أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 25th December,2000العدد:10315الطبعةالاولـيالأثنين 29 ,رمضان 1421

مقـالات

مكرمة العفو والرعاية اللاحقة
مندل بن عبدالله القباع
تعتبر مكرمة العفو عن المسجونين التي دأبت على تقديمها قيادة المملكة الرحيمة كل عام قبل حلول عيد الفطر المبارك، عملا على حمل سمات الانسانية لمن تم تأهيله واعداده ليكون مواطنا صالحا ليخرج من محبسه الى معترك الحياة في المجتمع معافى يستطيع المساهمة الموجبة في تحمل أعباء التنمية في مجتمعه بعد ان خرج من كبوته نتيجة انحرافه عن خط السواء المعاييري.
وهكذا تفعل دوماً وكل عام قيادة المملكة الملهمة لمجتمعنا الغالي، قيادة خادم الحرمين الشريفين أعزه الله.
والحقيقة في ذلك ان السجن تجربة مريرة حيث يحتجز فيه المتهمون وينأون في موضع قصي عن حركة المجتمع وعن التعامل مع مكوناته بعد ان ارتكبوا أفعالا تعتبر في حكم النظام اعتداءً على كيان هذا المجتمع، وكم استباحوا حرمته وخرجوا على تقاليده وثقافته واستحقوا ان يقدموا للعدالة لنيل الجزاء المقابل لفعلتهم ونتيجة خروجهم على النظام.
ولذا فان السجن يعتبر بمثابة معزل ايوائي للمذنبين يخضعون فيه للعقاب المناسب ثمنا لما اقترفوه من ذنوب ومعاصٍ ومسلك يعد جانحا او اجراميا.
وفي هذه الحالة لا يطلق العفو الا لمن حسن سيره وسلوكه فترة ايقافه، ولمن أبلى بلاءً حسنا داخل المؤسسة العقابية السجن ولمن تم فعلا تقويمه واصلاح حاله, وفي هذا الصدد نقول ان السجون في المملكة العربية السعودية ما هي إلا مؤسسات اصلاحية، تربوية، تهذيبية قوامها الرعاية بمفهومها الشامل فهي رعاية مهنية ودينية، وثقافية، وتعليمية، وصحية واجتماعية ونفسية، وهذا هو المفهوم الحديث للسجون حيث تحولت من نسق محض استهلاكي الى نسق انتاجي يتميز بعدة سمات فنتطرق في مقالنا هذا لما يعد أهم فيها وهو: مقابلة العقاب بالذنب، فلا مغالاة في وقوع العقاب ولا خلل في تناوله، ولذا يحرص القائمون على شؤون السجن على الا يجعلوا من العقوبة أداة عنف وانتقام والحط من انسانية المسجون، بل هي تأديب وتهذيب واصلاح لمن أوقفوا لخروجهم أو لمخالفتهم النسق القيمي المعاييري القائم في المجتمع ونظامه العام, ومن هذه السمات أيضا التعامل مع الجانب الخيِّر في هذا الانسان السجين من منطلق ان الانسان ليس خيرا كله، وليس شرا كله، وثمة بعض من العوامل تدفع به الى طريق اللا سواء السلوكي، فمتى أمكن تشخيصها والتعرف عليها والتعامل معها، أمكن معالجته والأخذ بيده الى بر الأمان وطريق الصواب, ولذا فان القائمين على قطاع السجون في ربوع المملكة يؤمنون وهم بصدد سبل تقديم المعاملة ان السجين في حد ذاته انسان يتوجب احترام انسانيته وعدم المساس بها أو اهانته أو الحط من شأنه، وانما اللجوء الى العمل المنهجي العلمي الدؤوب لاعادة توافقه الاجتماعي والنفسي واتاحة مزيد من الفرص أمامه كي يعود الى رحابة المجتمع ثانية انسانا مطمئنا واثقا في نفسه وفيمن حوله، وذلك متى فتح أمامه طريق التوبة والندم والاصلاح والتخلي عن السلوك اللا أخلاقي غير المحمود, وآنذاك ترفع المملكة شعارا مؤداه ان العودة لخط السواء تكمن في تناول العمل مع المسجون بسواء وتقديم الرعاية وأوجه المعالجة له في سواء وهنا يكون العفو عن المسجونين طريقا للسواء، وبداية لخوض المذنب حياة السواء المعاييري.
ولكي تصل السجون للحظة الافراج او العفو فهي تعنى بالبرامج الاصلاحية وما تتضمنه من محاور دينية أخلاقية ثقافية رعائية, وفي الجانب الرعائي فهي تعنى بالرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والمهنية بل والرياضية.
ولعلنا نجد تعاظما لهذا الدور بعد انشاء ادارة الرعاية اللاحقة داخل الادارة العامة للسجون، ويقوم عليها قائد مشهود له بالقدرة الابداعية والوعي الخلاق وهو صاحب السمو الملكي الامير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية وسوف يكون من مهامها الأساسية الاهتمام بتتبع حالات الافراج من السجون, ولا نقول ان هذه الادارة الوليدة بديل طبيعي عن الادارة العامة للرعاية اللاحقة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تلك التي يتوجه اهتمامها الأكبر لرعاية الأحداث المفرج عنهم من دور الملاحظة والتوجيه، وهي ادارة تواجهها صعوبات جمة تعوق أداء دورها مثل قصور انشاء الوحدات الميدانية التي سبق ان خطط لها منذ أكثر من عشر سنوات ولم تر النور حتى الآن, ومن هنا ففرحتنا كبيرة وعميمة بإقامة هذه الادارة الجديدة بوزارة الداخلية متمنين لها النجاح في أداء الدور المنوط بها والذي يتمثل في رعاية خريجي السجون وأسرهم واعادة تكيفهم مع الواقع الاجتماعي الجديد وبمسلكات توافقية, وازاء ذلك نقترح ان يكون ثمة شرط وجوبي للمفرج عنه وهو حصوله على عمل او مهنة يستطيع من خلالها ان يكسب عيشا شريفا يحول بينه وبين الوقوع في هوة الجريمة والانحراف مرة اخرى.
والقيادة المدركة الواعية هي التي تكون قادرة على ادارة السجون ادارة حكيمة تحقق الغرض الاصلاحي من خلال تطبيقها للبرامج الرعائية، والتي يمكن ان تواجه مسيرة العمل والمشكلات التي تعترض نزلاء هذه السجون، وما يواجهها من صعاب، وما يقابل أسر هؤلاء النزلاء من معضلات وما يواجه أبناؤهم من خلل يصيب كيانهم الاقتصادي والاجتماعي, وهكذا فإن الادارة الفعالة الناجحة تستطيع مواجهة هذه الصعاب بمنهجية علمية وأسلوب رصين ونخال صاحب السمو الملكي الامير محمد بن نايف صاحب سبق في هذا المجال لما عرف عنه من وضعه للمصلحة العامة فوق أي اعتبار آخر لأن الامر في البداية والنهاية يتعلق بإنسان هذا الوطن والدفع به لإمكانات التوافق السوي والحرص على سلامة المجتمع ومصير الوطن.
ولعله حان الوقت لنقترح تشكيل مجلس أعلى للرعاية اللاحقة يضم كافة الجهات المعنية بهذا الشأن, ونحو هذا المجلس لنا حديث آخر بإذن الله.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved