أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 26th December,2000العدد:10316الطبعةالاولـيالثلاثاء 30 ,رمضان 1421

الثقافية

محطة الملح
حسن الشيخ
القطارات تعبر الزمن الرطب على سكك خشبية مكسورة، والظاعنون قد حملوا امتعتهم على اكتافهم الضامرة ووقفوا على ارصفة محطات ملحية بلون الشهب الساقطة ينتظرون القطارات القادمة من مدن الشمس البعيدة.
وقف صادق عبدالوهاب قرب الضوضاء المتكسرة تحت اقدام العابرين وفتح عينيه ببلادة محدقا في هوامش الامطار الغزيرة وهمهمة البالونات التي طيرها الخوف واعياها السهاد.
حدق بتركيز في وجوه القطارات بلامبالاة وتلفت للبحث عن عينين عرفهما في زمنه الماضي, اصطاخ دون رغبة منه للاصطياخ الى حديث عابر بين رجلين خلفه.
ارجوك ابتعد عني
,, لكني اريد ان احدثك في شيء ما.
لا يهمني شيء الآن,, اخشى ان يرانا احد ما هنا ويفتضح امرنا
لا تخف، ستسجل القضية ضد مجهول.
الا ان صادق عبدالوهاب,, احس انه بلا رغبة تذكر في الاستماع الى حديثهما,, فعاود البحث عن عينين يعرفهما عين عذباه ويحبهما ولكن بلا جدوى,,.
القطارات,, تقرقع,, بأصوات بها شيء من المرارة، المرارة التي عرفها مرسومة على جفنيه قبل ارتدادهما للمرة الاولى, فحدق في اللوان الاسود,, في اعماق الحفرة المظلمة، والمشرقة بالضياء الحالك, وابتلع رحيق الحزن الطاغي,, كسهم مزروع في الحلق.
عاودت اذنه التي قضمها ساحر جبار، يسكن مغارة جبلية منذ الف عام، على اصطياد جزء من حديث الرجلين خلفه.
تذكر انك شريكي في قتلها
نعم,, نعم أعرف ذلك, قتلناها سوياً
احتفظ بالسر,, واحتفظ بنقودك,.
,, ولكن ماذا عن صادق عبدالوهاب,, هل سيلقى نفس المصير؟
,, لا ادري,, سنتحدث عن ذلك لاحقاً.
الشمس فوق الرؤوس التي هدها الطاعون، والخواء، طاعون الظهيرة في هذا الوقت المغسول بالاوساخ، والمكفن بالسحب الصيفية الدكناء.
الحرارة,, تشعل المحطة المثبتة بأهداب النهار الذي لا ينتهي.
تذكر صادق,, الآن فقط انه سمع حوار الرجلين قبل قليل,, هل ذكرا اسمه؟
لم يكن متأكداً من انهما تحدثا عنه, رغب في الالتفات اليهما,, الا انه عدل عن ذلك,, فليس من طبعه الفضول, تأكد من انه ينتظر عينين بهما زرقة سماء صافية, وبهما نبعان صافيان,, انحدرا من جبل لم تطئه قدم بعد.
لم يتحرك من مكانه,, فهذا المكان بدا وكأنه ضمهما لاول مرة,,
يبدو انه غفا قليلاً فالمحطة الآن أهدأ في ليل الصفيح الساخن، والأرصفة,, وحدها بدأت تحركها ببطء,, إلا انها تتحرك استعدادا للهروب الاخير من براثن طاعون المدينة الموحش,, والعبرات غسلت نجوم الصيف فأمست أشد لمعاناً من أي ليلة مضت، على محطة الملح.
تحركت الارصفة,, وصادق عبدالوهاب واقف ينتظر عينين لن تأتيا بعد, وفي الرصيف الآخر,, كان بائع الصحف يصيح (اقرأوا,, المرأة العجوز,, التي قتلها اللصوص).
إلا ان صادق عبدالوهاب,, لم يسمع النداء.
أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved