كلنا يعرف ماهيّة لفظة يتم فاليتيم في القاموس العربي هو الذي فقد والديه أو أحدهما,.
وفي عرف الشعراء والمتأدبين أن اليتم يتيم العلم والأدب وعبر الزمن أخذ اليتيم معنى سطحيا في مفهوم الجماعة وهو الفقد كما قلنا للوالدين أو لأحدهما.
ومع الوقت ركنت اللفظة وأصبحت العين تعبرها والأذن تتجاوزها,, وكما تركن الأشياء وتستهلك,, استهلكت اللفظة واضمحل أثر معناها وبالتالي توارت هيبتها,, وقست قلوب الناس الى درجة ان كلمة يتم لا تمس الوجدان بالقدر الذي تستحقه,, ولن أخوض في موضوع اليتم بقدر ما سأعرض تساؤلا بسيطا على كل من يملك حسا خاصا نحو أشيائه البسيطة التي تنبهه لو اعتنى بها الى اكتشاف أعماقه المغيبة حتى عن ذاته هو,, ذاته اليتيمة منه,, اللا شعور الخفي القابع في ظلماته التي استهلكتها أضواء الصحو وايقاع الركض اليومي ومن هذه الأشياء البسيطة اللحاف الذي يلف التعب وارتعاشات الغفوة الأولى وقت الدخول الى ظلمات الموت الصغير وكسر كل قيود عالم الصحو وقاموسه الذي يشمل روتين المنزل وشغب الشارع وضغط العمل,, ففي تلك اللحظات المستورة عن عين الرقيب البشري,, تتجلى صورة النفس التي بين أضلعك وتأخذ مسارا آخر قد يختلف من شخص لآخر.
ولكن الامتياز يتمحور في كيفية القبض على اللحظة,, تلك الجوهرة التي لا يعرفها الكثير,, وبدء امتلاكها وقت ان تدخل جسدك في قلب اللحاف,, ولعل القلة من البشر هم الذين يتعلقون بتلك القطعة من الأثاث وهؤلاء القلة يرفعونها الى مستوى المؤنس فوق العادة بل انه العضد والصوت الهامس الذي يستنهض ما ركد من مشاعر عبر اليوم أو حتى خلال أشهر أو سنوات فتختلط الذكريات بالآلام,, والأمنيات بالمستحيل,, والجوع بالشبع والمرض بالرضا وتتداعى الأصوات الحاضرة بالتي ذهبت,, وكلما تجمهرت حجافل جمال أيامك بعذاباتك,, ازددت ضعفا فتتدثر باللحاف الشيء الذي يأخذ من الجو المحيط حالته ومنك طباعك وأول شيء ستتعلمه من أشيائك التي تستخدمها هو لغة الانصات الى نفسك والى داخلك متحللا من كل عوامل التعرية الخارجية,, وستتعرف الى الآخرين بتركيز وهدوء بعيدا عن التوتر باستعادتك للأحاديث الجانبية التي تهمشها في واقعك الحي,, فتنطلق باحثا عن نفسك بين العوالم والأشياء التي تعتقد أنك تملكها بينما هي تملكك,, ستجد أنك من أولئك الذين يشدون اللحاف الى أجسادهم بقوة,, أو من أولئك الذين يتلمسون برودته محاولين اخفاء نار أجسادهم وحرارة أقدامهم,, بل ربما لاحظت أنك تلفه حولك قابضا عليه من كل الاتجاهات وأدنى حركة قد تجعلك تعتقد ان جزءا منك عارٍ منه فتعيد لف جسدك المرة تلو المرة بقلق لا يهدأ,,
وآخرون قد يقذفون باللحاف بعصبية تحت أقدامهم,, أولئك الذين لا يستحقون المساعدة حتى من قطعة أثاث يملكونها,, إنها لحظات مهما اختلفت طبائع البشر المحسن والمسيء، الطيب والشرير لابد ستنتابهم ورغما عن ذلك هم مختلفون.
إذ من المحتمل أن تكتشف ذاتك والآخرين وبمجرد أن تصحو تنسى كل وصايا اللحاف,, والبعض يكتشف نفسه كل يوم، كل يوم لكن يدس صوره المكتشفة أيضا في اللحاف على أمل أن يجد صورا أخرى أجمل وآخرون قد يعدون ما يحدث هاجسا,, أي موقفا وانتهى فلا يعني لهم أكثر من,, لو أني فعلت كذا ولم أفعل كذا والمصيبة لواكتشفت أنك ,,,
لم تفكر يوما في أجمل الأشياء في حياتك البسيطة,, لحافك الذي يستر عورات النوم,, فأنت وللأسف يتيم ومهما كنت ستموت يوما ميتة غبراء,, وعليك وعلينا السلام.
|