إن في كتب الأدب الطريف واللطائف والظرائف من الكنوز الانسانية التراث العظيم، ومن ذلك الجوانب الاقتصادية، وفيما يلي نعرض طرفاً من هذا المخزون.
1 وزنة اقتصادية: اشترى رجل ثلاثة أرطال لحماً وقال لامرأته: اطبخيه وخرج الى مشغله, فطبخته المرأة وأكلته فلما جاء زوجها، قال: هاتي ما طبخت, قالت له: أكله السِّنور (القط), فأخذ الرجل السِّنور ووزنه، فإذا فيه ثلاثة أرطال، فقال لها: هذا وزن السِّنور، فأين اللحم؟! أو هذا وزن اللحم، فأين السِّنور؟!
2 اللسِّان الاقتصادي, قال أحد الشعراء معبراً عن ذلك:
من كان يملك درهمين تعلّمت
شفتاه أنواع الكلام فقالا
وتقدّم الإخوان فاستمعوا له
ورأيته بين الورى مختالا
لولا دراهمه التي في كيسه
لرأيته أسوأ البرية حالا
إن الغنيّ اذا تكلم بالخطأ
قالوا صدقت وما نطقت محالا
وإذا الفقير أصاب قالوا كلهم
اخطأت يا هذا وقلت ضلالا
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهلبة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السِّنان لمن أراد قتالا
3 تكلفة الفرصة البديلة: قيل لرجل اشتهر بالبخل:
لماذا لا تدعو الناس الى مائدتك وأنت معروف بالتأنق واختيار ما يُعجب من الطعام؟!
قال: يمنعني من ذلك أني لم آكل مع احدٍ إلا رأيت منه ما يعيبه,.
يلتهم كبد الدجاجة، ويستأثر بكلية الخروف، ويزدرد قانصة الاوز ويستولي على صدور الفراخ,.
ولذا، فالوحدة عندي خير من أكيل السوء!!
4 غداء اقتصادي: قال أبو نواس في بخيل:
ابو نوحٍ دخلت عليه يوماً
فغداني برائحة الطعامِ
وقدّم بيننا لحماً سميناً
أكلناه على طبق الكلامِ
5 خبير اقتصادي: كان بعض البخلاء إذا وقع الدرهم في كفه قال مخاطباً له: أنت عقلي وديني وصلاتي وصيامي، وجامع شملي وقُرة عيني وقوتي وعمادي وعدتي ثم يقول: يا حبيب قلبي وثمرة فؤادي قد صرت إلى من يصونك ويعرف حقك ويُعظم قدرك ويشفق عليك, وكيف لا يكون كذلك وبك تجلب المساء وتدفع المضار وتعظم الأقدار وتعمر الديار، وتُفتض الأبكار، ترفع الذكر وتعلى القدر ثم يطرحه في الكيس وينشد:
بنفسي محجوب عن العين شخصه
وليس بخالٍ من لساني ولا قلبي
ومن ذكره حظي من الناس سحلهم
وأول حظي منه في البُعد والقرب
6 كرم اقتصادي: قال الجاحظ: قال أبوحسان كان عندنا رجل مقل وكان له أخ مكثر، وكان مفرط البخل شديد الافتخار بما ليس عنده، فقال له يوماً أخوه: ويحك!! أنا فقير مُعيل وأنت غنيّ خفيف الظهر لا تعينني على الزمان ولا تؤاسيني ببعض مالك ولا تتفرج لي عن شيء؟ والله ما رأيت قط ولا سمعت بأبخل منك!!
قال: ويحك! ليس الأمر كما تظن في الغنى، ولا المال كما تحسب في الانفاق، ولا أنا كما تقول في البخل ولا في اليسر, والله لو ملكتُ ألف ألف درهم لوهبت لك منها خمس مائة ألف درهم.
يا هؤلاء، رجل يهبُ بضربة واحدة خمس مائة ألف يقال له بخيل!!
7 رؤيا اقتصادية: دخل أبو صاعد على الأمير الغنوي فأنشده:
رأيت في النوم أني مالك فرساً
ولي وصيف وفي كفي دنانير
فقال قوم لهم علم ومعرفة
رايت خيراً وللاحلام تفسير
أقصص منامك في بيت الأمير تجد
تحقيق ذاك والفأل التباشير
فلما سمع الأمير إنشاده قال (أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) يوسف/ 44.
8 حيلة تجارية: ضلّ لأعرابي جمل، فحلف بالله أنه إن وجده باعه بدرهم! فوجده، فلزمه بيعه، فشد في عنق الجمل سِّنور (قط) وقال: السِّنور بمائة درهم والجمل بدرهم، ولا أبيعهما إلا معاً!!
9 مجاعة: قال وهب بن شاذان:
مات في عرس سليمان
من الجوع جماعة
مات أقوام وقوم
عُلموا فيه القناعة
لم يكن ذلك عُرساً
إنما كان مجاعة
10 برأس المال: سرق رجل قميصاً فبعثه مع ابنه يبيعه، فسُرق منه في الطريق،
فلما رجع قال أبوه بعت القميص
قال: نعم قال بكم؟
قال: برأس المال.
إن كل قارىء لهذه القطوف يستطيع ان يتلمس العديد من الدلالات الاقتصادية من هذه المداعبات الطريفة، بل إن هناك أبعاداً اقتصادية نفيسة يمكن تبيّنها من بعض هذه الطرائف.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية