| فنون تشكيلية
*
* كتب المحرر التشكيلي
الزخرفة الشعبية أو النقش سمة بارزة في الموروث الشعبي البصري خصوصا في المنطقة الوسطى ويرتبط هذا الفن بالعمارة او المباني في الأبواب وفي التكسيات الخارجية منها والداخلية يطلق عليه النقش على الجص وتمتاز به المنازل الكبيرة ويعتني به الموسرون من الناس باعتباره شيئاً من الدلالة على القدرة والمباهاة بالتجميل وتشتهر به منطقة القصيم بشكل كبير إذ برز فيها العديد من محترفي الإبداع الشعبي منهم النجارون والبناءون يليها بقية المدن والقرى النجدية وتتنوع الزخرفة وتتعدد بين النقش الجداري ويستخدم فيه الجص ويتم التعامل معه وهو طري بالمباشرة بالتفريغ والكشط بالادوات الحادة والمصنعة خصيصا لهذا المجال او بالقوالب المعدة من الخشب واخذ نسخ مكررة من الشكل الواحد وتتنوع الزخرفة من الشكل الدائري المستوحى من الزهرة او النجمة وبتصرف من النقاش بالزيادة او النقصان وحسب طلب وقدرات أصحاب الطلب وهناك عناصر متكررة وباستخدامات متعددة مثل المثلث أو المربع وتختلف نقوش الأبواب عن النقش على الجص او الجدران كثيرا رغم غنى كل منهما بالعناصر إلا ان نقش الخشب يتميز بالألوان الجميلة والمحددة في الأزرق والأخضر والقرمزي (البنفسجي) والأحمر والأصفر دون أي إضافة او مزج بقدر مايحرص النقاش على خصوصية اللون المستورد على شكل بودرة يحل بالماء يضيف له البعض السكر أو الدبس لتثبيته ويبرز في الزخرفة الشعبية حرص النقاش على ألا يداخل نقوشه او رسومه اي إيجاد لشكل ذي روح كالإنسان او الطير او الحيوانات تمسكا بأوامر الدين وتنفيذا للرغبة العامة وحرص من يكلفه بالتجميل على خلوها من ذلك.
وتحتل الزخرفة الشعبية مساحات كبيرة من المجالس والمداخل ويتباهى أصحاب تلك المنازل بما تحويه جدران منازلهم الداخلية والخارجية منها مع العلم ان لكل جزء من المبنى شكلا او نوعا من الزخرفة فالجدران الداخلية في الغرف تختلف من واحدة إلى اخرى أهمها زخرفة المجلس الرئيسي، كما ان الجدران نمط يختلف عن الزخرفة الداخلية ومنها الشرف وهو الشكل البارز في زوايا اسطح المنازل أو مايجمل به أعلى الجدران والمثلثات والأطر المحيطة بالنوافذ والأبواب ويسعى اصحاب المنازل الكبيرة عن الأفضل والأقدر على التنفيذ من المهنيين أو مايطلق عليهم (الاستادية) وهي صفة تشابه صفة فنان في الوقت الحاضر وهم نوعية قليلة وأجورها غالية.
يقول بعض من التقينا بهم ممن بقي من هؤلاء الاستادية ان مصادر إلهامهم أو منابع الزخرفة التي يتعاملون معها كثيرة منها المنسوجات المستوردة من الهند أو إيران أو تركيا في ذلك الوقت أو من الواقع المحيط مثل شكل السعفة أو النخلة أو بعض النباتات منها ورقة البرسيم لجمال استدارتها وهكذا، ويضيف بعض أولئك المهنيين او محترفي هذا الإبداع الى ان غالبية ما يقومون به متوارث والبعض منه لا يمكن تحديد مصدره وان هناك تصرفاً من قبل النقاش في كيفية إخراج العمل وحسب ما تقتضيه الظروف والموقع والإمكانيات في ذلك الوقت خصوصا أن مادة الجص لا يمكن تواجدها في كل مكان, كما أن الكثير منها يؤخذ من جزء في سجادة أو من نقش على علبة مصنوعة في الخارج ويتم تطويرها وتعديلها لتتوافق مع هدف الصانع او النقاش.
هذه إطلالة سريعة لا تعني رصداً موثقاً بقدر ماهي تعريف مختصر عن الزخرفة الشعبية التي أصبحت رمزا هاما في جماليات العمارة ودليلاً رائعاً على ما يمتلكه أبناء المنطقة من روح ووجدان جمالي رغم الظروف الصعبة في ذلك الوقت مع اعتزامنا نشر حلقات متتابعة حول هذا الإبداع الهام.
التشكيليون واستلهام الموروث الزخرفي
نعود للوحة التشكيلية وللفنان التشكيلي المعاصر وكيفية استفادته من هذا الموروث الهام والمؤثر والمحبوب عند المخضرمين أومن الجيل الجديد من المتذوقين باعتباره إبداعا مرتبطا بالبيئة وممتلكا لسمات بصرية جذابة لا يختلف على جمالها اثنان ونبحث عن ملامح هذا التأثير وكيفية التعامل معه ونطرح التساؤلات هل يمكن للفنان المعاصر تطوير هذا الإبداع وتقديمه بشكل اكثر حداثة أم انه في حالة تطويره قد يسيء له وماهي سبل الاستلهام وعدم المحاكاة.
كل هذه الأسئلة تكشفها العديد من اللوحات الفنية التي أخذت في الانتشار وبشكل كبير وجد فيها راسموها فرصة للكسب المادي اكثر منه سعيا للبحث عن سمة لفن محلي مدروس ومؤطر بهذا الملهم الرائع واكتفاء أولئك الرسامين بالقشور وبالإيحاء اكثر منه مضمونا جماليا يرتقي بالذائقة ويساهم بالتواصل بين الأجيال وبين مراحل العطاء السابق واللاحق, ويقوم العديد ممن استنبطوا عناصر اعمالهم من ذلك الموروث بصياغة ارتجالية مرتكزة على الإثارة اللونية والخطية سعيا لجذب المقتني وتعامل مكرر وممثل في التكوين العام للوحة مع زخم من الوحدات الزخرفية ووضعها في مساحات كيف ماشاءت الفرشاة أو القلم فاختلط الحابل بالنابل وحينما يجد أحد اولئك الرسامين انفسهم في حالة ملل نتيجة الاجترار يبحثون عن مخرج في الشكل العام لمظاهر البناء وتتكشف عند البعض منهم أخطاء في بنائية العمل خصوصا توزيع العناصر ونسب التكوين العام مما يجعل العمل مختلا عند المتخصص ورائعا عند من لا يفقه في أسس العمل الناجح, وهنا يمكن القول بصدق أن ما يقدم حاليا من أعمال مباشرة في استلهامها للموروث الشعبي في النقش لا يمكن ان تكون قد قدمت أي جديد بقدر ما أساءت في وقت نحن في حاجة ماسة فيه للارتقاء بالذائقة المعاصرة مع إيجاد حلقة وصل مع الماضي التراثي لا أن نكرر أو نعيد أو نقتبس بشكل ببغائي لا يسمعنا سوى رجع الصدى.
وحينما نتحدث عن هذا الجانب الهام في مصادر الإلهام للفن المحلي يبرز لنا العديد من الأسماء منهم الفنان علي الرزيزاء باعتباره الأبرز في محاولة التجربة والاستفادة وله الكثير من المراحل التي كاد في آخرها أن يقترب قليلا مما يعني الاستلهام الحقيقي وكيفية التعامل معه لتحقيق صفة تشكيلية سعودية الولادة والمنشأ تبعه عدد قليل من الأسماء منهم عبدالرحمن الحواس وعبدالمحسن أبا حسين وخالد الغنام وغيرهم, هؤلاء او تلك الأسماء بما فيهم الفنان الرزيزاء أو من يرجع له البداية وأكملها الباقون وسعوا الى نشرها بعلاتها نتيجة إقبال العامة عليها واكتشافهم إمكانية الكسب المادي دون النظر لابعاد مثل هذا التصرف تجاه الموروث وتجاه أهمية تطويره أو الاستفادة منه فالفنون الموروثة لا يمكن تطويرها بمفهوم التغيير بقدر ما يعني الاستلهام علما أن كل أولئك المقلدين لهذا الفن أو التجارب غير الناضجة من المؤهلين أكاديميا في الفن التشكيلي.
|
|
|
|
|