| مقـالات
إذا كانت ديون الأفراد هي هم بالليل ومهانة بالنهار كما يقول العرب، فإن ديون الدولة أي دولة بما فيها دولتنا هي هم مشترك بين الدولة والمجتمع لا بد لمواجهته من تضافر الجهود وذلك محافظة على أمانة مستقبل الأجيال وصوناً للسيادة الوطنية, وقد اظهرت النتائج الإيجابية لميزانية العام الماضي والتوقعات المتفائلة لميزانية العام المقبل أن هناك وعيا مشتركا بين الدولة والمجتمع لتلافي مستقبلاً مغبة الديون ولتسديد القائم منها، وإن كان ذلك بشد الأحزمة على بعض الخدمات الأساسية ومراوحة رواتب موظفي الدولة مكانها منذ أعوام عديدة وارتفاع تكلفة البعض الآخر من الخدمات بما فيها سعر لتر البنزين.
ولكل هذا التوجس بين الرجاء والقلق بعد أن لازم العجز الميزانية العامة لمدة سبعة عشر عاما وبمديونية تراكمية تقدر بحوالي (600 ) مليار، فلا بد وأن كل مواطن منا قد تنفس الصعداء عندما قرأ الأرقام المتقاربة بين إيرادات الدخل القومي المتوقعة للعام القادم 1421/ 1422ه وبين مخطط مخرجات الانفاق العام, إذ ان هذا التوازن بين الإيرادات والإنفاق يعني أن الدولة لن تحتاج لإصدار سندات خزانة لتمويل العام المالي المقبل، بل إن هناك توقعات أن ينتهي العام المقبل ببعض الفائض عن المتوقع كما حدث لميزانية العام الماضي إذ جاءت الزيادة بمقدار 100,5 مليار عن الإيرادات الفعلية المتحققة للعام المالي 1999 وبفائض انتهت إليه سنة 2000م بما قدر بنحو 45 مليار ريال.
غير أن السؤال الذي لا ينسى في غمرة الاحتفاء الإعلامي بتحقيق ميزانية الدولة لهذا العام تعني أننا ودعنا عقدا من الأعوام العجاف الذي نجم جله عن المصاريف الباهظة التي تكبدها الوطن في أزمة وحرب الخليج 1990 / 1991م كما نجم عن التردي في أسعار النفط من ناحية وعن العجز في إدارة الأزمة المالية التي ترتبت على العاملين السابقين من الناحية الأخرى خاصة في ظل النمط الانفاقي والاستهلاكي اللذين تعود عليهما الدولة والمجتمع معاً حتى صارا محورين رئيسيين من محددات العلاقة بينهما بعد ارتفاع أسعار النفط في أعقاب حرب أكتوبر 1973م.
وفيما قد يسارع البعض ليعطي ردودا جاهزة وجازمة بأننا حقا قد تجاوزنا الأزمة وربما لا يتورع عن مبالغات يمجها الحاكم والمحكوم ليس فقط لعدم خلوها من الأغراض ولكن أيضاً لأن ليس هناك ما يؤيدها بالمنظور الإحصائي، فإن الدولة نفسها لم توار الحقيقة عن الجمهور إذ جاء في بيان الميزانية بشكل واضح أن الفائض في ميزان المدفوعات للعام 2000 والذي قدر بمبلغ 45 مليار ريال هو ناتج عن ارتفاع أسعار البترول للعام الماضي, وإذا علمنا أن ارتفاع أسعار من السلعبية الريعية / النفط فبراير العام الماضي إنما كان ارتفاعاً طارئا وجد مقاومة ضارية من الدول المستهلكة حيث مارست أمريكا ومعها دول غربية أخرى نافذة ضغوطاً سياسية لا تحصى على الدول المنتجة انتهى بموافقة دول الأوبك مجتمعة على رفع سقف الإنتاج البترولي مما أدى إلى انخفاض سعر البترول,, ولا يزال الباب مفتوحاً لمزيد من المساومات التي قد تؤدي إلى زيادة انخفاض أسعار البترول أو على الأقل على استمرار تذبذبها,, بين شد وجذب.
فلا بد أن نعترف إذن أن التوازن الذي حدث في ميزانية هذا العام لن يستمر لا سمح الله لأعوام قادمة عديدة إلا بشرط وطني يجب أن يكون خارج السلطة المطلقة للضغوط السياسية التي يفرضها الارتهان لرحمة العرض والطلب, وهذا الشرط الذي سيبدو وكأنه من مخلفات شعارات الستينات والسبعينات رغم مصداقيته الاقتصادية المجربة هو أن نقوم ببناء اقتصاد وطني يوظف مداخيل النفط في مشاريع اقتصادية منتجة بدل أن يكتفى بصرف مداخيل النفط على توفير مظاهر وخدمات دولة الرفاه دون أن تكون هناك قاعدة اقتصادية منتجة قادرة على حماية الرفاه ودولته فيما لو ذهب الذهب أو استمر تذبذبه, وهنا لا بد من الاعتراف أيضاً أن جل الصناعات الوطنية الموجودة الآن هي صناعات معتمدة على مداخيل النفط من جانب وعلى العمالة الأجنبية من الجانب الآخر ولذلك فلا بد لننعم حقاً وليس إعلامياً أو وقتياً فقط بحس الاستقرار الاقتصادي من تغيير جذري في بعض سياستنا الاقتصادية وتوجيهها توجيهاً إنتاجياً.
لقد قرأت تعليق عدد من رجال الأعمال على الميزانية ورغم أن مساهمة القطاع الخاص في الدخل القومي كما جاء في بيان الميزانية لم تزد كثيرا على 3% من الأسعار الجارية، فقد رأيت لعاباً غزيراً يسيل من أفواه المتحدثين لتوازن الميزانية وهم يتحدثون عن آمالهم العريضة في استمرار حصولهم على دعم الدولة من ناحية وفي أن تؤدي الميزانية إلى زيادة قدرة المواطن الشرائية ليزيد إقبالا على ابتياع سلعهم الاستهلاكية المستوردة، وإذا كان لا اعتراض على مثل هذه الآمال في ظل نهج الاقتصاد الحر والسوق المفتوحة الموجودة بالمملكة غير وارد فلا أقل من أن تقرن بهذه الآمال في الربح السريع المريح ببعض ضريبة وطنية تسهم في دعم خلق قطاعات منتجة تفيد القطاع العريض من المواطنين ولا تقتصر على أصحاب رؤوس الأموال.
ومن هنا فإن محاولة الدولة لتلافي الإشكالية الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المجتمع السعودي وهي إشكالية عطالة الشابات والشباب إما لعدم وجود قنوات تعليمية كافية لاستيعاب أعداد منهم أو لعدم وجود فرص عمل تضمن لهم سبل الحياة الكريمة أو لعدم توفر الاثنين معاً، إنما تأتي استجابة وتعبيرا عن مطلب اجتماعي واقتصادي جاد بضرورة تفعيل دور الشباب في بناء قاعدة اقتصادية تؤسس لاستقرار سياسي واقتصادي يستطيع الصمود اليوم وغداً وهذا العام ولأعوام تأتي.
ولا بد أخيرا من التأكيد على أهمية المسارعة على سداد المديونية,,, فهذه الضمانة لوطن لا ينحني لغير وجه الله.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
|
|
|
|
|