت قواته خسائر في محاولاتها الاستيلاء على منطقة عسير، وقبضه على الشريف غالب، ونفيه من الحجاز، وانتصاره آخر الامر في معركة بسل، وهو الانتصار الذي مهَّد لقواته التقدم في تلك المنطقة، وبعد ذلك تكلم عن تقدم طوسون الى القصيم، ووصوله الى صلح مع الإمام عبدالله بن سعود، آخر حكام الدولة السعودية الأولى، وعودته مع قواته الى مصر.
وواصل فاسيلييف كلامه عن احداث سقوط الدولة السعودية الاولى، مفصلاً الى حد ما العمليات التي قام بها ابراهيم باشا، الذي سقطت تلك الدولة على يده بعد ان قاوم اتباعها ببسالة وبذلوا تضحيات جليلة، وقد اختتم المؤلف كلامه في هذا الفصل بحديث موجز عن الوهابية خارج الجزيرة العربية وكان مما قاله ص186 :
ان تعاليم محمد بن عبدالوهاب، التي بدت وكأنها ظاهرة خاصة بالجزيرة العربية وحدها، قد وجدت لها بغتة اعتباراً في بلدان اخرى تبعد عن الجزيرة آلاف الاميال، لقد نشرها الحجاج الذين كانوا في مكة في مطلع القرن التاسع عشر, وقد وجد شجب الوثنية، ورفض عبادة الأولياء، ومكافحة البدع، ونشر الجهاد ضد الكفرة والمشركين والجمع بين الشعارات الطبقية والتعادلية معتقدات وممارسات الوهابيين تربة صالحة في بلدان ذات أنظمة اجتماعية وسياسية متباينة بعد تكيّف وتعديل مناسب، ووصلت الوهابية الى الهند واندونيسيا وافريقيا.
واختتم المؤلف كلامه عن انتشار دعوة الشيخ محمد خارج الجزيرة العربية بقوله:
كان سلطان مراكش، مولاي سليمان 1792 1822 الذي اشتهر بثقافته وورعه وحرصه على الإسلام قد استقدم الافكار الوهابية في مكافحة التجزئة الإقطاعية والعشائرية في البلاد، وواجه نشاط المرابطين الانفصالي بمبدأ سلطة واحدة، ودين واحد، ودولة واحدة، وتقليداً للوهابيين شجب السلطان الشعائر السنوية لتكريم الاولياء، وألغى مختلف الضرائب التي لا ينص عليها القرآن، وأخذ يرسل الى مناطق البربر قضاة مسلمين يعملون على نشر الشريعة واجتثاث العرف القبلي، وكانت اصلاحاته الوهابية تشكل خطراً على المصالح المادية للجمعيات الدينية والمرابطين وسلطتهم، بل وحتى على وجودهم فتوحدوا، الا القليل منهم، ضد سياسته للحكومة، وألحقوا الهزيمة به، وارغموه على التنازل عن العرش .
وإذا كان ماذكره فاسيلييف عن انتشار دعوة الشيخ محمد خارج الجزيرة يحتاج الى مزيد من التمحيص والتدقيق فإن كلامه عن حملات محمد علي باشا على الدولة السعودية الأولى، وهي الحملات التي انتهت بالقضاء على هذه الدولة كلام جيد في عمومه، لكنه لايشتمل على معلومات او تحليلات ذات اهمية كبيرة.
وقد تحدث المؤلف في الفصل السادس من كتابه عن اوضاع نجد من سقوط الدرعية الى جلاء قوات محمد علي باشا عن الجزيرة العربية 1818 1840 وبدأ حديثه بالكلام عن سياسة محمد علي في الجزيرة بعد انتصاره على السعوديين، موضحاً تعذيب رجاله لعلماء الدين وزعماء نجد وتقتيل بعضهم، وإرسال آل سعود وآل الشيخ الى مصر، وتخريب الدرعية، وغدرهم بالكثيرين من رؤساء القبائل.
ثم اشار الى فرح بريطانيا، التي كانت تكره السعوديين، بما حدث لهم، ومحاولاتها التعرف على خطط حاكم مصر العثماني بالنسبة لشرقي الجزيرة والخليج بالذات, وتكلم عن النزاعات التي حدثت في نجد نتيجة انسحاب قوات محمد علي منها، كما تكلم عما قام به تركي بن عبدالله آل سعود من جهود لإعادة الحكم السعودي، ونجاحه آخر الأمر في إجلاء بقية حاميات مصر من نجد وتوحيده لها, وكلامه عن كل ذلك كلام جيد في عمومه, غير انه وقع في خطأ عندما ذكر ص195 ان منطقة القصيم لم تخضع كلها للإمام تركي، وأن منطقة جبل شمر ظلت في الواقع خارج متناوله, ذلك ان المنطقتين كلتيهما قد دخلتا في طاعته.
وكما كان متوقعاً تحدث فاسيلييف عن توحيد الإمام تركي لشرقي الجزيرة العربية وجنوب شرقيها، وقال: إنه طبّق في الأحساء سياسة متسامحة خلافاً للامراء السابقين واللاحقين من اسرته, وأشار الى عدله في الرعية بصفة عامة، ومما قاله عنه، أيضاً:
كان تركي حكيماً ولم يكن يستخدم القوة بلا رحمة إلا في حالة الضرورة,, وكان يتّسم بالسخاء، شأنه شأن الحكام السعوديين الذين سبقوه, وحاول ان يحد من جشع وجهائه واعيانه، وتجدر الإشارة الى انه درس في وقت ما التطبيب عند العوام، واشتهر بأنه حكيم اي طبيب وكان بتصرفاته الذكية قد عجّل في انسحاب المصريين من نجد، وكانت اواسط الجزيرة العربية موحدة في عهده طوال احد عشر عاماً.
وما ذكره فاسيلييف عن تسامح الإمام تركي أمر مسلم بصحته، لكن مايفهم من كلامه عن عدم تسامح اسلافه وخلفائه يحتاج قبوله الى ادلة لم يوضحها هذا المؤلف، واما قوله بأن ذلك الإمام قد اشتهر بأنه حكيم اي طبيب فإنه لم يتوافر لدى كاتب هذه السطور ما يؤيده في مصادر اخرى.
ثم اشار فاسيلييف الى مقتل الإمام تركي، وماحدث لقاتله، والفترة الأولى من حكم الإمام فيصل بن تركي، التي انتهت باستسلامه لقوات محمد علي باشا,
وقد انهى كلامه في هذا الفصل السادس من كتابه بالحديث عما وقع في نجد وشرقي البلاد في عهد خالد بن سعود، الذي كان حكمه متوقفاً على بقاء قوات حاكم مصر في المنطقة، وماحدث من مخاوف لدى بريطانيا نتيجة نجاح خورشيد باشا في منطقة الخليج، واحتلالها لعدن، الذي كان من دوافعه منع وصول قوات عبر البحر اليه، ثم قيامها بترتيب مؤتمر لندن عام 1256ه 1840م، الذي كان من نتائجه سحب قوات محمد علي من جزيرة العرب وبلاد الشام والأناضول.
واشار في نهاية الفصل الى نجاح عبدالله بن ثنيان آل سعود في انتزاع الحكم من خالد بن سعود، وتوليه مقاليد الأمور في البلاد، وذلك عام 1257ه, ولم يختتم الفصل دون الإشارة الموجزة الى مقاومة أهل عسير لقوات محمد علي باشا.
|
|
|
|
|