| رمضانيات
في العشر الأخيرة من رمضان تتحول المساحد بحمد الله الى ما يشبه خلية النحل وتمتلىء بالمصلين الذين يسألون الله الأجر والمثوبة في هذه الايام المباركة التي يتحرون فيها ليلة القدر قال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر).
والمساجد في العشر الأخيرة من رمضان تكون عامرة بذكر الله حيث صلاة القيام وأحاديث الذكر التي تستمر الى ساعات الصباح الأولى.
عادة اجتماعية هدفها الأجر والمثوبة وابتغاء مرضاة الله عرفها الناس قديماً وتوارثتها الأجيال الى وقتنا الحاضر وهي تطوع أبناء إمام المسجد او المؤذن او ابناء الحي المقتدرين على خدمة المصلين وخصوصا في صلاة التهجد (القيام) وتقديم الشاي والقهوة لهم وتقديم البخور وذلك اثناء الانتهاء من التسليمتين الأولى وقيام الإمام بقراءة الأحاديث والأوراد والأذكار المأثورة في مثل هذه الايام المباركة,, ماذا عن هذه العادة الاجتماعية؟ وما موقف المصلين منها؟! وكيف نشأت؟!
وما هي سلبيات هذه العادة التي أخرجتها من معناها الجميل؟!
كل ذلك تطالعونه في هذا التحقيق.
عادة قديمة!!
* العم ممدوح الشمري (إمام مسجد سابق 76 سنة) قال هذه العادة قديمة جداً واتذكر حينما كنت صغيراً كنت اراها, وعادة ما يقوم الإمام او المقتدرون من أبناء البادية بتوفير الشاي والقهوة والماء واحياناً اللبن والتمر, ويقوم الصبية والشباب بتقديمها للمصلين اثناء الاستراحة بعد تسليمتين من صلاة القيام والتي يقوم خلالها الإمام بقراءة بعض الخطب والنصائح من الكتب المعروفة.
وسابقاً كان بعض المتطوعين يضع التمر واللبن والماء في المسجد بعد صلاة المغرب حتى يقوم بالإفطار عليها المسافرون وعابرو السبيل يبتغي من ورائها الاجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى,, ثم استمرت ايضا في صلاة القيام لأن صلاة القيام تكون في آخر الليل والناس قديماً يا ولدي ما عندهم خير كثير مثل الآن والحمد لله فبعضهم مريض وبعضهم عاجز، وآخرون منهم مرضى وبعضهم على سفر، فيتطوع القادرون على تقديم شيء للناس يتسحرون عليه او يعينهم الى وقت السحور.
ويضيف العم ممدوح قائلا: الحمد لله يا ولدي على نعمة الإسلام، هذه العادات الحميدة مظهر من مظاهر الدين الحنيف الذي اوصى بالتكاتف والترابط بين أفراد الشعب الواحد والمجتمع الواحد ولا فرق في الإسلام بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.
* عن تاريخ هذه العادة ايضا اجابت ام صالح (من كبيرات السن 87 سنة) قائلة: وأنا طفلة صغيرة كنت ارى اهلي يرعون مثل هذه العادة وهذا دليل على أنها موجودة أكثر من هذا التاريخ، وسابقا كانت الأحياء صغيرة وغالباً تتعهد الأسر الموسرة بمثل هذه العادة ويفاخرون في ذلك ابتغاء الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى، ويتطوع ابناء الحي بتقديم القهوة والشاي والماء للمصلين ويربون الأولاد والبنات على ذلك تخفيفاً على المصلين وإراحة لهم.
وتضيف: وكنا نجمع المال لشراء البخور والطيب حتى نقدمه للمصليات في المسجد، وقليل من النساء يفعلن ذلك وذلك لقلة ذات اليد آنذاك, وكان هذا التصرف مظهرا من مظاهر الكرم والغنى وتقوى الله، ولكن بعد انتشار العلم الشرعي والحمد لله أخبرنا انه لا يجوز إظهار طيب المرأة للرجال ونظراً لأن المساجد كانت صغيرة في ذلك الوقت, وكانت روائح الطيب تفوح من النساء فقد امتنعت النساء عن التطيب خارج المنزل واقتصرت العادة على تقديم الشاي والقهوة والماء وأحياناً الحليب الساخن.
