| مقـالات
كم مرة في اليوم يجد الآباء أنفسهم مضطرين أن يلعبوا دور القاضي حيال الخلافات التي تقع بين أطفالهم بين الحين والآخر؟ فالنقار والشجار والمناقشات الحادة بين الأطفال لا تنتهي فهذا يضرب أخته وذاك يأخذ أغراض أخيه ويحتدم الصراع ليصبح اشتباكاً بالأيدي ،يصرخ أحدهم مستنجداً بأمه وتحاول الأم أن تجد حلا لهذا الشجار الدائم بين اطفالها وقد لا تجد الحل في معظم الاوقات فكم يعاني الآباء من هذه المشكلة ويرهقون عصبيا من جراء ذلك, وقد تصل ظنون البعض إلى الحد الذي يتخيلون فيه ان الاطفال يكرهون بعضهم بعضا.
وهذه الحالة ليست مؤقتة تنتهي خلال يوم أو يومين إنه حال الاطفال في المنزل طوال الوقت، وحال الاطفال في كل منزل، والمشكلة ليست سهلة لان استمرار المعارك بين الأخوة يحدث ضجيجا لا يمكن ان تتحمله اعصاب الانسان، ولكن المشكلة ليست مستحيلة الحل إنما من الممكن ان ينقلب العراك والخصام إلى حالة من الود والحب والصداقة والحنان، ففي أحد المنازل على سبيل المثال يوجد ثلاثة اطفال تتراوح اعمارهم بين الثلاث والثمان سنوات، سافر الوالدان لقضاء اجازة لمدة ثلاثة اسابيع وقد تركا عندهم مربية قديرة وأوصيا الجدة بزيارتهم كل يوم ولم تكن الأم تشعر بالراحة خلال هذه الاجازة لانها كانت تخشى على اطفالها من نتائج الشجار فيما بينهم، وكذلك شعور الأب، وبعد اتصالات هاتفية اجراها الوالدان مع المنزل تبين ان الاطفال لم يتشاجروا,, وكل شيء كان هادئا,, وكانوا معجبين بالمربية ويحترمونها ويتعاملون معها في أدب وذوق ورقة واحترام, وبهذا تكون المربية قد استطاعت بأسلوب ما ان تصل إلى تعليم الاطفال كيف يمكن ان يتعايش الاخوة تحت سقف واحد دون إزعاج اهلهم إو إزعاج انفسهم, إن الاسلوب الذي اتبعته المربية مع الاطفال ينبع من رغبتها الجادة في ان يكون المنزل هادئا, وفرضت ذلك عليهم بمنتهى الجدية والحسم,, بأسلوب لا يسمح لهم بمناقشة هذا الامر, لقد كانت نبرة صوتها الجادة وطريقة اصدارها للأوامر، التي اشعرت الاطفال بأنها قوية وقادرة على معاقبتهم إن لم ينته الشجار, لقد كان وراء نجاحها في وضع حد لخلافاتهم إن الاسلوب الذي اتبعته المربية مختلف تماما عن اساليب بعض الامهات في حل الشجار الواقع بين اطفالهم وخاصة الامهات اللواتي لا يثقن بأنفسهن اضافة إلى وجود بعض الامهات اللواتي يشعرن بالرضا عن هذه المعارك, وهو نوع من الرضا الشاذ اللاشعوري فتتفاخر الواحدة منهن في حديثها مع صديقاتها عن هذا الشجار الدائم فنراها مبتسمة عندما يقع الشجار بين اطفالها وهي مهملة له, وذلك لانها تتذكر في هذه اللحظة الضجيج والمعارك التي كانت تقوم بينها وبين اخوتها فتعد ذلك أمرا طبيعيا لابد منه.
إن الشجار بين الاطفال ليس شجاراً فطريا إنما يأتي نتيجة عوامل بيئية مختلفة فالحالة النفسية للاب او الام تنعكس بشكل أو بآخر على سلوك الاطفال فالحالة النفسية المضطربة تنعكس على طريقة تعاملهم مع اطفالهم، ولن يكونوا هادئين في التعامل معهم, وقد يستخدمون القوة مع احد الاطفال, والطفل الذي يتعرض للقسوة يتجه للانتقام من اخوته فتحتدم المعارك بينهم.
وتلعب الغيرة دوراً هاما وقويا في نشوب المعارك بين الاخوة؛ فالطفل يؤمن ايمانا عميقا ان حب ابيه وأمه له يجب ألا يتزعزع، ويجب الا يشاركه فيه احد، ويخاف ان يسرق أحد اخوته جزءا من حب الأب والأم, والخوف يولد الشك بين الأخوة ويولد الغيظ عندهم وهذه المشاعر تختلف من طفل إلى آخر اختلافا شاسعا فالطفل الذي عاش فترة طويلة كابن وحيد للاسرة يعتبر ان والديه ملك له وحده وهذا الطفل الذي لم يتعد عمره ثلاثة اعوام، قد يشعر بالغضب والغيظ عندما يولد طفل آخر يشاركه في حب أمه وأبيه وملكيتهما.
وكلما تقاربت اعمار الاطفال كلما كان الجو مهيأ للمعارك اكثر لان الطفل الاصغر يشارك الاكبر في الحب, وقد ينافس الطفل الاوسط على مركز اهتمام الاسرة به وهذا المركز هو هدف كل طفل بالعائلة والطفل الاكبر سيبحث عن منافسة حقيقية في حب والديه وهكذا تقوم المعارك.
ويرى البعض ان عدم مساواة الام في حبها لاثنين من ابنائها هو السبب الاساسي في المنافسة بينهما والحقيقة لا يوجد حب متساو في هذه الحياة مهما حاول الأهل إذ إن لكل طفل من اطفال الاسرة الواحدة صفات معينة تجعل والديه يحبانه، وهي صفات تختلف عن صفات اخيه, كما ان الاهل غير قادرين على ضبط حجم ابتسامتهم فقد تكون اكبر من غيرها بالنسبة لطفل من اطفالهم وقد تكون كلماتنا الغاضبة مع احدهم اشد غضبا مع الآخر, إن هذا سيجعل الحياة تبدو وكأنها تمثيلية سخيفة ولا يمكن ان ينخدع الاطفال بهذه المظاهر, وعندما يبدأ الطفل في الوصول إلى سن النضج يكره تماما ان يساويه احد بآخر، ويكره ان يقارن احد بينه وبين اخوته سواء كانت هذه المقارنة لصالح الطفل ام ضده إن الطفل يحب ان يكون محبوبا من والديه وعندما يتأكد من مكانته في قلب أمه وأبيه فإنه لا يهتم بما يأخذه بقية الاخوة من حب الوالدين لذلك على الابوين الا يقارنوا بين الاخوة فهذا أول علاج للغيرة والمعارك التي تسببها.
ومن الجدير بالذكر ان المساواة الحقيقة بين الاخوة مسألة شبه مستحيلة رغم محاولات الاهل تحقيق المساواة في شراء الالعاب والالبسة والرحلات وهذا وضع مرهق للاهل ولابد لنا ان نعطي كل ابن ما يستحقه دون ان نخلق الشعور العنيف بالمساواة لانه يحول الاخوة إلى ذئاب يتربص كل بما اصطاده الاخر ويريد صيدا مشابها وهذا الاسلوب سيزيد من الغيرة ويجعل الطفل يملك مزيدا من الحساسية تجاه اي تصرف او ميزة يحصل عليها اخوة ويصبح المنزل ساحة للمعارك, وتجعل كل طفل يشعر انه مظلوم بشكل أو بآخر.
ان التربية الواعية والمسؤولة تجعل المربي حاسما يؤكد لاطفاله انه لا يخاف من اي اتهام يمكن ان يوجهه احدهم كونه يفرق بين طفل وآخر وترفض ان يستغل احد الاطفال اية فرصة ليوجه هذا الاتهام، والاسلوب الصحيح الذي يجب ان يتبع مع كل طفل هو اشعاره انه شخص يتمتع بكيان مستقل، نشكره عندما يستحق الشكر، نؤدبه عندما يستحق ان يؤدب، نقدم له هدية عندما يستحق ان نشجعه على التفوق في المجال الذي يبدي فيه نجاحا ما.
على الآباء الابتعاد عن تقمص دور القاضي بين اطفالهم لحل خلافاتهم لان ذلك الدور يدعم غيرة الاخوة من بعضهم البعض وكل واحد فيهم سيحاول ان يثبت انه بريء ويستحق الحنان والشفقة وان اخاه هو الذي يستحق العقاب ولهذا فإن المعارك ستتكرر وسيحاول كل طفل ان يثبت انه بريء، ثم يحاول في الخفاء ان يثير معركة اخرى مع اخيه.
والطفل الذي يشعر بالغيرة من اخيه سيحاول ان ينظر إلى شقيقه بنوع من الشك وسيحاول اصطياد فرصة للعدوان عليه او يتوهم ان في سلوك اخيه اي عدوان عليه ويصبح الهدف من كل معركة ان يفوز الابن برضاء الاب والام وان يجعل اخاه يستحق العقاب ولو حدث بين الاطفال اي اشتباك في الايدي فمن الافضل تركهما يعالجان امورهما بأنفسهما إذا كان كلاهما متساويا مع الآخر في القوة الجسدية لان ذلك سيزيد من فهم كليهما لقوة الآخر اما إذا كان احدهما سيؤذي الآخر أذى عميقا عندئذ يجب التدخل لمنع العدوان.
والمعارك بين الاخوة تتفاوت، فهنالك معارك بسيطة وهنالك معارك عنيفة، وبالامكان غض الطرف عن المعارك البسيطة على الا يتحول المنزل إلى ساحة حرب يومية بين الاخوة حتى لا يسبب ذلك الضيق لافراد الاسرة، ويترك اثرا سلبيا على شخصية كل طفل وهنا على الاب أو الأم اصدار الأوامر بالكف الفوري عن المعارك دون تحيز لأحد ضد أحد مع رفض سماع شكوى من احد ضد الآخر هذا سيقلل من المشاكل والمعارك بين الاخوة بالتأكيد.
الأمر ليس صعبا إنه يحتاج لحزم وإصرار وقدرة على ادارة شؤون التربية دون الرضوخ للاطفال إن الامر يحتاج لمرب واسع الثقة بنفسه يشغل اطفاله بهوايات يحبونها لانه ان لم يشغلهم شغلوه بمشكلاتهم إن الاطفال بحاجة للخروج من المنزل ولو مرة في الاسبوع فالجلوس المتكرر في المنزل يؤدي إلى الملل وحدوث المعارك بين الاخوة.
وأخيراً التربية الواعية هي علم وفن ومثابرة وصبر.
|
|
|
|
|