أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 21st December,2000العدد:10311الطبعةالاولـيالخميس 25 ,رمضان 1421

الاقتصادية

البطالة بين القطاع الخاص والجامعات
في الدول المتقدمة يستقبل القطاع الخاص خريجي الجامعات بصرف النظر عن تخصصاتهم
بعض الجامعات أخذت تفكر جدياً في تكييف مناهجها مع اقتراحات تعديل التخصصات
في ظل ارتفاع نسبة البطالة بين السعوديين القادرين على العمل وكثرة أعداد العمالة الاجنبية وظهور العديد من الأصوات التي تلقي باللوم على القطاع الخاص على التخلي عن مسؤوليته تجاه تشغيل المواطنين السعوديين اتبع بعض منسوبي القطاع الخاص وبعض المهتمين بهذا الأمر اسلوبين لإزاحة المسؤولية عن عاتق القطاع الخاص: الأسلوب الأول هو اتهام الشباب السعودي بعدم الجدية وضعف الأداء في الأعمال التي تناط بهم والثاني لوم الجامعات بحجة أنها تخرج طلابا بتخصصات غير مطلوبة في سوق العمل, وقد بدأ الجميع في التراجع عن استخدام الاسلوب الأول نظرا لنجاح الشباب السعودي في الكثير من المؤسسات والشركات، التي توفر لهم بيئة ملائمة للعمل، مثل الخطوط السعودية والبنوك وغيرها من المؤسسات والشركات ولكون اصحاب القطاع الخاص خرجوا من نفس البيئة التي يعتقدون بأن شبابها غير مؤهل للعمل الجاد وبالتالي فإن, التشكيك في قدرة هؤلاء الشباب على الإنتاجية يقود الى السؤال: هل رجال الأعمال من كوكب آخر؟, وفي هذا المقال سوف نكتفي بما قيل حول الاسلوب الأول ونركز على الاسلوب الثاني الذي يستخدم بكثرة هذه الايام من قبل المنتمين او المتعاطفين مع القطاع الخاص: اتهام الجامعات بأنها تخرج طلابا لا تناسب تخصصاتهم سوق العمل.
وقبل التطرق لموضوع التخصصات وسوق العمل هناك نقطتان لابد من التعرض لهما, الأولى تتمثل في الموقف السلبي الذي اتخذته الجامعات حيال هذه المحاولات التنظيرية التي تنادي بإحداث غربلة في التخصصات التي تدرسها الجامعة وفي المناهج الجامعية وتنازلت بذلك عن دورها، بحكم مركزها العلمي في تنوير المجتمع فيما يخص العلوم والبيئة المحيطة بها وليس ذلك فحسب بل ان بعض الجامعات أخذت تفكر جديا في تكييف مناهجها بما يتناسب مع الاقتراحات التي تنادي بإعادة النظر في التخصصات الجامعية على اعتبار أنها مسؤولة عن تفشي ظاهرة البطالة, والنقطة الأخرى المثيرة للاستغراب هي الجرأة التي يطرح بها البعض موضوع التخصصات وتقويمها والإشارة الى عدم أهميتها من وجهة نظرهم, ومن المعروف في الدول المتقدمة علميا أن محاولة تفضيل علم على آخر تناقش وبحذر شديد من قبل المتخصصين في فلسفة العلوم او ذوي الرؤى الاستكشافية بالغة الموضوعية والمبنية على خلفياتهم العلمية المتعمقة, وفوق ذلك يتفادى الواحد منهم القول بأن الحاجة الى هذا العلم او ذاك لم تعد قائمة وذلك لان هدف العلوم هو البحث عن الحقيقة (غير المتعلقة بالدين الاسلامي بالنسبة لنا كمسلمين) والتي طالما أنه لم يتم التوصل إليها فإننا بحاجة الى كل العلوم، ما لم تلغ اكتشافات احد العلوم الحاجة الى علم آخر لان التخلص من علم ما قد يعيق مسيرة التقدم العلمي, وربما ادى انسياق الجامعات وراء هذه التوجهات الى انخفاض مستوى الإبداع وقدرة الجامعات السعودية على المساهمة في التقدم العلمي بشكل عام, وكاتب هذا المقال لا يرى تبني فكرة أن العلم هدف بذاته فقط وإنما يتصور ان الجامعات مؤسسات علمية تصنع الحضارة من خلال تنمية القدرات الفكرية والعلمية لأفراد المجتمع وتخريج طلاب قادرين على استيعاب مفهوم التنمية وبالتالي تقدير قيمة الإنتاج وأهميته على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي وقادرين على تطوير الذات وتطوير المؤسسات التي يعملون بها وتضع في اعتبارها مشكلات المجتمع، ولكن محاصرة الجامعات ومحاولة الضغط عليها والتحكم في نوع العلوم والتدريب الذي يتلقاه طالب الجامعة (المطالبة بالتركيز على الهندسة مثلا) قد يؤدي الى خلل في المحتوى المعرفي لأفراد المجتمع وبالتالي إحداث نوع من عدم التوازن فيه, فتفكير الطالب مرتبط بشكل او بآخر بطبيعة العلم الذي يدرسه, هناك تخصصات تجعل الفرد أكثر حساسية وتفهما للقضايا الانسانية في معظم جوانب الحياة وأخرى لا تركز على هذه الأمور ولابد من وجود هذين الاتجاهين لضمان عدم تحول المجتمع الى مجتمع عاطفي تمنعه عواطفه من التقدم او مجتمع ليس لديه الخلفية العلمية الكافية لتحسس معاناة الإنسان وبالتالي يضيع فيه من يتعرضون لظروف خارجية او داخلية تحد من قدرتهم على مجاراة التوجه العلمي البحت أثناء محاولة المجتمع تطوير بعض جوانبه.
وعلاوة على ذلك فليس هناك دليل علمي على ان عدم تشغيل القطاع الخاص للشباب السعودي يرجع الى كون تخصصاتهم لا تتناسب مع ما لدى القطاع الخاص من وظائف بقدر ما هو وفرة العمالة الاجنبية برواتب متدنية لا تلبي الحاجات الأساسية للمواطن السعودي وقبول العمالة الأجنبية للعمل تحت ظروف تحول ظروف الشاب السعودي دون قدرته على العمل فيها, وهناك الكثير من الأدلة على هذا الافتراض.
فالقطاع الخاص الذي يطال الجامعات بتدريس تخصصات معينة تناسب ما لديه من أعمال لم يوظف سوى بعض من الشباب الجاهز للعمل الآن والمتخرجين من الجامعات ومن المعاهد الفنية (الذين يقبلون العمل برواتب زهيدة تقارب رواتب العمالة الوافدة) مع قلة عددهم من المتخصصين في التخصصات التي يطلب من الجامعات التوسع في تدريسها فكيف يستطيع توظيف اعداد كبيرة منهم؟.
كما انه من الصعب جدا ان تبدأ الجامعات في التخطيط لتخريج طلاب بمواصفات معينة بعد خمس او ست سنوات لأنه نظرا للتقدم الهائل في التقنية فمن المحتمل ان يتزامن او يسبق تخرج هؤلاء الطلاب تطوير وسائل جديدة تحتاج الى تدريب لم تفكر الجامعة فيه ولم تقدمه لطلابها لأنه لم يكن بمقدور احد التنبؤ بالحاجة اليه وبالتالي تكون الاستفادة من هؤلاء الطلاب محدودة جدا, يضاف الى ذلك انه من المحتمل في المستقبل القريب جدا تطوير مصانع تدار كليا بالحاسب الآلي وتتطلب عاملا او اثنين للاشراف عليها مما يجعل القطاع الخاص يستغنى عن الوظائف التي طالب الجامعة بإعداد طلاب للقيام بها.
ويضاف الى ذلك ان معظم العمالة الوافدة يعمل في وظائف خدماتية: بيع، مطاعم، فنادق، تسويق،,,, الخ ووظائف إدارية وهذه لا تتطلب شهادة في الهندسة او في التخصصات التقنية الأخرى وإنما الأنسب لها هو الطلاب المتخصصين في العلوم التي يطالب القطاع الخاص الجامعات بالحد من عدد خريجيها.
وفي الدول المتقدمة يستقبل القطاع الخاص خريجي الجامعات بصرف النظر عن تخصصاتهم وتعد لهم برامج تدريبية وفقا لما يتطلبه العمل لان طبيعة العمل تتغير بشكل سريع الأمر الذي يجعل الإعداد المسبق للوظائف مهمة صعبة كما ذكر من قبل.
إن ما قيل هنا في محاولة للتدليل على ان عدم توظيف القطاع الخاص للسعوديين ليس بسبب تخصصاتهم وان التخصصات التي تناسب أسواق العمل في وقتنا الحاضر هي عكس ما يطالب به القطاع الخاص ليس مجرد كلام نظري كما هو سائد في الكثير من كتابات المنادين بتغيير مناهج الجامعات ولكنه طرح مبني على الوقائع في هذا الخصوص وأدعو القارىء الكريم للنظر في توزيع اعداد الطلاب على التخصصات في الولايات المتحدة وهي الدولة التي تتمتع بأقل نسبة بطالة في العالم، حوالي 4% والذي يعكس طبيعة الوظائف التي يتطلبها سوق العمل هناك, في الجدول التالي التخصصات السنة الأولى من حيث عدد الحاصلين على شهادة البكالوريوس منها للعام الجامعي 1992/1993م.
وفي عام 1995/1996م بلغت أعداد الحاصلين على درجة البكالوريوس في هذه التخصصات: إدارة الأعمال، علم النفس، هندسة، تربية: إعداد معلمين، اللغة الإنجليزية وآدابها والمحاسبة اكثر من 83000، 73000، 62000، 56000، 38000، و42000 على التوالي.
وأنا هنا لا اشكك في حسن نوايا رجال الأعمال والعاملين في القطاع الخاص ولكنني اقول ان عدم توظيف السعوديين لديهم ليس بسبب تخصصاتهم وإنما بسبب ارتفاع الأجور التي يطلبونها مقارنة بما تطلبه العمالة الوافدة وأعتقد أن قيام الجامعات بإحداث تغييرات في أحجام الأقسام لديها او إلغاء بعضها لن يحل مشكلة البطالة بل انه قد يزيدها سوءا, وأتصور ان القطاع الخاص في حاجة الى وقفة جميع أفراد المجتمع معه لمساعدته، متى ما ثبتت حاجته للمساعدة المالية أو الادارية، مع العلم بأن المناخ المتوفر للقطاع الخاص هنا افضل مما في معظم بلدان العالم، لكي يكون بإمكانه فتح مجالات أوسع لتوظيف السعوديين القادرين على العمل، لان تكلفة العمالة الأجنبية على المجتمع ككل تفوق بكثير تكلفة تشغيل السعوديين ولان البطالة تؤدي الى مشكلات كثيرة نحن في غنى عنها.
د, ناصر بن إبراهيم المحارب
بريد إلكتروني almuharb.ksu.edu.sa


أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved