*تحقيق:سعيد آل عيد
شهر رمضان شهر خصه الله بإنزال القرآن فيه وفيه ليلة خير من ألف شهر في هذا الشهر تتنوع العبادات التي يتقرب بها العبد الى الله راجياً ما عنده من الأجر والثواب بما يرسم الفرد الواحد بحق معنى الشخصية المسلمة في الأقوال والأفعال ويتفق الجميع ان رمضان مدرسة تتعلم النفوس فيها الطيب من كل فعل وقول بما يزيد الإيمان وفي هذا التحقيق نسلط الضوء عن بعض جوانب الدروس المستفادة من هذا الشهر الكريم.
رمضان ورسالة الأمر بالمعروف
يقول الشيخ حسين بن زيد وكيل رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسليل رمضان يعلم الإنسان المحافظة على القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث ينكر الصائم على أخيه المسلم الغيبة والنميمة والكذب والنظر المحرم بل حتى ينهاه عن إيذاء الآخرين وهذا فيه الخير كله للفرد والمجتمع حيث تزول بتعاون الجميع في ذلك المنكرات فيسود المجتمع الأمن والمحبة والألفة والسعادة.
رمضان وزيادة التقوى
ويشارك الشيخ جلوي عبيد العمور إمام وخطيب الجامع القديم بتمرة بقوله: شهر رمضان شهر عظيم فيه الدروس والعبر والمؤمن الصالح حينما يصوم لا يصوم عادة أو تقليدا لغيره من الناس بل يصوم إيماناً واحتساباً للأجر من الله عز وجل وحال المؤمن في هذا الشهر ما بين صيام وقيام وذكر لله عز وجل وقراءة القرآن وبالصيام تحصل التقوى للمؤمن وذلك بالعمل لطاعة الله عز وجل وترك معصيته وهي ايضا خوف من الجليل وعمل بالتنزيل وقناعة بالقليل واستعداد ليوم الرحيل والمتأمل في حال الصوام القوام يجد ان التقوى قد اشبعت القلوب نوراً وهذا هو سر إقبال المؤمن على طاعة الله وترك معصيته في هذا الشهر الفضيل.
الصبر وكظم الغيظ
ويرى الشيخ جلوي ان من الدروس المستفادة في رمضان الصبر والحلم وضبط النفس ويكون الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله والصبر على الأذى والعدوان لأنه قد يتعرض للأذى من بعض السفهاء بسب او شتم أو اعتداء وهنا يقول الصائم امتثالا لتوجيه نبيه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني صائم) وبذلك قوى الصائم عزائمه على ضبط نفسه وقد امتدح الله العافين عن الناس بقوله: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
الخوف من الله
وفي محور آخر يقول الشيخ جلوي: رمضان يقوي المراقبة وهي استشعار قلب الصائم لعظمة الله بقربه منه جلّ وعلا وعلمه ان الله معه يسمعه ويراه ويعلم ان الله لا تخفى عليه خافية وقد قال الشاعر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة
والنفس داعية الى الطغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها
ان الذي خلق الظلام يراني
فما الذي يمنع الصائم اذا خلا بطعامه وشرابه وزوجته او ينتهك الحرام ويأكل ويشرب ويفعل المنكر إلا انها رقابة الله وخوفه منه ولو أكل وشرب ما رآه أحد من الناس ولكن يعلم أن الله يراه وهو رقيبه.
وحدة المشاعر
ويقول الطالب مبارك عبدالله آل عيد بكلية المعلمين قسم الدراسات الإسلامية، رمضان في اجمل صورة تحكي وحدة الصف وحدة خلق البشرية وذلك عندما يمسك الصائم عن المفطرات من المباحات التي أحلها الله له وقت فطره مستجيباً بذلك لأمر الله وكذلك عندما يجتمع الكبير والصغير الرجل والمرأة والرئيس والمرؤوس والحاكم والمحكوم امام مائدة الإفطار فلا تمتد الأيدي الا مع رفع صوت الأذان وهذا اصدق تعبير لقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
الشفقة والرحمة
وفي سياق مشاركة الشيخ جلوي العمور يقول: لعل من ابرز الظواهر السائدة بين افراد المجتمع في رمضان هي السعي لسد حاجة المحتاج ومساعدة الفقراء والسائلين حيث ان الصائم إذا جاع وحس بالظمأ وأرهق جسده التعب تذكر حاجة الفقير والمسكين والمعوزين فساهم في مساعدتهم ومد يد العون لهم فكان ممن استجاب لدعوة الرب في قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة).
الوفاء والصدق
المعلمة: (غزيل الدوسري معلمة تربية إسلامية) بدأت حديثها بقولها: رمضان شعور يزرع في النفوس الأنس طيلة أيامه حيث تقبل النفوس على طاعة الله بشتى أنواع العبادات فهذا قائم وهذا ساجد وهذا يدعو الله ومن الصوم يتعلم المسلم معنى الوفاء بالعهد وذلك عندما يمسك الإنسان عن الطعام والشراب من النهار وحتى الليل فلا تمتد يده في غفلة عن الناس الى إشباع جوعه أو ظمئه وهذا صفة يمتدح الله بها عباده المؤمنين (أفمن يعلم أنما أُنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق).
حب الإيثار
ويسهم الاستاذ عبدالله الحمدان وكيل مدرسة بمشاركة في موضوعنا هذا بقوله: رمضان فيه تجنح النفوس إلى البذل بسخاء والسبق لاغتنام الأجر من الله في هذه الايام المباركة وخاصة في تفطير الصائمين سواء كان ذلك عن طريق المساهمة المالية او تقديم الطعام على موائد التفطير وهذا شيء طيب يعكس قوة التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) كما قال تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا) وهذا الإيثار ينتج عنه العطف الذي يقوي روابط المحبة بين الأفراد في المجتمع المسلم.
النفس والمجاهدة
ويذكر عبدالرحمن الدخيل درسا آخر يستفاد من الصيام بقوله: الإنسان مع بداية دخول الشهر وهو يجاهد نفسه على لزوم مسك فعل الخير والبعد عن كل ما يفسد الصيام فيقطع على النفس هواها بكثرة ذكر الله في الصلاة وأثناء تلاوة القرآن الكريم والإنفاق في سبيل الله تقرباً لله تعالى ويتواصل المسلم على ذلك الحال طيلة أيام شهر رمضان المبارك يطرد الكسل والخمول ويعصي الشيطان وهذا الحال في اسمى صفة تدفع الإنسان للفوز بالجنة.
التنافس الشريف
وتشارك بدور السهلي بقولها: رمضان ميدان فسيح لفعل الخيرات وثمن ذلك الجنة لمن عمل صالحا وكثيراً ما نرى التنافس الممدوح بين الناس وذلك في العمل الصالح فكم تتسابق الخطى لتقديم أفضل الوجبات لتفطير الصائمين وكم يتنافس الصائمون على ختم كتاب الله بكثرة تلاوته وكم يتسابق المصلون على التبكير الى المسجد وتقدم الصفوف الأولى وهذا كله فعل مبارك وقد قال الله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) وقوله تعالى: (سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) يقول ابن رجب رحمه الله لما سمع القوم هذه الآيات فهموا ان المراد من ذلك ان يجتهد كل واحد منهم وان يكون هو السابق لغيره الى هذه الكرامة والمسارع الى بلوغ هذه الدرجة العالية فكان احدهم إذا رأى من يعمل عملاً يعجز عنه خشي ان يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوت سبقه فكان تنافسهم في درجات الآخرة واستباقهم إليها ثم جاء من بعدهم قوم فعكسوا الأمر فصار تنافسهم في الدنيا الدنيئة وحظوظها الفانية.
أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعاً
ونحن قعودا ما الذي أنت صانع
أترضى بأن تبقى هناك بعدهم
صريع الأماني والغرام ينازع
على نفسه فليبك من كان باكياً
أيذهب وقت وهو باللهو ضائع
رمضان ومكارم الأخلاق
يقول الاستاذ مسفر فالح: رمضان يهذب النفوس ويجعلها تستقيم ومع تلك الاستقامة يتجه الإنسان الى فعل الصواب بما يرضي الله تعالى ورمضان تكثر فيه الإحسان والبذل وكذلك مساعدة المحتاج والسعي للمساهمة في تفريج كربة المكروب وكذلك الرغبة في تلبية كل صائم دعوة الإفطار وذلك برحابة صدر وكل هذه الصفات تعد من مكارم الأخلاق (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) تلك المكارم غراس محبة وألفة بين الناس.