أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 31th December,2000العدد:10321الطبعةالاولـيالأحد 5 ,شوال 1421

مقـالات

في الأفق التربوي
أ,د, عبدالرحمن بن ابراهيم الشاعر *
** تعد التقنيات التعليمية أحد العناصر الهامة في العملية التعليمية ورغم هذه الأهمية المتزايدة في عصر تدفق المعلومات وتطور وسائل نقلها إلا ان المفهوم السائد عن التقنيات التعليمية أنها ميكنة التعليم وذلك بارتباطها بالأجهزة والمعدات، وظل هذا المفهوم سائداً حتى عصرنا الحاضر رغم المحاولات العديدة لتعديل هذا المفهوم رغم ان الأدبيات تشير إلى ان في بزوغ حركة التعليم البصري انطلاقة إلى توزيع الأدوار بين الوسائل التعليمية، بحيث يكون الدور اللفظي في الكتب والمحاضرات والندوات، والدور غير اللفظي في المجسمات والصور والرسوم التي تقوم بدور وعاء المعلومة، حيث إنها أكثر قدرة على تفسير المفاهيم وتوضيح الفكرة وشرح الموضوع إذا ما أعدت إعداداً جيداً وفق معايير علمية وتربوية.
إن الخلط الذي يقع فيه البعض حتى من التربويين أنفسهم يكمن في عدم القدرة على التمييز بين التقنيات التربوية والتقنيات التعليمية، حتى إنك لتقرأ كتاباً معنوناً بالتقنيات التربوية ومحتواه منصب على التقنيات التعليمية،وكذلك العكس.
ان مفهوم التقنيات التربوية مفهوم واسع باتساع التربية نفسها وطالما ان التعليم يقع تحت مظلة التربية فمن الطبيعي ان تقع التقنيات التعليمية تحت مظلة التقنيات التربوية، فإذا أخذ بمفهوم التربية في إعداد المدخلات التعليمية بمعنى إننا نطبق المعايير التربوية على كل عنصر من عناصر المدخلات التعليمية بما فيها الأساليب والأدوات والمواد التعليمية التي تمثل جانبا من التقنيات التعليمية فنحن في هذه الحالة نطبق مفهوم التقنيات التربوية، وعند الانتقال إلى المرحلة التي تلي المدخلات وتدعى العمليات فإن هذه المرحلة تعني التطبيق الفعلي لجميع عناصر المدخلات وبالتالي ننتقل من مفهوم التربية بشمولها إلى مفهوم أحد عناصرها وهو التعليم وتكون جميع الاجراءات في هذه الحالة تقنيات تعليمية، ولكن قبل ان نحدد مفهوم التقنيات التعليمية بالأجهزة والمواد المستخدمة في العملية التعليمية لابد ان ندرك بان هناك وسائل وأدوات أخرى للتعلم انعم الله عز وجل بها علىالانسان مثل السمع والبصر والفؤاد وكل ما نستخدمه في العملية التعليمية من تقنيات يتعلق بشكل مباشر بالأدوات التعليمية التي يتمتع بها الانسان السوي بل هي امتداد لقدرات التعلم في الانسان فالمايكروسكوب قدرة إضافية للعين لمشاهدة الأشياء الدقيقة والتي لا تستطيع العين المجردة مشاهدتها وادراك تفاصيلها بدونه، كذلك الميكرفونات والاتصالات الالكترونية اللاسلكية جميعها قدرات إضافية لايصال الصوت إلى أرجاء الأرض, والرافعة تزيد من قدرة الانسان المحدودة وقس على ذلك جميع التقنيات الحديثة مثل الحاسوب الذي يعتبر قدرات إضافية للعقل البشري, بعد هذا هل يجوز لنا تحديد مفهوم التقنيات التعليمية بأنه مجموعة الأدوات والأجهزة التي تستخدم في عملية التعليم دون النظر في الجانب التنظيمي للآلية في استخدام تلك الوسائل؟
إن الحاسوب بامكاناته العالية في الاستقبال، والتحليل، والتخزين، والعرض لايمكن ان يقوم بدوره السحري والاعجازي دون برمجة سليمة يقوم بها الانسان نفسه وهذا يفسر لنا الدور المطلوب لتوظيف التقنيات في العملية التعليمية، حيث ان استخدام التقنيات التعليمية يتطلب معرفة مسبقة بالمنهج والتلميذ والبيئة التعليمية فإذا توفرت المعلومات عن تلك العناصر يمكن للمعلم وضع استراتيجية جيدة لتوظيف التقنيات وبالتالي رفع كفاءة العملية التعليمية.
** الأمية مصطلح يطلق على من لايجيد القراءة والكتابة، وكانت منذ عدة عقود من الزمن مشكلة تعاني منها المجتمعات خاصة المجتمعات العربية، ومع مرور الزمن الجهود التي بذلت تقلصت نسبة الأمية الأبجدية، ولكن مع مرور الزمن كذلك وتطور تقنية الاتصال وتزايد حجم المعلومات وتقدم سبل استقبالها وتخزينه وعرضها ظهرت أمية التعامل مع الأجهزة الميسرة للحصول على تلك المعلومات، ومع اتساع الاعتماد على الأجهزة والأنظمة الالكترونية في شتى مناحي الحياة اتسعت رقعة الأمية الحاسوبية، حتى أضحى المفهوم الاجتماعي للأمية عدم المعرفة بتشغيل الحاسوب، والفقير الذي لايملك جهاز كمبيوتر.
إن التفكير الدائم في اعداد الكوادر الفنية المؤهلة من ذوي المهارات العالية مطلب يتولد مع كل مخترع جديد ومع كل جهاز ونظام تتبناه المجتمعات العصرية فبعد ان كان المحراث والمعول والثيران وسائل المزارع البدائية نجد ان استخدام هذه الوسائل في عصرنا الحاضر ضرب من المستحيل أمام المخترعات العصرية من جرارات ومولدات وأجهزة الري المحوري، ولايمكن مقارنة الانتاج بالوسائل القديمة بانتاج الوسائل الحديثة وقس على ذلك المصانع والمعامل والمكاتب الإدارية.
ان تبني المجتمعات للأساليب والأفكار التقنية الحديثة في جميع المجالات صناعية كانت او زراعية أو صحية أو اجتماعية، ودرجة تقبلها من قبل أفراد المجتمع الواحد ينتج عنه ما يسمى بالتنمية الاجتماعية وهي نوع من أنواع التغير الاجتماعي المؤدي إلى انتاج دخول فردية أعلى وبالتالي الحصول على مستويات معيشية أفضل، ولما كان الفرد هو وحدة المجتمع، فان التطور على مستوى الفرد يقابله النمو على مستوى المجتمع، وبمعنى آخر إذا حدث زيادة في معدل الذين يستطيعون التعامل مع التقنيات الحديثة استتبعها بالطبع زيادة في معدل الانتاج الصناعي والزراعي والعكس صحيح، ولهذا فإن تبني مشاريع صناعية وزراعية وتجارية كبيرة يحتاج بالضرورة إلىزيادة الملمين بادارة وتشغيل التقنية الحديثة.
ولما كان التطور والتحديات المستمرة في أساليب التعليم والانفجار المعرفي قد أوجدت مجتمعة الفجوة بين العالم المتقدم والعالم النامي، الأمر الذي أوجب الاهتمام باعداد برامج تعليمية اكثر مواكبة للتطور الحضاري والتقني إلى جانب الاهتمام بتعليم الكبار وتبني نظام التعليم المستمر، وهذا هو السبيل الأمثل للتنمية الشاملة حيث إن الانسان هو العنصر الأساسي في برامج التنمية التي تسعى إلى تنميته ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً على حد سواء.
عرف رجال التربية والتعليم المستمر بانه مبدأ يشمل الفرص التعليمية الرسمية وغير الرسمية المتاحة خلال حياة الفرد بحيث تمكنه من تحقيق أرقى احتمالات النمو الفردي والاجتماعي، لذا يمكن ان يقال عن التعليم المستمر انه جميع الفرص التربوية المتاحة للانسان وفق نظام متكامل ومنسق يشبع طموحات الفرد الثقافية والتربوية وتلائم خصائصه النفسية والعضوية.
وتعليم الكبار في ظل هذا التطور العلمي يخضع لتجارب وأساليب مقترحة ومتميزة من حيث الإعداد وأسلوب التنفيذ والأخذ بالأساليب الحديثة لإيصال المعلومات إلى تلك الفئة من المتعلمين فإلى جانب استخدام التقنيات التعليمية الحديثة وسلوك قنوات اتصال متباينة انتهجت أفكاراً جديدة ولدتها الحاجة إلى تعليم غير مقيد مثل التعليم المفتوح والتعليم المستمر والتعليم عن بعد وتلك أساليب تتيح للمتعلمين تلقي التعليم في الأماكن والأوقات التي يختارونها لا التي تفرض عليهم.
ومفهوم التعليم عن بعد يراد به عملياً مفهوم التعليم المفتوح، وطور هذا الاتجاه وسائل وتكنولوجيا التعليم وتطور اساليب نقل المعرفة وفي الأفق التربوي اتجاهات حثيثة لتعليم غير مقيد بمكان معين أو زمان محدد.
** أثبتت العديد من الدراسات إن فاعلية العملية التربوية تتأثر بمدى توافر الشروط الفنية والصحية في المبنى والأثاث المستخدم في الحجرة الدراسية حيث أثبتت هذه الدراسات ان الأثاث المستخدم في الحجرة الدراسية من العوامل المؤثرة في كيفية التحصيل الدراسي، لذا يفترض أن يكون المبنى المدرسي والتجهيزات المستخدمة فيه ملائمة في تصميمها لطبيعة المتعلم، وان يكون حجم الاثاث المستخدم متناسبا مع المساحة الكلية لحجرة الدراسة، وقد وضع المهندسون المعماريون المواصفات التي يجب ان تكون عليها حجرة الدراسة والأثاث من المقاعد التي تزود بها الحجرات وهي مواصفات هندسية تعنى بطبيعة النشاط التعليمي وتسهم في رفع كفاءة أداء المعلم والطالب، حيث ترتبط فاعلية العملية التعليمية بمدى توافر المواصفات الفنية والصحية في المبنى المدرسي باعتباره المكان الذي يتم فيه تنفيذ العملية التعليمية بتفاعل المدخلات التربوية ومنها التصميم الهندسي للمبنى والاختيار الامثل للاثاث والمستلزمات الدراسية لتحقيق الهدف التعليمي، وهناك علاقة وثيقة بين التحصيل والتجهيزات المدرسية، فقد أوضحت بعض الدراسات ان الأداء التحصيلي للطلاب الذين درسوا في حجرات مكيفة مركزياً،وتم التحكم فيها من حيث نسبة الرطوبة والتهوية والإنارة على مدى أربعة شهور أفضل من أداء الطلاب الذين درسوا في حجرة عادية، وتعلل الدراسة ذلك بأن تحسين عوامل التهوية والإضاءة من العوامل التي تقلل من الضغوط الواقعة على المعلم والطالب على حد سواء.
ورغم ان جملة الدراسات تؤكد على أهمية توفر الشروط الصحية ومنها التهوية والإضاءة الجيدة داخل حجرات الدراسة، إلا ان مصممي المباني المدرسية يواجهون عدة مشاكل بهذا الخصوص أهمها التوفيق بين توافر الشروط الصحية في المبنى المدرسي والاعداد المتزايدة من الطلاب، وترشيد الانفاق، إلى جانب انه في المبنى المدرسي لم تعد حجرة الدراسة أهم ما يراعى تنفيذه وتهيئته للعملية التعليمية، ولم تعد الخدمات المساندة كماليات يمكن الاستغناء عنها، إضافة إلى بروز عدد من الاتجاهات الأخرى الحديثة فيما يتعلق باستخدام وسائل الاتصال التربوية، ويجب ان يكون واضحاً منذ البداية، ان الجوانب المعرفية للمتعلم ليست بمعزل عن الجوانب السلوكية أو الوجدانية الأخرى, وطالما ان الجوانب المعرفية تتطلب تهيئة الظروف الملائمة لاستيعابها، فإن الجوانب المهارية لن تتحقق الا بامكانات طبيعية ملائمة وممارسات واقعية وفق تصميم منهجي متكامل تكون الوسائل والتجهيزات التعليمية احد عناصره, لذا تحرص المدرسة الحديثة على ايجاد سبل التعلم ومقوماته ومنها المعامل ومختبرات اللغة والحاسب الآلي ومركز مصادر التعلم والمكتبة، ومواقع الأنشطة غير الصفية.
ان التصميم الامثل للمبنى المدرسي هو الذي يتيح التعامل مع الواقع الافتراضي لطبيعة الموضوع المراد تعليمه للطالب، وحجرات الواقع الافتراضي اتجاه حديث تطالب به التربية الحديثة نظراً لتوافر الامكانات اليوم لتصميم حجرات تشمل وسائل ومقومات الواقع الافتراضي، وهذا اسلوب عالج مشكلة تعليمية عانى منها المعلمون وتتمثل بنقل الحقائق العلمية من صورتها المجردة إلى الصورة الواقعية وبذلك لن تكون مشكلة الفروق الفردية بين الطلاب عائقاً من عوائق استيعابهم للمفاهيم العلمية، فالخبرات التي يعجز المعلم والكتاب المدرسي عن ادخالها إلى داخل الحجرات الدراسية يمكن ادخالها عن طريق أشرطة الفيديو أو برامج الحاسب الآلي، أو التطبيقات العملية في المختبرات المدرسية، إلا ان جميع هذه التجهيزات لن تكون فاعلة مالم يكن هناك معلم متمكن من تصميم العملية التعليمية من حيث حجم المعارف والمهارات المراد ايصالها للطالب وادارة الوقت المتاح والتعامل السليم مع الامكانات المتوافرة وفق المفهوم التربوي لعمليتي التعليم والتعلم، وبذلك نحقق تعليماً فاعلاً، وقدراً ضئيلاً من الفاقد التربوي.
* وكيل معاهد العالمية للحاسب والتقنية
Shaer@anet.net.sa

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved