|
| مقـالات
من الصفات النبيلة والتوجهات الحسنة التي شاعت وانتشرت في مجتمعنا في السنوات الأخيرة والتي تؤطر الوفاء وتغرس المحبة وتعمق الصلة والتواصل بين أبناء هذا الوطن المعطاء,, هذه التوجهات الكريمة الاصيلة الملموسة هي اقدام وحرص الكثير من الدوائر الحكومية والأهلية على تكريم الموظفين المتقاعدين أياً كان مستواهم، وتوديعهم بما يليق بهم,, هذا السلوك الحضاري المثالي والمشاعر الكريمة الفياضة لا تستغرب من ابناء هذه الأمة المتآلفة المتكاتفة,, وهي بالتالي نابعة من مبادئنا الإسلامية السامية وعاداتنا العربية الأصيلة.
ولكن طريقة تكريم المتقاعدين وتوديعهم تختلف من ادارة إلى أخرى,, وهذا يعود في المقام الأول إلى رئيس الدائرة نفسها فالبعض منهم والحق يقال يودع زملاءه وموظفي ادارته المتقاعدين وكأنه يودع بعض أبنائه إلى رحلة طويلة فيحاول بمكارم أخلاقه ولطف مشاعره ابقاء ذكرى عطرة وصلة حميمة لا تفارق نفوسهم بقية حياتهم كما يبقي خيطاً قوياً من المودة يحرص الجميع على الاحتفاظ به والمحافظة عليه,, وتجد العطف والشفقة تبدو من محياه وأحياناً تأتي الدموع معبرة عن صفاء وعمق وحرارة الوداع,, هذا المدير المثالي الذي أتينا على صفاته هو في يقيني واعتقادي يمثل الانموذج الحي لمعدن الاصالة والوفاء والكرم,, وبعد ذلك نعرج على النوع الآخر من المديرين من الصنف الثاني فتجد مثل هذا يودع زملاءه المتقاعدين بعد سنين طويلة من العمل المشترك وتحت مظلة سقف ادارة واحدة يودعهم وكأنهم تقريباً من فئة العمال الذين خرجوا بلا عودة,, يودعهم كمجاملة وتقليد ورفع عتب لا يتعدى نطاق التكريم حضور فنجان شاي معهم ولبضع دقائق هذا الحضور الروتيني والوداع المتواضع الرتيب الممل يختتم أحياناً وحسب الظروف بكلمات مستهلكة مهلهلة من بعضهم يبدو فيها التكلف واضحاً لطغيان جانب المجاملة فيها,, بعدها ينصرف الجميع وفي مقدمتهم المتقاعدون ليشعروا بعدها بالدفء والراحة النفسية بعد أن شعروا بالقشعريرة من برودة جو ما يسمى بلقاء الوداع الأخير والتكريم,, وأخيراً نأتي على ذكر الفئة الثالثة والأخيرة وهم الصنف المتبلد المنقطع عن محيط ادارته عدا روتين العمل اليومي, هذا الصنف لا يهتم بشيء اسمه زمالة أو واجب أو مشاعر انسانية أو على الاقل تقليد اداري لتوديع المتقاعدين مرة كل عام على الأقل أسوة بالادارات الأخرى.
هذا الطراز من الرؤساء يتقاعد الموظف عنده أو قريباً منه ويخرج من باب الدائرة في أخريات أيامه يجاهد في انهاء اجراءات تقاعده بنفسه من دائرة لأخرى ويغادر بعد ذلك دون أن يكترث به أو حتى يعلم هل هو على رأس الخدمة أم لا,, ومع الأسف هذه الفئة المتبلدة والعينة الرديئة من الرؤساء أو المتروسين موجودة ومتنفذة يحيط بها ويلفها ضباب الاستعلاء الذي غالباً ما يحجبها ويؤثر حتى على علاقتها ورؤيتها بمحيطها الذي تعيش فيه ولكنها هي الأخرى أبت أم رضيت وخلال أيام قريبة في عمر الزمن ستخرج من الخدمة أو يسحب البساط من تحتها أو تهمش في وظائف ثانوية وستجد يوماً انه لا يهتم بها أحد وربما تصبح مثار سخرية واستخفاف الآخرين من بعدها والجزاء كما يقال من جنس العمل لان سنة الحياة تؤكد دائماً ان البقاء عملاً وذكرى هو للأصلح,, ولكن هل من معتبر.
والله الهادي إلى طريق الخير والصواب
* للتواصل ص, ب: 27097 الرياض 11417
|
|
|
|
|
