رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 3rd January,2001 العدد:10324الطبعةالاولـي الاربعاء 8 ,شوال 1421

مقـالات

قراءة إدارية في سيرة الملك المؤسس
المبحث الرابع: رجل الإعلام الأول 4 - 5
أ,د, حسين بن محمد علي العلوي *
ما علاقة الإعلام بالإدارة؟
الإعلام بمفهومه الواسع هو الإدراك الصحيح للمعلومة مقروءة أو مسموعة أو مرئية، إرسالاً واستقبالاً، والهدف منه هو إحداث تغيير مفهومي أو سلوكي لدى المتلقي وفق ما يريده المرسل, كما أن المعلومة هي حجر الزاوية لأي قرار أو تصرف يتخذه المسؤول, ومن باب المعلومة يدخل الإعلام إلى عالم الإدارة الرحب ليصبح جزءاً لا يتجزأ من كل وظيفة من وظائفها.
لقد كان الملك المؤسس يرحمه الله رجل إعلام من طراز فريد، أدرك بحسه وفطنته أهمية الإعلام في حياة الدولة الناشئة، وحتى بعد استتباب الأمن والاستقرار في ربوع المملكة, نجد هذا الاهتمام واضحاً في حرصه يرحمه الله على سماع ملخص الأخبار ثلاث مرات في اليوم على الأقل، فكانت وجبة الأخبار تمثل عنصراً ثابتاً من برنامجه اليومي لا يشغله عنها إلا ظرف طارئ, كما يحرص على قراءة الصحف وخاصة المصرية والسورية والعراقية, ويوجه ممثليه ووكلاءه بأن يرسل إليه بأسرع وسيلة ما يطبع من هذه الصحف وما يتناول منها أوضاع الجزيرة العربية خاصة والعالم الإسلامي عامة.
لم يكن الملك عبدالعزيز متلقياً للمعلومة أو الخبر فحسب، بل كان حريصاً على دراسة ما ينقل إليه وفحصه وتحليله، فكان يعرض على مستشاريه مايراه جديراً بالمناقشة والتحليل وإبداء الرأي انتهاء باتخاذ موقف معين, وفي الاتجاه الآخر كمرسل كان يرحمه الله حريصاً على إيصال المعلومة الهامة إلى كل مسؤول أو فرد حسب الطريقة التي يفهمها المتلقي، وبعبارات موجزة دون نقص أو إفاضة.
يقول الأمير ماجد بن عبدالعزيز: والحس الإعلامي المرهف الذي سبق عبدالعزيز يرحمه الله عصره، عاشه في تعامله مع الأحداث والتطورات الداخلية، كان يرحمه الله يحرص على إيصال المعلومة إلى الربع أو وزارته المصغرة التي يستشيرها دائماً، وكان يحرص على أن تكون المعلومة بين يدي ممثلياته في الخارج، ولدى كل مسؤول في العاصمة، ولدى كل أمير أو رئيس أو موظف في أرجاء المملكة، من خلال شبكة اللاسلكي التي أقامها وأسسها في عموم تراب المملكة، وحرص على إيصال أوامره وتوجيهاته ونصائحه الدينية إلى كل فرد، فور تسلمها من أمراء المناطق، ليكون المواطن على بينة من فكر الدولة وسياستها وتوجهها في أمور الداخل والخارج على السواء.
لقد مارس الملك عبدالعزيز الإعلام بشكليه المقروء والمسموع مستخدماً في ذلك كل وسائل الاتصال المتاحة أو الشائعة الاستخدام في العالم العربي آنذاك وعلى وجه التحديد الصحف والمجلات واللاسلكي والراديو والمبرقات والبريد والهاتف وغيرها، ففي بداية عهد التأسيس كانت وسائل الانتقال هي الإبل والخيل ووسائل الاتصال الرسل تحمل الخطابات بخط اليد على أي ورق يتوفر وبأي قلم يوجد والإملاء من الرئيس المباشر المسؤول إن كان الملك أو نائبه, وعندما دخلت البرقية والسيارة دخل على الإدارة ما دفعها دفعة قوية, وبعد دخول الملك عبدالعزيز الحجاز دخلت جوانب من الإدارة جديدة عن طريق موظفين مجربين وبوسائل أرقى فيها الآلة الكاتبة وطرق التسجيل والحفظ وتنظيم التخزين وتصنيف الأقسام وإيجاد الصلات بينها ، ووجد البريد المنظم، ,, الخ.
ويؤكد هذا ما توصل اليه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في مقولته بانالذي لا يغوص في تاريخ الملك عبدالعزيز، من زاوية تاريخية أو سياسية أو إعلامية، قد لا يدرك أنه، رحمه الله، كان بالإضافة إلى مواهبه العديدة شخصية إعلامية تلقائية فذه, فقدرته وهيبته وشخصيته ومؤهلاته الذهنية، كانت تعطي نتائج إعلامية مذهلة، مع أنه لا يتصنعها ولا يفتعلها, والذي لا يتعمق في تاريخه، قد لا يعرف أن منجزات كثيرة على صعيد الإعلام، الداخلي والخارجي، كانت قد تمت، مع أنه لم تكن لديه وزارة أو إدارة متخصصة، ولم يعرف وسائل الإعلام الحديثة إلا بعد أن دخل الحجاز في حكمه بعد انقضاء نصف عهده1343ه .
كما تميزت بداية عهده، يرحمه الله، باعتماده على الاتصال المباشر بالناس المجالس اليومية لقناعته بفعالية هذا الأسلوب من حيث التأثير، وإحداث الإدارك الصحيح، والحصول على رد الفعل بشكل سريع، فضلاً عن أخذ رأي أفراد الشعب فيما يعتزمه من قرارات، أو توضيح لخلفية الأوامر والتعليمات, وقد عرف هذا الأسلوب بسياسة الباب المفتوح فيما بعد ولازال مستخدماً من قبل الملوك والأمراء من أبنائه البررة حتى يومنا هذا, ولعل لهذا الأسلوب الإعلامي العديد من المزايا من أهمها:
إعطاء نخبة من أبناء المجتمع الفرصة لتداول الأفكار والآراء والتأثير على متخذي القرارات وهذا وجه من أوجه الشورى والتشاور على المستوى الشعبي.
إعطاء الفرصة للمواطنين لمعرفة إمكانات الدولة، أي توضيح ما هو ممكن، وما هو غير الممكن، فتحقق بذلك القناعة بوجهة نظر ولاة الأمر، لا من خلال الهيمنة والسلطة.
وقوف ولاة الأمر بشكل مباشر على تظلمات وشكاوى المواطنين والبت فيها بسرعة.
الباب المفتوح هو صلة الوصل بين ولاة الأمر والمواطنين، ويعتبر من أهم وسائل التأثير وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولقد سمى الملك عبدالعزيز سياسة الباب المفتوح بباب العدل فيقول أنباب العدل مفتوح للجميع على السواء .
وتأخذ سياسة الباب المفتوح منحى آخر من مناحي الاتصال المباشر بالجمهور ومعالجة شكاويهم بشكل سريع وفوري, يقول الزركلي إذا كان الملك في الرياض، فإنه يزور شقيقته الكبرى مرتين في اليوم، وكثيراً ما ينتظره أصحاب الشكاوى أو الملتمسون في الطريق، فلا يرد طلباً، ويحول الشكاوى إلى مراجعها للفصل فيها، وقد يجد امرأة في الطريق تشير إليه، فيتجه نحوها، ويسمع شكواها، فان كانت مظلومة أنصفها، أو سائلة أرضاها، أو طالبة طلباً مشروعاً أمر بتنفيذه في الحال.
أما على المستوى المؤسسي فقد كانت تشكيلات البلاط الملكي مكونة من 16 شعبة إدارية أحدهاشعبة الإذاعة واختصاصاتها تلقف الأخبار من الراديو، ليلاً ونهاراً، وإعداد أهم ما فيها لتلاوته بين يدي الملك, وهي قسمان: العربي لاتقاط ما تذيعه المحطات المختلفة باللغة العربية، والأجنبي لأخذ المهم من الإذاعات الأجنبية وترجمته.
كما توجد شعبة أخرى هي شعبةالشفرة والمبرقات لإرسال واستقبال برقيات الديوان الملكي, وكانت آلات اللاسلكي لا تفارق ديوان الملك ، في إقامته وفي أسفاره، حتى في رحلاته للصيد والقنص، وعلى مقربة من ردهة جلوسه في قصر الزعفران، أيام زيارته لمصر.
فلقد كان، يرحمه الله، على دراية واطلاع، ساعة بساعة، ويوماً بيوم، بكل ما يدور ويتصل بشؤون البلاد أو يمس مصالح المواطنين من بعيد أو قريب, فتواجده المستمر على رأس العمل الإداري مكن من سهولة الاتصال به سواء عن طريق المقابلات الشخصية أو المراسلات التي لعبت أجهزة المبرقاتاللاسلكي دوراً رائداً فيها, فلقد أدرك، يرحمه الله، بثاقب بصيرته ما للمبرقات من أهمية بالغة في إدارة وتنظيم شؤون هذه المملكة الفتية, فقد كان كل مسؤول بل كل مواطن يشعر بأن جلالة الملك عبدالعزيز حاضر أمامه بشخصه بسبب ما ترك في نفوس الجميع من تقدير وهيبة لمتابعته التي لا تعرف الكلل لكل ما يهم الجميع من مواطنين ومسؤولين, فقد مكنت المبرقات كوسيلة اتصال فعالة في حينها من جعل كل حادث صغر أو كبر، مما يجري في أرجاء المملكة تحت أنظار جلالته خلال فترة قصيرة من الزمن, ويروي الأستاذ تركي بن خالد السديري بأنه سمع من عمه الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري، أن غالب الإجابات على ما يرفعونه لمقر جلالته كانت تردعهم خلال نصف ساعة او أقل في بعض الأحيان وهكذا عمم استخدام المبرقات تدريجياً حتى شملت في نهاية حكمه، ويرحمه الله، مائة وخمساً وعشرين مدينة وقرية.
ومع بزوغ شمس اليوم الأول من شهر شعبان عام 1343 ه1924م أنصت العالم الإسلامي إلى نداء مكتوب تعهدت فيه الحكومة السعودية بحماية الحجاج، وتحملت مسؤولية ذلك أمام الرأي العام العالمي، ونشرت نصه العديد من الدول الإسلامية، وأوفد المطوفون إلى هذه الدول يحملون عشرات الألوف من نسخ النداء، كما أرسلت بالبريد إلى الحجاج، والصق النداء على واجهات المحال التجارية وأبواب المساجد بمختلف اللغات, فكان هذا النداء أول رسالة جماهيرية تبلغ إلى العالم الإسلامي بأن الطريق إلى الحج قد أصبح آمناً بفضل الله ثم بفضل جهود الملك عبدالعزيز في إرساء قواعد الأمن والاستقرار في ربوع البلاد كافة, وقد أعقب ذلك، يرحمه الله، بأمره بإنشاء مجلس للدعاية للحج عام 1355ه لكونه أي الحج، يمثل ركيزة مهمة في اقتصاد الدولة السعودية.
أما مساء الأحد التاسع من شهر ذي الحجة لعام 1368ه الثاني من اكتوبر 1949م فقد كان مساءً مشهوداً في تاريخ الإعلام السعودي المسموع حيث ولدت الإذاعة السعودية بعد أن أتم حجاج بيت الله الحرام الوقوف على صعيد عرفات، وذلك بكلمة موجزة ومعبرة من الملك أذاعها نيابة عنه ابنه فيصل، يرحمه الله، نائب جلالة الملك آنذاك, ولهذه الكلمة العديد من المضامين الإعلامية أهمها استخدام وسيلة إعلامية جماهيرية وطنية مسموعة لأول مرة، واستثمار مناسبة دينية مهمة لتأكيد رسالة الدولة إلى جميع حجاج بيت الله الحرام بأن الطريق إلى الحج أصبح يسيراً وآمناً وسيظل كذلك بإذن الله مقارنة بما كان عليه الحال قبل ذلك.
وقد سبق افتتاح الإذاعة السعودية بشكل رسمي صدور مرسوم ملكي برقم 7/3/16/3996 في الثالث والعشرين من رمضان عام 1368ه1949م في صورة خطاب موجه إلى نائبه في الحجاز الأمير فيصل، يرحمه الله، رسم له في عدة أسطر وبعبارات بسيطة الخطوط العامة لنهج الإذاعة السعودية بمناسبة بدء عملها في نهاية ذلك العام، جاء فيه:
من عبدالعزيز آل سعود إلى جناب المكرم الابن فيصل سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبعد:
لقد عرض علينا الجماعة موضوع الإذاعة في جدة، ونحن نرى فيها ما يأتي:
أولاً: ينتخب مديرا أو مستشارا مسؤول أمام الحكومة عن محطة الإذاعة وما يذاع فيها، وعن الأعمال الإدارية وهي تهيئة المقالات والأخبار التي ستذيعها وتدقيقها وتمحيصها والعمل على تحسين هذه البرامج وتمرين المعاونين وتدريبهم على هذه الأعمال.
