| وَرّاق الجزيرة
سرني كثيراً رؤيتي طبعة كتابالنهاية في غريب الحديث والأثر للمبارك بن محمد ابن الأثير ت 606ه نشر دار ابن الجوزي بالمملكة عام 1421ه، بإشراف وتقديم الأستاذ علي بن حسن بن علي بن عبدالحميد الحلبي الأثري، مع مركزن لخدمات النشر في مجلد واحد كبير فيه 1028 صفحة، على ورق أصفر جميل، وكتبت المواد اللغوية والأبواب وأرقام الصفحات بالحمرة، ومما اختصر حجم هذا الكتاب الكبير: تقسيم كل صفحة إلى عمودين.
وهذه الظاهرة الجديدة أعني إخراج الكتب الكبيرة في مجلد أو مجلدات قليلة ظاهرة جيدة بشرط: 1 ضبط متن الكتاب حسب أصله الخطي 2 تصحيحه 3 اختيار حجم مناسب لحرف الطباعة، لا يتعب القارئ 4 جودة الورق.
وقد سهلت هذه الطريقة على طلاب العلم اصطحاب كتبهم سفراً وحضراً، كما يسرت لهم مراجعتها، ووفرت مساحة كبيرة في رفوف مكتباتهم.
وهذه وإن كانت بادرة حديثة، إلا أنها كانت الطريقة المتبعة في الطباعة أول دخولها البلاد العربية والإسلامية، ولبثت مدة طويلة على ذلك، وبعد انتشار الطباعة وكثرة دور النشر، وحصول طفرة مالية في بعض الدول العربية، توجهت تلك الدور إلى نفخ الكتب بحواشٍ وتعليقات لاطائل تحت أكثرها، بما يسمونه تحقيقاً، فزادت أحجامها بأضعاف أحجام أصلها، وزادت لذلك قيمتها، ولما تقلصت هذه الطفرة ولأسباب أخرى تقلصت أحجام الكتب تارة أخرى.
وبقدر سروري بتلك الطبعة المذكورة من النهاية بقدر استيائي منها، حين وجدت أن طبعتهم هذه مسروقة من طبعة الأستاذين الكبيرين الطاهر بن أحمد الزاوي والدكتور محمود بن محمد الطناحي رحمهما الله، وأنهم لم يعملوا شيئاً في طبعتهم هذه، سوى إفراغ عمل الأستاذين السابقين وكان في خمسة مجلدات في مجلد واحد على ورق أصفر بلونين، مع حذفهم جملة من تعليقات الأستاذين، دون إذن مسبق، ولا شكر مسطر.
وكتاب النهاية لابن الأثير، طبع أربع طبعات قبل هذه الطبعة: الأولى بطهران عام 1269ه طبعة حجرية في مجلد واحد، والثانية بالمطبعة العثمانية بالقاهرة سنة 1311ه في أربعة أجزاء، بتصحيح عبدالعزيز الأنصاري الطهطاوي رحمه الله، والثالثة بالمطبعة الخيرية بالقاهرة أيضاً سنة 1318ه في أربعة أجزاء كذلك.
وكل هذه الطبعات الثلاث، لم تسلم من النقص والتحريف والتصحيف، والضبط الخاطئ لما طبع منها مضبوطا, حتى جاءت الطبعة الرابعة بتحقيق الأستاذين الزاوي والطناحي رحمهما الله، ونشرها عيسى البابي الحلبي بالقاهرة عام 1963م 1966م في خمسة مجلدات ، وهي أصح طبعات هذا الكتاب، حيث قام الأستاذان بجعل الطبعة العثمانية أصلاً، ثم صححا أخطاءها وصوبا ضبطها، وقاما بعد ذلك بمقابلتها على نسخة جيدة لكتاب النهاية محفوظة بدار الكتب المصرية برقم516 حديث في مجلد كبير، ورمزا لهذه النسخة بحرف أ ، ثم عمدا إلى نسخة نفيسة من كتاب الغريبين للهروي في ثلاثة مجلدات محفوظ بدار الكتب المصرية برقم 55 لغة تيمور إذ إنه أحد مصادر المؤلف، وقابلا نقل المؤلف ابن الأثير منه على هذه النسخة توثيقاً للنقل، وتصحيحاً لما قد يحصل في الأصل من تحريف أو تصحيح، وبالفعل وقف الأستاذان كما ذكرا على فروق في غاية الأهمية.
وكان ابن الأثير رحمه الله يرمز لنقله من كتاب الغريبين للهروي بحرف ه إلا أن ذلك قد تخلّف في مواضع كثيرة، حسب النسخة الموجودة عند الأستاذين، فقام الأستاذان باستدراك ذلك، ووضعا الرمز ه لما نقله ابن الاثير ولم يرمز له، إلا أنهما جعلاه بين معكوفين تمييزاً لما أضافاه.
وراجعا في ضبط كتاب النهاية وتصحيحه كتباً كثيرة، كالفائق في غريب الحديث للزمخشري، ولسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للمرتضى الزبيدي، وأثبتا فروقها ورواياتها في مواضع كثيرة، وسجلا تعقيبات السيوطي على النهاية وزياداته من كتابه الدر النثير كما راجعاجامع الأصول لابن الأثير، وكتب الحديث نفسها في تصحيح بعض الألفاظ أو إزالة إشكالها.
واحتكما في ضبط مواده اللغوية إلى المعاجم في كل صغيرة وكبيرة كما ذكرا.
وبعد هذا الجهد الكبير، يأتي الأستاذ الحلبي ومجموعته مركز ن ويسرقون جهد الأستاذين، ويزيدون على ذلك أن كتبوا على غلاف طبعتهم هذه من الداخل: حقوق الطبع محفوظة 1421ه لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب، أو أي جزء منه، بأي شكل من الأشكال، أو حفظه أو نسخه، في أي نظام ميكانيكي أو إلكتروني يمكّن من استرجاع الكتاب، او ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبق من الناشر اه بنصه.
حفاظاً على سرقتهم أن تسرق، ونهبتهم أن تنهب، وكما يحافظون على حقوقهم ويحامون دونها وإن كانت مسروقة، أليس للناس حق في حفظ حقوقهم وحمايتها، أم أن القوي يأكل الضعيف، والحي يأكل الميت.
والمشرف المذكور علي الحلبي خشي من كشف جنايته هذه، فعدل عن لفظ التحقيق إلى لفظ الإشراف والتقديم ولو أُخذ شيء من كتبه التي أخرجها بتحقيقه وتعليقه، وعُمل بها كما عمل هو بهذا الكتاب، لهب منتصراً، ولن يمنعه التلاعب بالألفاظ من الانتصاف لحقه، ولا تبديل لفظ التحقيق بالإشراف والتقديم.
وهكذا يسير ركب المتاجرة بالعلم، من غير خشية من الله عز وجل، ولاحياء من الناس، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى:
إذا لم تستحِ فاصنع ماشئت.
الرياض 11449 ص, ب 37726
|
|
|
|
|