| العالم اليوم
حتى وإن لم يتحقق كل ما كنا نصبو إليه نحن أهل الخليج من مجلس التعاون إلا أن الذي تحقق يمثل إنجازا كبيراً في ظل التحديات الكبيرة التي واكبت فترة إنشاء المجلس وصاحبته طوال العقدين الماضيين، ومجرد صمود المجلس وتعامله الإيجابي مع المتغيرات التي شهدتها المنطقة، بل حتى محاولات إجهاضه حتى من بعض الأنظمة المجاورة يعد في حد ذاته نجاحاً يسجل لمجلس التعاون.
فليس سراً أن بعض الأنظمة المجاورة لم تكن على وفاق مع فكرة قيام المشروع الوحدوي الخليجي أصلاً، لكونه تهديداً صريحاً لسياساتها التوسعية والمصالحية في منطقة استراتيجية بالغة الأهمية في الاقتصاد العالمي, وحتى عندما تجسدت ملامح المشروع التعاوني الخليجي على أرض الواقع ظلت سياسات هذه الدول العدوانية تستهدف هذا الكيان الجديد من وقت لآخر، بتغذية وإثارة المشكلات فيما بين دول المجلس تارة، أو من خلال أدوات التدخل غير المباشر في بعض دول المنطقة بضرب تركيباتها الاجتماعية من الداخل تارة أخرى,, بل حتى شن الحروب العدوانية على دولها, وفي ظل النوايا السليمة التي تأسست عليها فكرة هذا المشروع الوحدوي، فإنه لم يكن من الوارد مطلقاً الأخذ بحسابات كبرى في التعاطي مع الشأن الطارئ أو العادي في المنطقة وبعقلية تآمرية تطلق الاتهامات في كل اتجاه,, فالمشروع التعاوني الخليجي كان بمثابة مشروع إيجابي موجه بالدرجة الأولى لشعوب المنطقة ودولها بعيداً عن حسابات التكتل والامتداد المتعارف عليه سياسياً وعسكريا في العالم، وبعيداً عن أية حسابات لتكريس القوى للدخول في مجابهات أو للإخلال بتوازنات المنطقة والدول الأخرى المجاورة,, ومع هذا ظلت دول المجلس عرضة للسياسات العدوانية للأنظمة الشمولية في المنطقة من وقت لآخر تحت مظلة مبررات واتهامات لا تسكن إلا جماجم أصحابها من حماة ايديولوجيا العُصاب ونزعة التمدد الجماهيري.
وفي كل اللقاءات للقادة الخليجيين خرج المشروع الخليجي أكثر اتزانا ونضجا في التعاطي مع متغيرات الواقع، وبعقلية مسؤولة تجاوزت بدول المجلس تلك الخلافات الرؤيوية البسيطة والواردة جداً في سياق المشاريع الوحدوية الكبرى بين أكثر من دولة,, واليوم تثبت دول المجلس للمنطقة وللعالم مرة أخرى أن فكرة قيام هذا المشروع الأخوي لم تكن طفرة في التفكير السياسي أو مجرد لعبة جماهيرية تتسلى بها قيادات المنطقة وانما هو كيان مسؤول بحجم هموم وتطلعات وآمال أبناء الخليج في كل الظروف والأحوال,, وما الإصرار على تطوير آليات العمل ورفدها بأساليب وعناصر أخرى وتنشيط التعاون الاقتصادي إلا مؤشر صريح على وحدة الرغبة وتوحّد الرؤية تجاه المصير المشترك لدول المنطقة,, ورسالة بليغة لأصحاب التوجهات التدميرية والعدوانية في المنطقة، بأن دول المجلس وجدت لتبقى، ولتبقى أنموذجاً عصرياً تذوب أمامه كل عقبات التقارب الأخوي، وتنزاح من حوله كل النماذج السياسية المريضة التي لا تستوعب منطق ولغة العصر.
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني Jaser @ Al-jazirah.com
|
|
|
|
|