| عزيزتـي الجزيرة
ذلك التعبير اللفظي القاسي كقسوة الحياة، وكقسوة المعنى لهذا اللفظ، فعندما يكون الإنسان وحيداً، منفرداً بنفسه منعزلاً عن غيره، تتلاشى أمامه جميع المعاني الجميلة الموجودة في هذا الوجود، ويخيم عليه الوجوم والحزن، ويصبح لا لون، ولا طعم، ولا معنى للحياة، بجميع ما فيها بشرا كانوا، أو أشياء أو أعمالا، تصغر في نظره عظائم الامور، فيكون كمن لا وجود له على خارطة الحياة، سوى إنسان أعياه الزمن، ومل البقاء، وأدركه الشقاء والعناء، يعيش داخل دهاليز ذكرياته المتبقية له، ويقلبها بين ناظريه بعيداً عن كل الموجودات المحيطة به، يجد فيها ماضيه الغابر، وحاضره المعاش بحلوه ومره، ومستقبله المجهول.
فوحدة الإنسان وعزلته توحي لنا وتحمل بين طياتها معاني كثيرة ومتفرعة فكثير من الناس يعرّف هذا المفهوم ويفهمه بأنه عيش الإنسان بمفرده، أو غربته عن أهله وأحبابه، ومجتمعه ووطنه في سفر ما أو رحلة طويلة.
ولكن الأمر لا يقتصر على هذا الحد فقط بل يتجاوزه إلى أبعد من ذلك وأمر فقد يكون الإنسان يعيش داخل مجتمعه الكبير أو مجتمعه المصغر وهي الأسرة ولكنه يشعر بالوحدة، والغربة وهو بين أهله، وأحبابه، والمحيطين به ومن يرقبه عن بعد وقُرب، حيث يكون مغترباً ذاتياً، ونفسياً وفكرياً، واجتماعياً، وهذه الوحدة والغربة وربَّي لهي أعظم، وأصعب على الانسان مما سواها، ولها الاثر الكبير والسيئ في نفسه وتؤثر سلبا عليه في جميع مواقفه الحياتية، وما هذا إلا نتيجة لفقدانه الأمان النفسي، والعاطفي، والاجتماعي، وإهمال المحيطين له، وعدم فهمه من قبل الغير، وعدم مشاركته وجدانيا في احلامه الوليدة والهرمة، وطموحاته، وتركه وشأنه يتخبط في أموره، فيكون له عالمه الخاص الذي يبنيه من نسج الخيال، والمنعزل به تماما عن الواقع المعاش، فينزوي على نفسه انزواء ويقطع صلته الاجتماعية والوجدانية بمن حوله من البشر مما قد يجعله عرضة لافتراس تلك الامراض النفسية الخطيرة التي تستهلك صحته، وعافيته، وقوته وتؤدي به إلى سراديب المصحات النفسية، وما فيها من معاناة وآلام وشجون، لا يتسع المجال هنا لذكرها والخوض فيها.
نورة ناصر الدعجاني الرياض
|
|
|
|
|