| الاقتصادية
تكتسب القمة الخليجية الحادية والعشرون التي تحتضنها العاصمة البحرينية المنامة أهمية بالغة خاصة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الساحة الخليجية والاقليمية والدولية والتي لها انعكاسات مباشرة وغيرمباشرة على المصالح المشتركة للدول الأعضاء, ولعل المواطن الخليجي الذي أصبح أكثر وعيا وإدراكا بطبيعة المتغيرات المؤثرة على مصالحه الخاصة والعامة يدرك المجال الكبير الذي يمكن لقادة دول المجلس التحرك من خلاله لتحقيق وحماية المصالح الخليجية المشتركة وبالتالي فانه قد أصبح أكثر قدرة على تقييم المنجزات الخليجية وأكثر تطلعا لمنجزات حقيقية تتجاوز حدود البيانات المشتركة والوعود الورقية الى واقع الحياة العملية والتعاملات المحسوسة, وهنا أذكر انني قد طرحت بعضا مما يتطلع له المواطن الخليجي قبل انعقاد القمة الخليجية التاسعة عشرة إلا أن عدم تحققها أو عدم تحقق بعضها قد زادني اصرارا على اعادة طرح تطلع المواطن الخليجي الذي أصبح تحت مظلة الاحباط المستمر نتيجة لاستمرار القصور الملحوظ في المنجزات المحسوسة ونتيجة لاستمرار الوعود الورقية التي لم تلامس الواقع العملي حتى الآن, ولعل من أهم المجالات التي يمكن ان تكون في طليعة اهتمامات المواطن الخليجي الآتي:
1 على الرغم من ان التقارير الرسمية والأهداف الرئيسة للمجلس تتضمن الاشارة الى أهمية خلق المواطنة الخليجية لمواطني الدول الأعضاء إلا أن الواقع يشير الى ان المجلس لم يستطع تحقيق أي تقدم نوعي في هذا المجال, وبالتالي فإن من المفترض الاسراع في تسهيل حركة عناصر الانتاج المختلفة عبر الحدود المشتركة للدول الأعضاء ومعاملتها في ذلك معاملة عناصر الانتاج الوطنية, لقد ظل المواطن الخليجي ينتظر حرية الحركة عبر الحدود الدولية وينتظر المساواة في المعاملة على كل أرض خليجية ومع ذلك لا يزال يعامل كأجنبي مثله في ذلك مثل كل أجنبي من كل الدول الأجنبية, وهنا أعتقد ان المواطن الخليجي سيظل يتساءل عن أهمية المجلس ما لم يستطع ان يلمس ذلك على أرض الواقع وما لم يلمس انعكاس المواطنة الخليجية على تعاملاته اليومية فهل تستطيع القمة تحقيق ذلك؟ نتمنى ذلك.
2 يتطلع المواطن الخليجي إلى أن يكون مجلس التعاون الخليجي فاعلا في تنسيق السياسات الاقتصادية بين الدول الأعضاء وبالشكل الذي يساهم في زيادة فرص التبادل التجاري بينها ويقضي على الصبغة التنافسية لاقتصادياتها, فعلى الرغم من أن النظام الأساسي للمجلس قد أشار الى هذه الغاية في أكثر من موقع إلا ان المواطن الخليجي ما زال يلاحظ تنافس الدول الأعضاء على تنفيذ مشاريع استثمارية متشابهة تساهم في زيادة التنافس وتقلل من فرص التبادل التجاري، وبالتالي فإن الأمانة العامة للمجلس مطالبة بضرورة طرح تصور متكامل يهتم بتفعيل دور المشاريع المشتركة على الساحة الخليجية وبالشكل الذي يحقق مصالح الدول الأعضاء ويقضي على الحالة التنافسية السائدة, إن التركيز على مثل هذه المشاريع سيكون أداة رئيسة في الربط بين اقتصاديات الدول الأعضاء وفي خلق بيئة اقتصادية جديدة لدعم التبادل التجاري البيئي داخل المجلس ولدعم القدرة التنافسية لهذه المشاريع على الساحة العالمية خاصة في ظل التوجه العالمي نحو ازالة كافة المعوقات الجمركية وغير الجمركية التي تحد من أو تحول دون تدفق السلع والخدمات عبر الحدود الدولية كما تشير بذلك اتفاقات منظمة التجارة الدولية.
3 يتطلع المواطن الخليجي إلى أن يكون المجلس فاعلا في تنسيق السياسات البترولية بين الدول الأعضاء خاصة وأن هذه الدول مجتمعة تمثل القوة الرئيسة على الساحة النفطية سواء في مجال الانتاج أو مجال المخزون النفطي, ولعل الجولات التنسيقية التي تمت في هذا الاتجاه بين الدول الأعضاء في الآونة الأخيرة خير برهان على قدرة هذه الدول على تحقيق الكثير على الساحة النفطية مما يزيد من تطلع المواطن الخليجي بأن يكون ما كان ديدنا دائما لاحالة استثنائية أو استجابة عاطفية لحدث عابر.
4 يتطلع المواطن الخليجي الى عمل خليجي موحد يكفل تحقيق التطبيق الكامل لبنود الاتفاقية الاقتصادية الموحدة الصادرة في عام 1983م، وفي هذا الخصوص أشير الى أنه اذا كان المجلس قد عجز خلال الفترة التي أعقبت التوقيع على الاتفاقية عن تذليل العقبات الادارية وغير الادارية التي حالت دون تحقيق التطبيق الكامل لبنود الاتفاقية، فإن من المنطقي القول بأن المجلس يفتقد للآلية الفاعلة التي تكفل موجهة الأزمات الطارئة التي عادة ما تصاحب التعاملات الدولية وبالتالي فإن المواطن الخليجي يتطلع الى وجود مثل هذه الآلية حتى يستطيع المجلس اقناع الآخرين بجديته في تحقيق أهدافه المرسومة والمعلنة.
5 يتطلع المواطن الخليجي الى عمل خليجي موحد يستهدف وضع آلية محددة المعالم لتحقيق الخلجنة الكاملة أو شبه الكاملة لفرص العمل المتاحة في سوق العمل الخليجي, إن المواطن الخليجي الذي يستشعر بوضوح المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وربما السياسية التي تواجهها الدول الخليجية نتيجة لاعتمادها شبه الكامل على العمالة الأجنبية يتطلع الى عمل خليجي صادق يحفظ حقه المشروع في الحصول على فرصة عمل مناسبة تكفل له حياة كريمة على أرضه الخليجية, ولعل ارتفاع معدلات النمو السكاني في الدول الخليجية وانحسار فرص العمل المتاحة في سوق العمل الخليجي تساهم في اقناع المسؤولين في الأمانة العامة بضرورة طرح تصور متكامل على القادة الخليجيين يحقق الخلجنة المنشودة ويحفظ الحق الخليجي المفقود, ولعل أحداث الشغب التي شهدتها دولة الكويت الشقيقة خلال الفترة الأخيرة خير برهان على أهمية الاسراع في تحقيق الخلجنة المنشودة لفرص العمل وازالة العقبات أمام تحرك عناصر الانتاج بين الدول الأعضاء, وهنا اعتقد ان القيود المفروضة على حركة عوامل الانتاج المختلفة بما فيها العمل وأنظمة العمل والعمالة الخليجية التي لم تستطع تبني فكرة التوحد الخليجي قد ساهمت في تضخيم المشكلة, إذ يمكن من خلال اطلاق حرية التنقل لعناصر الانتاج المختلفة عبر الحدود الخليجية مع ادخال تعديلات جوهرية على أنظمة العمل والعمال وبشكل يضمن المعاملة المتماثلة لعنصر العمل في جميع الدول الأعضاء ان نحقق مرونة فائقة في مواجهة النقص في الطلب أو الزيادة في العرض التي قد تطرأ في سوق عناصر الانتاج الخليجي, هذا بالاضافة الى إمكانية تحقيق التساوي في الأجور في جميع الأسواق الخليجية حيث ان الزيادة في الأجر المعطى في سوق العمل الكويتي سيقابله زيادة في تدفق عنصر العمل من الأسواق الخليجية الأخرى ويستمر هذا التدفق حتى ينتهي سببه المتمثل في وجود فارق في الأجر, لذا يجب على الدول الخليجية المسارعة في فك قيود عناصر الانتاج مع خلق المواطنة الخليجية الحقة التي تكفل للمواطن الخليجي الشعور بأنه في وطنه أينما كان على أرض الخليج الكبير.
6 يتطلع المواطن الخليجي الى دور بارز للأمانة العامة في تخفيف حدة التنافس بين الشعوب الخليجية خاصة أثناء المنافسات الرياضية من خلال برنامج اعلامي وتثقيفي متكامل يتولى تنفيذه أبناء الخليج وحدهم حتى نكفل حسن النية ووضوح الهدف, فعلى الرغم من ان الجميع يتفق بأن الهدف من الدورات الرياضية الخليجية يتمثل في تدعيم الروابط الخليجية وزيادة التعانق بين شعوب الدول الأعضاء، إلا ان الواقع يشير الى أن المنافسات الخليجية قد ابتعدت وفي كثير من الأحيان عن هذا الهدف ولعل ما حدث في آخر دور لكأس الخليج خير دليل على هذا التحول مما يستلزم العمل على تلافي كل مسببات التنافس غير الرياضي حتى تتحقق الفائدة المرجوة من الفعاليات الرياضية الخليجية.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|