نقوم بها ونرعاها منذ زمن
* الشاب عطية المسطح (معلم) يقول: في المسجد القريب من منزلنا نحن تقريباً متعهدون تطوعياً لتقديم الشاي والقهوة والماء والبخور للمصلين كل عام, وهذه من الأشياء التي تربينا عليها وغرسها فينا الوالد واخوانه اطال الله في أعمارهم.
وفي نظرنا أنها من العادات الحميدة التي يجب ان نحافظ عليها وهي على فكرة ليست خاصة بعائلة معينة او بأناس معينين، وكل المساجد في أحياء رفحاء تقريباً تفعل نفس الشيء ابتغاء الصدقة والأجر من الله جل وعلا,, وبعض المساجد تقدم الحليب الساخن للمصلين، وفي ايام الصيف واتذكر ذلك قبل عدة سنوات ماضية كنا نقدم المشروبات الباردة والعصير للمصلين, واؤكد لكم لانني اذكر ذلك حتى تعم الفائدة إن شاء الله وليس فخراً بما نقدمه, لأن ما نقدمه انما نسعى من ورائه ابتغاء مرضات الله وخدمة ضيوف بيت الله، وغالبية من يؤدي الصلاة هم من اهل الحي الذين تعودوا على ذلك، ونرى ان هذه العادة تساهم والحمد لله في ارتياد المساجد لأن الليل طويل في فصل الشتاء وربما جاع الناس واحتاجوا لبعض الشاي والقهوة الساخنة التي تزيل النعاس عنهم, وتصرف الجوع ايضا وبالتالي تعين على طاعة الله، تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال وأتم علينا وعليكم صيام شهر رضمان وقيامه انه سميع مجيب.
* فهد الصالح (مدير مدرسة) يرى ان هذه العادة لها دور جيد في اراحة المصلين وتقديم خدمة تطوعية لهم، والحمد لله نحن تعودنا على ذلك منذ الصغر وكنا نشاهد هذه العادات منذ الصغر في كافة المساجد التي نصلي بها في كافة أحياء محافظة رفحاء.
والآن انا اتعهد بتقديم الشاي والقهوة والماء للمصلين يومياً في العشر الأخيرة من رمضان لان منزلي مجاور للمسجد وانا سعيد بذلك والحمد لله وأربي اولادي على ذلك كما تربينا نحن على ذلك.
وحث باستمرار هذه العادة الإسلامية مع الحذر من المبالغة فيها والا تكون هدفا بذاتخذها.
* عبدالعزيز العقيل إمام مسجد بحي المساعدية برفحاء يقول: نعم يقوم احد ابناء الجيران جزاهم الله خيراً بتقديم الشاي والقهوة والماء للمصلين أثناء صلاة القيام,, ويقوم عادة الأبناء الصغار بتقديم الخدمة بأنفسهم وهذا ولله الحمد مظهر إسلامي مشرف يدل على بحث اهل هذه البلاد عن الخير وابتغاء الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى.
ولاشك ان هذه العادة تساهم في التخفيف عن المصلين وإراحتهم وهي خاصة بصلاة القيام لطولها وتأخر وقتها واحتمال ما يتعرض له المصلون من جوع او عطش حتى يبلغوا السحور.
* محمد راشد (مرشد طلابي) يقول: هذه العادة تكاد تشتهر بها عائلات معينة من رفحاء ممن رباهم أهاليهم على فعل الخير، وتستمر هذه العادة طوال العشر الأخيرة من رمضان وكل مسجد في الحي يتكفل اهل الحي بذلك, وانا شخصياً اؤيد هذه العادة واعتبرها مظهرا من مظاهر التقاء ابناء الحي والتفافهم على بعضهم, كما أنها تساعد على إقامة الصلوات وعلى حث كثير من المسلمين على اداء الصلوات مع المسلمين في المساجد وخصوصاً ابناء الجاليات الأخرى عربية وغير عربية, وحتى الشيوخ والصبيان على حد سواء فجزى الله خيراً من يقوم على رعايتها.
قبل أن تتحول المساجد إلى مطاعم
* كاسب الشمري امام مسجد يقول لكل شيء اذا ما تم نقصان!!
هذه العادة من العادات الحميدة والرائعة التي تدل على الاهتمام بضيوف بيت الله من المصلين والركع السجود كما انها تدل على الكرم والبذل والعطاء في سبيل الله ولذلك اشتهرت عائلات في رفحاء ومساجد معينة تتسابق لخدمة المصلين, وقديماً كنت اماما في احد المساجد وكان جار المسجد المرحوم محمد الخلف الخزعلي ممن اشتهروا بتقديم القهوة والشاي والبخور، ويقدم كذلك لأهالي البادية من المسافرين وعابري السبيل اللبن والزبد والتمر وكان ذلك لهدف سابق.
اما الآن فأعتقد ان هذه العادة قد تحولت عن فكرتها الاساسية وهي مساعدة المحتاجين وتقديم السحور للمسافرين ابتغاء الأجر والمثوبة، الى مجرد عادة قد تتحول بمرور الايام الى مظهر من مظاهر التفاخر بين الناس، وانا شخصياً رأيت في بعض المساجد ممن يقدم أكلات رمضانية خفيفة بأطباق صغيرة كثيرة توضع امام المصلين وكل طبق فيه قطعة حلوى ومعجنات وتمر أو بلح وكوب لبن ناهيك عن القهوة والعصائر، وفي نظري ان هذا شيء لا بأس به ولكن المبالغة فيه غير محمودة حتى لا تتحول مساجدنا الى مطاعم!!.
* حميد شفق يرى ان هذه العادة قد تشغل المصلين عن الذكر وذلك لانشغالهم بالقهوة والشاي والبخور والماء والعصائر وهذا ربما صرفهم عن الذكر وسماع الأحاديث والوعظ والارشاد والخطب التي تنفع المسلمين في دينهم ودنياهم, وثمة أمر آخر وهو ان القائمين على هذه العادة ربما كلفوا انفسهم مالياً ومعنويا الشيء الكثير فجزاهم الله خيراً ولكن الدين يسر والتكلف فيه امر غير مستحب, ايضا كثير من اصدقائي الشباب الذين يقدمون القهوة والشاي للمصلين اصابهم التذمر والضجر, وفات عليهم سماع الاحاديث والخطب بسبب انشغالهم بخدمة الناس حيث انهم يدورون على المصلين واحداً تلو الآخر وهذا فيه تعب وتكلف لذلك انا لا أؤيدها بهذا الشكل المتكلف ولكن هؤلاء عموماً هدفهم نبيل ويبحثون عن الأجر فدعواتنا لهم بالأجر والجزاء الحسن إن شاء الله.
عيوب وسلبيات!!
طلال الضوي من الشباب الملتزم الذي يتطوع لخدمة المسلمين وضيوف بيوت الله، ويرى طلال ان هذه العادة لها ايجابيات مثلما لها سلبيات، وتحدثتم كثيراً عن فضلها وإيجابياتها ولكن من عيوبها انها ربما أشغلت المصلين عن الصلاة وعن سماع الذكر وخصوصا كبار السن والذين يكثرون من شراب الشاي والقهوة وبالتالي يضايقهم ذلك وربما اكثروا من الذهاب الى دورات المياه وهذا يتطلب اعادة الوضوء في هذه الأجواء الباردة وذلك قد يسبب لهم الضرر والمرض، ايضا بعض كبار السن ينظر الى هذا الأمر كأنه ضيافة فيتكلف تكلفاً غير مرغوب فيه، وختاماً ندعو الله لكل من يقدم خدماته للمسلمين في كل مكان وبأي شكل من الأشكال طالما ان يحتسب الأجر والمثوبة من الله جل وعلا وكل عام وانتم بخير.
|
|
|
|
|