ثانياً: يوضع برنامج للإذاعة تشرفون عليه وينفذ بعد موافقتكم عليه.
ثالثاً: يلاحظ في البرنامج:
1, نشر الأخبار الخارجية كما هي وإنما يلاحظ عدم شتم أحد أو التعريض بأحد أو المدح الذي لا محل له.
ب, يلاحظ في الأخبار الداخلية الواقع وتلاحظ عاداتنا في السكوت على ما اعتدنا السكوت عليه ونشر ما اعتدنا نشره.
ج, ينظر فيما يمكن إذاعته من القرآن الكريم والمواعظ الدينية والمحاضرات التاريخية عن الإسلام والعرب.
يكون معلوم,,, ,,, والسلام
الختم الملكي
عبدالعزيز
***
ويجزم الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي أن صياغة هذا المرسوم ليس من وضع المستشارين, كما يؤكد بأنه لو طلب من أساتذه الإعلام المعاصرين أن يأتوا بمرسوم مختصر يحدد أسلوب العمل الإذاعي لما استطاعوا أن يضيفوا شيئاً جديداً على ماجاء في هذا المرسوم المختصر الشامل البسيط.
وبقدر اهتمامه، يرحمه الله، بالإعلام المسموع عني أيضاً بالإعلام الجماهيري المكتوب, فكانت جريدة أم القرى هي أولى الصحف، بل أم الصحافة السعودية وأقدمها، فقد صدرت في 15/5/1343ه أي العام الذي بدأ فيه الحكم السعودي في العاصمة المقدسة، فأصبحت بذلك ولا زالت الصحيفة الرسمية للدولة, وتوالى صدور الصحف والمجلات حتى بلغ مجموع ماصدر في عهد الملك عبدالعزيز إحدى عشرة مطبوعة، حكومية وأهلية، يومية وأسبوعية أو شهرية, ويمكن القول إجمالاً إن تساعاً من الصحف والمجلات التي تصدر اليوم، تعد امتداداً لما صدر في عهد الملك عبدالعزيز.
ومن كل ما تقدم يمكننا أن نستنتج عدداً من الخصائص الهامة للإعلام في عهد الملك عبدالعزيز نوجزها فيما يلي.
1, إرساء القواعد والأسس الأولى للسياسة الإعلامية للمملكة، ولا زال الإعلام السعودي يسير على هدى هذه السياسة حتى يومنا هذا.
2, تسخير وسائل الاتصال المتاحة أو التي تم توافرها لخدمة الدعوة والإرشاد والتوجه الإسلامي.
3, توظيف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة لخدمة الحج وحجاج بيت الله الحرام.
4, تسخير وسائل الاتصال لخدمة الإدارة الحكومية, فالاتصال السلكي واللاسلكي قام بدور إعلامي مهم من خلال النقل الفوري للرسائل والأوامر والبيانات والتعليمات حيث لم تتوافر وسائل إعلام جماهيرية بديلة في ذلك الوقت.
5, استخدام نظام للمعلومات يعتمد على الفطنة والتلقائية والحس الإعلامي الموهوب فقد كان الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، باعتباره محوراً للعملية الإدارية، مركزاً للمعلومات بحق إرسالاً واستقبالاً، ولما تمتع به من حكمة وحزم وبعد نظر.
6, الاعتماد على التطبيق العلمي للإعلام من خلال الاتصال المباشر بالناس، وباستخدام قدراته الفريدة في إيصال المعلومة المقنعة وأسلوبه التحاوري البليغ.
7, الحرص الشديد على استخدام وسائل الاتصال في الوقوف على كل ما يهم الشأن المحلي أو العربي أو الإسلامي أو العالمي، والتفاعل معه أولاً بأول.
8, البلاغة والإيجاز في الرسالة الإعلامية، دون اختصار مخل، أو إسهاب ممل.
وفوق كل ما تقدم لم يستخدم الملك عبدالعزيز ، يرحمه الله، الإعلام كوسيلة لكسب ولاء الشعب له عن طريق فرض هيمنة الدولة لتوجهاتهالإعلام الموجه ، وإن كان في أمس الحاجة لذلك في بداية عهده, بل آثر أن يأتي هذا الولاء ذاتياً من خلال الإقناع والاقتناع والتحاور والتشاور والعدالة والنزاهة في تطبيق شرع الله
عضو مجلس الشورى.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved