| مقـالات
* مكثت أكثر من شهر قبل دخول شهر رمضان المبارك دون بريد ,,! أعني,, أني لم أتسلم رسالة واحدة لأكثر من شهر كامل، على غير عادة من البريد قبل سنوات خلت, وهذه الحالة لم تنشأ من قلة في مصادر الرسائل، أو شح من الآخرين الذين يراسلوني وأراسلهم، ولكنها ناتجة عن تردي الخدمات البريدية بشكل ملفت وخطير, هذا التردي بدأ منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ثم تطور إلى درجة توحي لمن عرف البريد أيام زمان، بأنه غير موجود اليوم البتة,,!
* انه ضرب من البُرُود الذي لا علاقة له ببرودة فصل الشتاء الذي نعيشه في أيامنا هذه، بدليل,, أن برودة البريد هذه، حالة تلازمه طوال فصول العام صيفاً وشتاءً دون انقطاع، وانعكاساتها على الذين يُفترض أنهم يستفيدون من خدماته، وينتظرون ما يحمله لهم من مفاجآت قد تكون سارة، تتمثل في رسالة من صديق، أو مطبوعة مشوقة, مثل هذه الانعكاسات، هي شيء من بارود الغيظ والقهر ، الذي ينفث سموماً من الحرارة والضيق عند المرسلين والمستقبلين على حد سواء، على العكس من البريد تماماً,,!
* تصور,,, أن مطبوعتك المفضلة التي دفعت مبلغاً محترماً للاشتراك فيها، من أجل أن تصلك في ظرف مختوم، معززة مكرمة، ومصانة غير مهانة، ومسرعة لا مبطئة، تُحجب عنك مرات في دهاليز البريد مدة قد تصل شهراً أو أزيد، فتضطر لشراء عدد بديل,,! ومرات تصلك وهي تشكو من التمزيق والتلزيق ,,! ومن جور الأيدي التي تعبث بختومها ولفوفها، فتفضها أو تمزقها وقد تشرك سطورها المحبرة في شرب شاي المكتب وقهوته,,! وقد ,, يُطَّلَع على بعض من سرِّها وما تكنه حروفها الخاصة,, فهذا هو حال بعض الرسائل البريدية المتداولة بين الناس، قد أصبح شيئاً في حكم الغيب، فالمفقود من الرسائل البريدية كثير، لا يعلمه إلا الله, ويعلمه يقيناً، البريديون ، وبعض من أولئك المبتردين ببرودة البريد، من أصحاب الرسائل الضائعة والمفقودة,,! أما ما يصل منها إلى المورد، أو يعاد لجهل الموزع بالعنوان، أو لخطأ فيه,, وما أكثر هذا ,,فبعضه مع كل أسف ، لم يحظ بما تفرضه المسؤولية والأمانة البريدية ، في الحفاظ على خصوصيات الناس وحقوقهم، وما تحمله الرسائل المتبادلة بينهم من أسرار، لا ينبغي ان يطلع عليها سواهم,,!
* لقد تناول عدد من الكتاب هذه المسألة، وعالج بعضهم مشكلة البريد الحقيقية من واقع تجارب ذاتية مريرة, وكان آخر ما اطلعت عليه في هذا الشأن ما جاء في مقال للأستاذ حمد القاضي في زاويته المجاورة لهذه المساحة على هذه الصفحة، وقد نشر بتاريخ: 30/8/1421ه، وكان يذكر تساؤلات وشكاوى من كتاب في مدن قريبة من مدينة الرياض، مثل مدينة جدة على سبيل المثال، ترسل لهم المجلة العربية من مصدرها في الرياض، فتتأخر مدداً تصل الى الشهر,,! وهذا كثير,, كثير والله,, بل هو أمر عجيب,,! وأنا شخصياً لم أتسلم عدد شهر شعبان من مجلة الفيصل ، التي ترسل إليّ أول كل شهر من العاصمة الرياض، إلا في اليوم الأخير من أول أسابيع شهر رمضان,,! بعد ان يئست من وصول هذا العدد، وبحثت عنه بعد انقضاء الشهر فلم أجده، وقس على ذلك بقية الرسائل البريدية بين مدن المملكة، وبين المملكة والدول الأخرى.
* ولكي أزيدكم ما لا يفرح ، من أخبار البريد العجيبة، أن رسائل وطروداً بعثت بالمسجل الى بلدان عربية قريبة، البعض منها مكث عدة أشهر, آخر هذه الطرود المسجلة كان إلى تونس في أول هذا العام، ولم يتسلمه صاحبه إلا في اواخر شهر رجب,, وفي رجب ترى العجب كما يقولون,,!
* إن السؤال الذي يتردد بين الناس هو بكل بساطة: أين البريد؟
* نحن حتى اليوم لا نعرف بالضبط ماذا فعل الله بجهاز البريد بعد تخصيص الاتصالات التي تقوم على خدمة الهواتف,,؟ هل لحقته الخصخصة والخوصصة,,؟ أم تخصوص ، واكتفى من الغنيمة بالبرودة التي ينعم فيها,,؟!.
* لم يورد لنا مدير عام البريد في وزارة البرق والبريد والهاتف، الدكتور خالد بن فارس العتيبي، في رده على مقال الأستاذ حمد القاضي، والمنشور بهذه الجريدة بتاريخ 18/9/1421ه، ما يفيد في تفنيد أسباب تردي خدمات البريد في المملكة، وعما إذا كانت إدارته، تتوفر على تصور واضح وجاد في مسألة البحث في طرق العلاج,,؟
* يوجد مشكلة حقيقية وكبيرة في هذا الجهاز المهم، ومن أهم وأظهر مظاهرها، ما يمس حياة الناس، ويضر بمصالحهم، وهو التأخير والضياع والعبث ,, أليس في هذا ما يكفي للبدء في عملية جراحية جادة,,؟ تستأصل وباء خدمات البريد، وتعيده إلى الناس معافى مشافى، من كل آفاته وأمراضه ومعضلاته التي تلازمه وتقعده عن المسير,,؟!.
* من هو المسؤول في وزارة البرق والبريد والهاتف، وفي الإدارة العامة للبريد، الذي يملك من الشجاعة ما يكفي، لتفسير ما يحدث على صعيد الخدمات البريدية اليوم يا ترى,,؟!.
هل مات البريد,,,؟
* وبمناسبة الكلام على ما يعانيه الناس من البريد، والشكاوى التي تتردد هنا وهناك من سوء خدمات هذا الجهاز، وخاصة بين المفكرين والمثقفين والكتاب، فحقيقة الأمر، أن الشكوى قديمة، وقد سجلها لنا الشعر العربي في عديد من المناسبات,,، ولكن التقصير الذي قد يبرر قبل عشرات السنين، ليس له من مبررات في العصر الحاضر,, حيث تقدمت وسائل الاتصالات والمواصلات، وتطورت نظم الإدارة بما فيه الكفاية، مما لا يحتاج إلى مزيد، ولم يتبق إلا همة الرجال وجدهم وجديتهم ورغبتهم في الإصلاح بكل عزيمة وإخلاص.
* أورد الأستاذ عبدالرحمن بن فيصل المعمر في كتابه الشائق: البرق والبريد والهاتف,, وصلتها بالحب والأشواق والعواطف ، هذين البيتين للشاعر المرحوم أحمد الصافي النجفي، التي انقطعت رسائله,, أو هو البريد الذي قطعها عنه في زمانه، بينه وبين من يحب، فراح يتساءل في حرقة:
قد انقطع البريد فلا جديد
ولا كتب ولا نبأ مفيد
فهل مات الهوى أو مات حبي
أو القرطاس أو مات البريد ,,! |
* ولأن الهوى لا يموت أبداً، ولا يموت الحب ولا حتى القرطاس,,! فالموت إذاً للبريد ,, هذا في شعر الصافي النجفي فقط,,!.
* أما ساعي البريد في بلادنا، الذي فقد مع مرور الزمن، الحقيبة وقلم الرصاص والقبعة الكاكية والدراجة، وضيّع مشيته ووظيفته التاريخية، فقد أصبح في هذا الزمان البريدي البارد ,,! يركب سيارة مكيفة، أو يقبع وراء مكتب أنيق، ثم يكتفي بإحالة الرسائل الى صناديق البريد إن وجد وقتاً أو يتفضل ,, فيهاتف من له رسالة مسجلة ومستعجلة، كي يأتي هو لاستلامها من هذا المكتب البريدي ,,! على طريقة ما حك جلدك مثل ظفرك ,,!.
* وللشاعر نزار قباني رسالة شعرية موجهة لساعي بريد أغضبه ذات يوم، فعبّر عن سخطه شعراً:
يا,, أنت,,يا ساعي البريد ببابنا:
هل من خطاب,,؟
ويقهقه الرجل العجوز,, ويختفي بين الشعاب
ماذا يقول,,؟ يقول:
ليس لسيدي إلا التراب
إلا حروف من ضباب
اين الحقيبة,,؟ أين عنواني,,؟
سراب,, في,, سراب,.
* وأتمنى من كل قلبي أن تكون كافة أقوالنا وأفعالنا في سبيل إصلاح البريد، حقيقة لا سراب بقيعة.
assahm2001@maktoob.com
|
|
|
|
|