| الاقتصادية
ترجع اسباب التغيرات التنموية الاخيرة في دول شرق اوروبا في حقيقة الامر الى بداية التسعينيات الميلادية من القرن الماضي العشرين عندما سقط جدار برلين آنذاك, ومع سقوطه انهارت الامبراطورية السوفيتية وانتهت معها الحرب الباردة مؤذنة بتحول الاقليم الى مرحلة اقتصادية جديدة, كما فرض انهيار الجدار على المعسكرين الشرقي والغربي الانتقال الى مرحلة من التفاهم والتعاون البناء بدلا من هدر القدرات بما لا يعود بنفع او بخير وعلى الرغم من اشتعال نار الحرب البلقانية في البوسنة والهرسك مع الصرب وبالرغم من الحملات التطهيرية العنصرية وما ادت إليه من تحفظات استثمارية في مستقبل الاقليم وقتذاك وتراجعات وانكماشات اقتصادية حينه مما حدا من التطورات التنموية المنظورة فيه الا ان الاقليم يشهد الآن ظروفاً اقتصادية واجتماعية ايجابية فقد قدمت الدول الاوروبية الغربية المجاورة المساعدات المالية والخبرات بغية تحريك جداول اعمال الدول الشرقية وإعمارها فبدأت بإعادة جداول ديونها المتراكمة بالاضافة الى مساعدتها في تخفيض معدلات البطالة المرتفعة وهبوط معدلات النمو الناتج المحلي, وكان من نتائج الاتفاقيات المبرمة في عدد من المؤتمرات بين كل الاطراف الاعلان عن بعض برامج اصلاحات محلية فيها انطلاقا من اشتراكهم في حوار علاقة اوسع في المجالات الاقتصادية ومحاولة ادماج دول الشرق الاوروبي مع غربها ضمن برامج استقرار لجميع القطاعات، ذلك ان مرحلة الانتقال تتطلب المزيد من المشاركة الفعالة والتي بدورها تتطلب فتح الاسواق المحلية قوى العرض والطلب امام العالم والعكس تماما وكان من الطبيعي ان يتم تحديث الآليات الصناعية للدول الاوروبية الشرقية حتى تتمكن من انتاج سلع ذات مستوى عال بمواصفات عالية في النوعية والكمية والجودة, الا ان هذا الاتجاه له بعض السلبيات المرادفة والتي قد يكون من اهمها الاستغناء مؤقتا عن العمالة غير المنتجة والمدعومة بالقطاع العام حتى يتم انخفاض تكاليف الانتاج فيها وتصبح منافسة عالميا.
واكدت آخر التقارير الاقتصادية الصادرة من هيئة الامم المتحدة عما حققه هذه الدول من انتعاش قوي غير متوقع في النصف الاول من عام 2000 الحالي عندما ارتفع الناتج المحلي الاجمالي للكل بحدود 6% في الفترة نفسها من العام الماضي 1999, كما اوضحت تلك التقارير ان المنطقة لها دلالات مستقبلية جيدة مع قدوم العام القادم الميلادي 2001م وسوف تؤدي هذه المؤشرات الايجابية الى تحسن مرتقب في معدلات النمو وفي المداخيل المالية الفردية وهذا بدوره يزيد من ارتفاع في الاستثمارات المحلية وبالتالي يرتفع الطلب على العمالة والتي تم الاستغناء عنها سابقا هذا بالاضافة الى ان الشركات الخاصة ستضطر للميل الى اداء افضل من اداء الشركات المملوكة العامة نفسها, كما تتطلب المرحلة الانتقالية فيها بالضرورة التخفيف من التدخل الرسمي على القوانين التجارية والاستثمارات المحلية والاجنبية، وحال حدوث هذا فإنه يتوقع ان يكون هناك تغيراً ايجابياً آخر يشمل التنشيط التلقائي على الحركة التجارية وتشجيع الانشطة الاقتصادية الاخرى في النهوض والنمو تبعا لنظرية مردال السويدي السببية التراكمية وقد تكون الخصخصة من اصعب النواحي التي يمكن انجازها الا انها تؤدي لاحقا الى تحول اجتماعي اكبر ممثلا في مساهمات جماعية لها عوائد مالية بواسطتها ترفع مستوياتها استهلاكاتها السلعية, وقد قامت جمهورية التشيك بتطبيق اسلوب الخصخصة بطريق تداول رأس المال وبيع الاسهم في البورصة وهو امر لم يكن مسموحا به قبل مرحلة التحول ومنذ منتصف التسعينيات فقد