| متابعة
* مكتب الجزيرة- عبدالمنعم الجابري
تواصل اللجنة العليا للانتخابات في الجمهورية اليمنية الاجراءات التحضيرية لانتخابات المجالس المحلية التي ستجرى في ال 20 من فبراير القادم متزامنة في آن واحد مع استفتاء شعبي حول تعديلات دستورية أقرها مجلس النواب اليمني في وقت سابق,
وفي هذه الأثناء تعيش الساحة اليمنية حالة من الانقسامات والخلاف المتصاعد بين القوى والأحزاب السياسية التي تتباين مواقفها ازاء عمليتي الانتخابات المحلية والتعديلات الدستورية من مؤيد إلى معارض، حتى في اطار الأحزاب نفسها، حيث الخلافات تعصف ببعضها نتيجة تبني قيادات هذا البعض من الأحزاب وجهات نظر مختلفة جعلت مواقفها المعلنة تفتقر إلى الاجماع اللازم,
ومن الملاحظ أن الخلافات سواء فيما بين الأطراف السياسية في اطارها العام أو داخل صفوف هذا الطرف أو ذاك في الاطار الفردي، تنصب بدرجة أساسية حول موضوع التعديلات الدستورية,, حيث يرى التيار الذي يتخذ موقفاً متشدداً منها وهو التيار الممثل بعدد من الأحزاب بمن فيها تلك المنقسمة قياداتها، بأنه لا يوجد هناك ما يستدعي إجراء مثل هذه التعديلات في المرحلة الراهنة، ومن ثم فهؤلاء الذين يمثلون هذا التيار يرفضون جملة وتفصيلاً التعديلات المشار إليها ويعارضون طرحها لعملية الاستفتاء الشعبي، ويطالبون المواطنين برفضها والتصويت بلا يوم 20 فبراير,, ومن ضمن ما يطرحه أصحاب هذا الموقف هو أن التعديلات في الدستور اليمني من شأنها ان تؤدي إلى تضييق الهامش الديمقراطي وتكريس هيمنة وسلطة الفرد اضافة إلى أنها وحسب طرحهم تخل بمبدأ التوازن ومبدأ تكافؤ الفرص وعملية التبادل السلمي للسلطة وغير ذلك من مبررات رفضهم لتعديلات الدستور,
ويضم التيار الرافض للتعديلات أحزاب مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني، لكن موقف هذا التيار كان ضعيفاً من حيث مستوى حضوره داخل الساحة، على اعتبار أنه لا يمتلك القاعدة الجماهيرية الكافية التي يمكن أن يستند إليها كقوة مؤثرة يمكنها القيام بدور يغير من مجرى الأحداث وبالتالي الحيلولة دون حصول مشروع التعديلات الدستورية على النسبة المطلوبة من أصوات المواطنين، وذلك على الرغم من كون هذه الأحزاب تعتبر المعارضة الرئيسية في اليمن، ويأتي وضعها هذا خلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة للتيار المؤيد للتعديلات بقيادة المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم ويتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح وهو صاحب أكبر قاعدة جماهيرية تفوق بكثير ما لدى بقية الأحزاب مجتمعة، حيث يمتلك ما نسبته 75 بالمائة تقريباً من عدد مقاعد مجلس النواب البالغ 101 عضو، ويضم التيار الذي يقوده المؤتمر الشعبي أحزاب المجلس الوطني للمعارضة، إلى جانب حزب التجمع اليمني للاصلاح الذي يعتبر الممثل الرئيسي للحركة الإسلامية في اليمن ويتزعمه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وهو يحتل المرتبة الثانية من حيث مستوى التمثيل في مجلس النواب من خلال امتلاكه أكثر من ستين مقعداً,
ومما تجدر الاشارة إليه هنا هو أن حزب الاصلاح كان له موقف معارض في البداية قبل أن يعود ويتراجع عن ذلك الموقف ويعلن تأييده لانتخابات السلطة المحلية والتعديلات الدستورية,, وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة من قبل الأحزاب التي يقودها الاشتراكي وتعرض لحملة انتقادات واسعة وهجوم شديد عبر صحف تلك الأحزاب,, غير أن هذا الموقف الذي جاء من الاصلاح مؤخراً وتحديداً منذ التصويت على مشروع التعديلات في مجلس النواب في نوفمبر الماضي، اعتبره المراقبون انه يمثل وجهة نظر الجناح المعتدل ممثلاً بالشيخ عبدالله الأحمر رئيس الهيئة العليا للحزب الذي تفيد المصادر انه يشهد حالياً خلافات بين قياداته، نتيجة لأن الجناح المتشدد الذي يمثله الشيخ عبدالمجيد الزنداني يتخذ موقفاً مختلفاً ولم يكن مع اعلان قرار التأييد,
وفي الجانب الآخر حيث أحزاب مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة التي اختارت وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني المشاركة وكما هو معلن من قبلها في انتخابات المجالس المحلية كأطراف منافسة ورفضت في المقابل عملية التعديلات الدستورية، وقررت حشد أنصارها وتعبئتهم على التصويت ضد هذه التعديلات,, نلاحظ كذلك ان ثمة أمورا كثيرة غير طبيعية وغير مفهومة على هذا الجانب من منظور أن اعتزام الأحزاب المذكورة المشاركة في الانتخابات المشار إليها هو أولاً يعد تناقضاً من جانبها، كونها كانت قد اتخذت موقفاً متشدداً في السابق من قانون السلطة المحلية الذي أقره مجلس النواب في العام الماضي، وهو القانون الذي على أساسه ستجرى انتخابات 20 فبراير المقبل,, لكن ما يحصل اليوم هو ان هذه الأحزاب تقرر دخول انتخابات كانت بالأمس قد رفضت القانون المنظم لها ولم تقر به,
ووفقاً لما تناقلته مصادر مختلفة فان الحزب الاشتراكي اليمني الذي يتزعم احزاب المعارضة المنضوية تحت مظلة مجلس التنسيق الأعلى يعيش حالة من عدم الوضوح فيما يمكن أن يؤول إليه أمره نتيجة لما هو حاصل من انقسام في صفوف قياداته حول الموقف من موضوع التعديلات الدستورية,
هذا من جهة,, ومن الجهة الثانية ولعله الأهم بالنسبة لهذا الحزب الذي ما زال يئن تحت وطأة الصدمة العنيفة التي تعرض لها في أعقاب الحرب التي شهدتها اليمن منتصف عام 1994م، والتي زلزلت اركانه وادخلته في حالة انهيار وشلل شبه كلي، بحيث لم يتمكن حتى الآن وبرغم مضي أكثر من ستة أعوام من تجاوز اثار تلك الصدمة بالشكل الذي يجب كي يستعيد وضعه الطبيعي الذي ينبغي على مستوى الساحة اليمنية,, فالحزب الاشتراكي اليمني والذي لا شك انه يسعى لتحقيق بعض المكاسب التي تمكنه من النهوض مجدداً، يحاول جاهداً وبشتى الوسائل اقتناص أية فرصة تلوح امامه من أجل بلوغ ذلك الهدف الذي يتطلع إليه,, ولعل انتخابات المجالس المحلية المرتقبة تعد واحدة من الفرص المهمة بالنسبة له والتي ينبغي بذل أقصى ما يمكن من جهد للاستفادة منها والعمل من خلالها على اثبات وجوده وحضوره داخل الساحة كقوة سياسية مؤثرة كانت في يوم من الأيام على قمة السلطة قبل توحيد شطري اليمن ثم كشريك في صنع الوحدة وشريك في الحكم لأكثر من أربعة أعوام بعد قيام الوحدة في 22 مايو 1990م,
وكما يرى المراقبون فانه لابد للحزب الاشتراكي اليمني العمل بكل ما يمكن من اجل خوض الانتخابات المحلية واستغلالها كفرصة ينبغي عدم التفريط فيها وفي أية فرص أخرى مماثلة قادمة، والاستفادة من التجارب والأخطاء السابقة,, على اعتبار ان غير ذلك أمر ليس في مصلحة هذا الحزب، كما حدث في عام 1997م عندما قرر مقاطعة انتخابات مجلس النواب,, حيث اعتبر الكثيرون ان قرار المقاطعة هذا لم يؤد إلا إلى مزيد من تهميش دور الحزب واضعافه وتغييبه من واجهة خارطة العمل السياسي داخل الساحة اليمنية,
وفي ظل هذه الأجواء والاستعدادات لانتخابات المجالس المحلية والاستفتاء الشعبي على تعديلات الدستور، تبرز أمام الحزب الاشتراكي في اليمن مشكلة غير عادية قد ربما لا تبعد عن خوض الانتخابات المحلية فقط وانما قد تؤدي إلى اقصائه من الخارطة السياسية كلياً,, ذلك أن الحزب مهدد حالياً بامكانية تقديمه إلى المحاكمة التي لا يستبعد لو تمت ان تؤدي في نهاية الأمر إلى حله، وأساس هذه المشكلة التي يتواجه الاشتراكي فيها مع لجنة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية، يعود إلى القرار الذي اتخذه الحزب في مؤتمره العام الرابع المنعقد في مطلع سبتمبر الماضي والذي قضى بادخال عشرة أشخاص من العناصر المقيمة خارج اليمن والتي صدرت ضدها احكام قضائية بتهمة التآمر واشعال الحرب ومحاولة الانفصال في عام 1994م وذلك الى عضوية اللجنة المركزية للحزب والتي تضم 301 عضو,
وتعتبر لجنة شؤون الأحزاب ان وجود تلك العناصر ضمن قائمة اعضاء اللجنة المركزية يمثل عملاً غير مشروع وتجاوزا للدستور وللأنظمة والقوانين اليمنية من قبل الحزب الاشتراكي,
وتطالب لجنة شؤون الاحزاب من الاشتراكي الذي وجهت له تنبيهاً مؤخراً بالتراجع عن ذلك القرار والغاء عضوية العناصر التي صدرت في حقها احكام قضائية,
وحسبما ذكرت مصادر مطلعة لالجزيرة فان اللجنة تنتظر حالياً رداً من جانب الحزب الاشتراكي اليمني قبل الاقدام على اجراءات اخرى ضده، مشيرة إلى أنه وفي حال اصر الحزب على موقفه ورفض الغاء عضوية تلك العناصر حتى بعد أن يتم توجيه انذار نهائي كخطوة تالية للتنبيه فسيكون اللجوء عندها إلى القضاء,
ومن جانبه يعتبر الحزب الاشتراكي اليمني ان رسالة التنبيه التي وجهتها إليه لجنة شؤون الاحزاب لا تستند إلى أساس قانوني وليس لها ما يبررها، وانما هي تعكس موقف الحزب الحاكم الذي وصفه بانه تعسفي تجاه الاشتراكي,, ويضيف بان الأمر عبارة عن مناورة سياسية تقوم بها لجنة شؤون الاحزاب نيابة عن الحكومة والمؤتمر الشعبي العام لقصد خلق أجواء من الخوف في الأوساط أعضاء الحزب الاشتراكي وانصاره وارباك مشاركتهم في الاستفتاء على تعديلات الدستور والانتخابات المحلية,, وطالب برفع ما اسماه الاجراءات الاستثنائية ضده، متهماً اللجنة المذكورة بتبعيتها للسلطة ممثلة بحزب المؤتمر الشعبي وتبني مواقفه وقراراته,
وفيما تعقد اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني اجتماعاً لها في الثالث من يناير المقبل حيث لا يستبعد ان يكون الخلاف مع لجنة الاحزاب من بين الموضوعات الرئيسية التي سيناقشها الاجتماع,, إلا أن ثمة من يرى بانه لن يكون هناك ما يمكن ان يؤدي إلى تراجع في موقف الحزب بالنسبة لموضوع العناصر التي طُلب منه الغاء عضويتها من لجنته المركزية لكونه من الصعب عليه اتخاذ مثل هذا القرار,
وبالتالي فان المرجح هو ان يتصاعد الموقف وتزداد حدة الخلاف بين الاشتراكي ولجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية,, وكثير من المتابعين يجزمون بأن للقضية أبعادا سياسية أكثر منها قانونية,
ومن شأن الرجوع الى القضاء فيما لو حدث ذلك ان يؤدي الى اصدار قرار من قبل المحكمة الدستورية للفصل في مشروعية وجود العناصر المقيمة خارج اليمن ضمن قائمة أعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني من عدمه,
لكن المعطيات تشير الى ان الحكم سيقضي ببطلان عضوية العناصر المذكورة، وسيكون على الاشتراكي الالتزام بذلك,
وتؤكد المصادر بأن اجراءات أخرى سوف تتخذ في حينه اذا ما تبين ان الحزب الاشتراكي لم يبد أي تجاوب أو التزام وأصر على موقفه الراهن,, وفي ذلك على ما يبدو اشارة الى ما سبق وان طُرح قبل أربعة أشهر تقريباً حول الامكانية الى رفع دعوة قضائية أخرى تقوم على أساس حل هذا الحزب كخطوة أخيرة,, وحيث لم يتضح بعد ما الذي سيكون عليه الأمر في نهاية المطاف، فان بعض الأوساط السياسية تعتقد انه ليس من السهل تنفيذ فكرة حل الاشتراكي اليمني لأن مثل هذا الأمر يرتبط بحسابات واعتبارات عدة من بينها وبدرجة أساسية ردود أفعال بعض الأطراف الدولية التي تحرص القيادة اليمنية على مراعاتها، خاصة من قبل تلك الأطراف التي تربط ما تقدمه من مساعدات تنموية لليمن بوجود الديمقراطية، ومن ثم قد يكون لحل الاشتراكي انعكاسات على هذا النحو عندما لا يحظى هذا القرار بقبول لدى الأطراف المشار اليها,
|
|
|
|
|