|
مقـالات
إليك قارئي العزيز تهنئة من القلب خاصة في شهر رمضان المعظم، شهر البركة والرحمة والغفران، شهر الصوم، شهر التقوى فهي المرتجى، وهي الغاية والمأمول والهدف من عبادة الصوم حيث يقول الله تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (البقرة 183).
يفهم من هذا أن الغاية القصوى من الصوم هي بلوغ التقوى بما تتضمنه من خير عميم في كل من معراج الدنيا وما هو أبقى في الآخرة, ولما كان الله تعالى قد قرر أنه مع الذين اتقوا إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (النحل 128).
ونصل من هذا إلى أن الإنسان بالصوم هو مع الله بالكلية, وما دام الإنسان يتقي الله في السر والعلن فأبدا لن يشعر بالحاجة في إلحاحها ولا بالعوز في ضغطه، ولا بتوتر أو ضيق ذات اليد حتى ولو كان ذلك لفترة وجيزة، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يعد المتقين ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب (الطلاق 2).
الحديث يطول حول التقوى ولكن لن نخوض فيه بل نتركه للمختصين فهم أولى بإدلاء دلوهم في مضماره، ونحاول في مقالنا هذا التعرف على البعد الاجتماعي النفسي التربوي الأخلاقي للصوم.
وفي البدء نقول إن الإنسان أي إنسان محكوم بما قد تطبع عليه خاصة فيما يتعلق بالبقاء مثل المأكل والمشرب, فالإنسان الجائع يخوض عملية آلية من أجل تخفيف التوتر الناتج عن الإحساس بالجوع وعدم الإشباع، فيظل متوتراً، باحثاً عن الطعام إلى أن يأتي موعده ويحصل عليه، وحين الوصول إليه يشعر بالتهيئة النفسية إلى أن يبتلعه، فيختزل التوتر وهذا سلوك أدائي أما في حالة الصوم يتخلص الإنسان ويبرأ من ذلك السلوك الاستجابي إذا ما برز المثير الشرطي في حالة رؤيته للطعام حيث يتحكم في نفسه ضابطاً ذلك الميل الملحّ للطعام, ومن خلال هذا التحكم وذلك الضبط تنمو لدى الإنسان قوى الإرادة في ارتكازها على مبدأ قيمي معياري ألا وهو الصبر, إذاً فالصوم سلوك مردوده الصبر في عزيمة.
نخلص من هذا أن الصوم يربي الإنسان على إمكانات التحكم في النفس، وضبط السلوك الغرزي الشهوي، والتحول لسلوك نمائي وهو الصبر كما قلنا.
إنها ركائز تؤدي إلى تقوية الروح، وصفاء الوجدان، وتهذيب النفس الإنسانية والسمو بها لتحلق في عالم الروح في منأى تماما عن الشهوية المادية.
هكذا يكمن في الصوم محاور الصحة النفسية والجسدية، فبسمو الروح تصح الأبدان، وبكل من الروح والبدن يحدث التوازن والتكامل في حياة الإنسان على ان يكون مقصد هذا التوازن الحادث هو التحقق بالعبودية الكاملة لله الواحد الأحد.
فإذا كان الصوم أحد محددات السلوك الإنساني، فإن سعي الإنسان هو محاولة الوصول لغاياته، والذي يتمثل في رضاء الله تعالى، والسبيل إلى ذلك تخلق المسلم بالأخلاق الحميدة التي استمدها من تعاليم الإسلام قرآنا وسنة، ومن هذه الأخلاق توافقه وتقبله للناس لا فرق بين فئاتهم ومستوياتهم وكذلك وصل من قطعه خاصة صلة الرحم، وايضا العفو عمن ظلمه، وأن يحسن لمن يسيء إليه.
وما من شك أن إنسانا هذا خلقه، وهذه هي محددات سلوكه فهو في تفاعل متوافق مع هدى الله سبحانه وتعالى، وكذلك مع هدى وتعاليم رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه, والمعيار في ذلك هو الكتاب والسنة، والنسق القيمي المعياري القائم في المجتمع الإنساني والمتمثل في أعرافه الاجتماعية التي تنسجم تماما مع القواعد الأخلاقية التي وردت في نصوص الشرع وتعاليم الوحي الإلهي، فما كان سويا في شرع الله فهو حسن وسوي في الاتجاهات والمفاهيم والرأي لدى الإنسان المسلم، والعكس صحيح، وليس في ذلك ثمة جدال.
ويستقي المسلم من الصيام عبر الزمان والمكان معززات سلوكية وأول هذه المعززات هو اطمئنان القلب والشعور بالراحة النفسية، والسكينة الوجدانية، والسمو الفكري، وثانيها: هو الصدق مع الله ومردوده الصدق مع النفس ومع الآخرين إلى أن يصير محركا ودافعاً لبلوغ الغاية والهدف كما أسلفنا القول هو رضاء الله, ثالثها: سلوك المروءة مع الناس، والحفاظ على مودتهم، والتعامل برفق مع الكبير والصغير فليس ثمة فارق ولا فضل إلا في تقوى الله, ورابعها: السماحة واليسر قولاً وفعلاً، وخامسها: القدوة الحسنة والمثل الرفيع في أمور حياة المسلم كلها، وفي ممارساته العملية مما يحول بينه وبين اللجوء لمسايرة الرغبة الدنية أو الشهوة البغيضة من منطلق أن الله يحب معالي الأمور ويبغض سفاسفها، وذلك لتحقيق أفضل العلاقات وأنفعها بين أفراد الجماعة الإنسانية، وسادسها: الكرم والجود والإحسان والعطاء عن رضا في غير بخل أو تقتير.
هكذا يعزز الصيام مكونات النسق القيمي المعياري للمسلم فيضع له المبادئ والمحددات والمعززات التي تنفعه في دنياه وفي أخراه, وكل عام ودمتم أعزائي القراء بخير.
|
|
|
|
|