| الاخيــرة
إن الأحداث يذكر بعضها ببعض,, وهذا معنى القول العربي (الشيء بالشيء يُذكَر) أو (يُذكِّر) وهو ما ذكرني بحديثي اليوم إليكم: إخوتي القراء.
وفي إحدى السنوات بعد ما احتلت إسرائيل مدينة (القدس) عام 1967م وكنت أعمل رئيسا لتحرير جريدة (الدعوة) قبل أن تتحول إلى مجلة.
صدر العدد الخاص بالعيد بهذا العنوان والذي جاء على (8) أعمدة من الصفحة الأولى (فرحة العيد تكدرها الأحزان)!.
وفي الصفحة الأولى من ذلك العدد مقال للشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله وزير المعارف ثم التعليم العالي آنذاك بعنوان (هذا العيد لا معنى له).
وفي جانب آخر من نفس الصفحة مقالي الافتتاحي لذلك العدد.
وفي ضحوة يوم العيد ذهبت للسلام على رجل كبير في سنه وفي مقامه الاجتماعي,, حيث تربطني به علاقة وثيقة رحمه الله فحين سلمت عليه قابلني بثورة عاصفة من الغضب على ما نشرته (الدعوة) خاصة بالعنوان الرئيسي (المانشيت) قائلا (لماذا تكتب أن العيد تكدره الأحزان بينما هو فرح وسرور للمسلمين)؟ ثم أردف غضبه بدعوة عليّ,, هزت مشاعري داخليا دون أن أبديها,, وهي قولته كآخر ما في كنانته من غضب وانفعال, قال (تريد أن تحزّن المسلمين، الله يحزن,,,,)؟
كانت دعوته عليّ (بالحزن) كالصاعقة,, لأن نفسي مهيأة أو متهيئة للحزن فعلاً,, حيث كان ابني (زياد) يرقد تلك الأيام هو ووالدته في مستشفى بالقاهرة بعد إجراء عملية في رجله، وهو طفل صغير حينذاك.
قلت لهذا الرجل الكبير الذي عايشته بضع سنوات وكنت محل تقديره وحبه الأكيد لي ولم أعهد منه سوى هاتين الخصلتين (الحب والتقدير) إن ما كتبناه أنا والشيخ حسن هو أقل ما نعبّر به عن مشاعرنا ومشاعر المسلمين عامة حيال احتلال اليهود للقدس,, فما الغرابة في ذلك؟.
ثم أردفت قائلا: هل قرأت بالفعل ما كتبنا,,؟ قال: لا,, ولكن أخبرني فلان بذلك,,! قلت أرجو أن تقرأ ما تحت العنوان,, وما تضمنته المقالتان قبل أن تحكم عليه بما ينقله الناقلون,, وانصرفت عنه وقلبي يئن حزنا على أن يجتمع لي في هذا العيد حزنان: غيبة زوجتي وابني عن مشاركتنا أفراح العيد,, ثم ما دعا به عليّ ذلك الرجل الكبير في مقامه وتقواه وعلمه,, ولا عيب فيه اللهم إلا أنه يغضب أحيانا حتى على من يحب ويقدر.
وكانت هذه المناسبة آخر مرة أزوره فيها حيث انقطعت عنه نهائيا (شرهة) عليه كما يقولون,, وكان هذا أنكد عيد مرّ عليّ في حياتي,,!.
ذكرني هذا الموضوع الذي مضى عليه ثلث قرن بما تعيشه فلسطين هذه الأيام بفعل (انتفاضة الأقصى) والتي نرجو أن تعود الأفراح بتحريرها من أيدي اليهود المجرمين بعد أن خيمت الأحزان باحتلالها عشرات السنين وما ذلك على الله بعزيز.
لقد اعتقد اليهود أنهم بالقتل والتدمير والتجويع للفلسطينيين يهزمون الروح المعنوية لهذا الشعب الشجاع المناضل,, لكن الرد عليهم من أبطال (الحجارة) واستمرارية الانتفاضة خيّب آمالهم ومساعيهم الشريرة، وها هم اليوم يحنون رؤوسهم ويغيرون كثيراً من قناعاتهم القديمة,, حتى ولو بالقليل مما كان في السابق من المحرمات، وما يسمونها الخطوط الحمراء,,!!.
إن قوة الإرادة إذا اصطحبت قوة الإيمان بالله والالتزام بعقيدة الإسلام وشريعته قولا وعملا تستطيع أن تهزم القوة المناهضة لها بدون شك، مع ضرورة الأخذ بقوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة,,) أما الاتكال على الحجر وحده فلن يحقق الأهداف الكبيرة,, لكنه مزعج محرج لإسرائيل ومؤذٍ لها.
فعنفوان الصحوة الإسلامية في فلسطين في الوقت الحاضر يحمل بشائر النصر على الأعداء، دون إبطاء إن شاء الله (أذِنَ للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربّنا الله), (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
|
|
|
|
|