اسفرت برامج الخصخصة فيها عن بيع المشروعات الصغيرة وازدياد الاستثمارات الاجنبية مما ساعد تشيك الى تشابك اقتصاديها مع بعض الدول الغربية ويبدو ان هناك عدة مؤشرات ايجابية اخرى في المنظور القريب التي تمر بها كافة دول شرق اوروبا الثلاث عشرة بما فيها الدول المنفصلة عن يوغسلافيا ودول البلطيق الثلاث والدول الاثنتا عشرة المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي السابق وبما فيها روسيا الاتحادية ولعل من اهمها ارتفاع واردات دول اوروبا الغربية وارتفاع الطلب على المصادر الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والاصلاحات الهيكلية في اقتصاديها مع بداية العقد الماضي, ويمكن ان نقسم تلك الدول الى مجموعتين المجموعة الاولى وهي دول استطاعت ان تنجز تعديلات تنموية في أنظمتها الاقتصادية بصورة جيدة وطبقا لرغبات صندوق النقد العالمي ومؤشراته القياسية والتي يعتمد عليها في مراقبة النمو الاقتصادي لأي دولة في العالم، هذه المجموعة تشمل دولاً مثل بولندا والسلوفاك وهنغاريا 6% والتي استطاعت ان تخفض عجزها المالي وان تزيد كذلك مخزونها العام من العملات الاجنبية واستقرار عملتها الوطنية, كما تمكنت لنفس الفترة من تحقيق تحسن كبير في استقرار السلع الاستهلاكية وعدم تضخم اسعارها, بهذه الانجازات فقد يعتقد بأنها اصبح في مقدورها الاعتماد ماليا على مصادرها الوطنية وعدم احتياجها الى الاستعانة بالقروض الخارجية من الصندوق, وقد ساعدت هذه المؤشرات الى تشجيع عدد من دول اوروبا الغربية على اقامة مصانع فرعية لها الغزل والنسيج والملابس بسبب خاصية القرب المكاني والاستفادة من وسائل النقل عالية الكفاءة التصدير للمواد الخام اما المجموعة الثانية فتشمل دول بلغاريا ورومانيا ومولدوفيا ودول البلطيق وقد حققت نموا اقل وتباطؤاً في معدلات الناتج العام 6,3% اذا ما قورنت بدول لها مجاورة وهي لا تزال تعاني من عجوزات في ميزانها التجاري استيراد اكثر من تصدير كما تقابل عدداً من التحديات الاقتصادية لتحديث وتطوير البنى الاساسية يكاد يكون على قائمة جداولها حاليا القضاء على الارتفاع السريع في اسعار المواد التموينية التضخم المفرط وتحاول كل الدول السابقة الذكر بدون استثناء الانتقال السريع وبصورة اكثر فعالية وقبولا ورضاء لصندوق النقد العالمي، فمعظم برامج الاصلاحات فيها احدث تغيرات وصلت في اقلها الى حدود 4% من الناتج المحلي الاجمالي خلال عام 2000م كما أنها احدثت تغيرات تعتبر جيدة بكل المقاييس سواء في برامجها الاصلاحية في نمط اساليب التجارة او في نظام الصرف والعملات الاجنبية او في فتح اسواقها المالية العالمية.
وبصورة عامة فان الدول الشرقية الاوروبية قد تحتاج الى مزيد من الجهود المكثفة خاصة في زيادة الاستثمارات المحلية والاجنبية وفي رفع مستويات اجور العمال والانتاج حتى تتمكن من الخروج الكامل من انعزالية الاشتراكية غير الواقعية,, واخيرا فانه يتوقع لهذه الدول وعلى ضوء تقارير هيئة الامم المتحدة بأن يكون القرن الحالي قرنا مختلفا تماما عما عاشته في القرن الماضي العشرين، القرن الذي عاشت معظمها تجربة اعتقد بأنها كانت صعبة قاسية اقتصاديا وبدون ادنى شك ان هذه الدول سوف تعيش وستشعر قريبا بالفارق الاجتماعي والاقتصادي والتقني الكبير والذي حرمته طيلة انعزالها الاشتراكي في تلك الحقبة 1917 1990 كما ان المستقبل القريب الواعد سوف يجعل منها منطقة خصبة للجذب الاستثماري خاصة من الدول الغربية الاوروبية المجاورة مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا.
|
|
|
|
|