اعتقد,, بل اجزم,, ان الكل منا يتذكر ولازال,, حادثة او موقف مدرب فريق كرة القدم بالنادي الأهلي بجدة قبل سنوات قليلة البرازيلي زاناتا عقب مباراة الأهلي مع الهلال عندما رفع يده بدراهم غير معدودة أمام حكم المباراة الأستاذ ظافر ابوزندة في إشارة لاتهامه بالرشوة.
والتذكر الذي اعنيه ليس الحادثة بعينها فقط وانما ما بعد الحادثة وردة الفعل التي حصلت سواء على المستوى الرسمي او على مستوى الإعلام والجماهير.
فعلى المستوى الرسمي صدر قرار الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس الاتحاد العربي والسعودي لكرة القدم آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله بطرد المدرب المذكور من المملكة وعدم السماح له بالعودة ثانية,, الخ.
وعلى المستوى الشعبي واعني الجماهيري,, او الإعلام الرياضي وتحديدا الصحافة المقروءة كانت ردة الفعل كبيرة وغاضبة وتمثلت في الدفاع عن الذات السعودي,, وعن ضمير الإنسان السعودي بصورة عامة والحكم بصورة خاصة، وكيف يمكن لأحد ان يجرؤ على اتهامه بقبول الرشوة وبيع ضميره,, الخ من ردود فعل لازلنا نتذكرها جيدا.
وهي ردة فعل طبيعية ولا مجال للخلاف حولها وحول ضمير الإنسان السعودي,, والحكم السعودي,, والأندية السعودية ذلك انه يتحرك في إطار القيم والمبادئ السماوية في المقام الأول قبل ان يخضع للوائح والقوانين الوضعية.
** ما الذي جعلني اتذكر هذه الحادثة الآن؟!,.
بلغة أخرى:
** ما الذي دعاني لوضعها مقدمة لهذا المقال؟!,.
لكنني قبل الاجابة على هذين التساؤلين,, اتساءل من جهتي: هل يمكن الخوض في مسائل الضمير والوطنية، وغيرها من أمور مشابهة,, اعني غير محسوسة وغير مادية؟!.
وهل يمكن اتهام المرء في ذلك,, دون ادلة محسوسة او استناد إلى حقائق مادية؟!,.
وهل يمكن ان تتبدل قناعاتنا ونظرتنا إلى ضمير ما بسهولة ويسر,, دونما رادع من ضمير ذاتي او دليل واضح؟!,.
وما هو موقف المتهم بكسر الهاء ,, لو كان في موقع المتهم بفتح الهاء ؟!,.
وسؤال اخير في طرحي,, لكنه ليس الأخير في تداعيات التساؤلات: ما هو الأساس الذي ننطلق منه في توجيه اتهاماتنا للآخرين؟!
هل تنطلق من أسس عقلانية,, ام من قاعدة عاطفية بحتة؟!.
** أعود الآن للمقدمة,, وما دعاني لتذكرها,, او طرحها كمدخل لهذا المقال,.
لقد شهدت الساحة الرياضية لدينا وللأسف في الايام الاخيرة,, وللأسف الف مرة اخرى لأنها توافقت مع هذا الشهر الكريم,, شهر كله رحمة وتسامح,, شهر تصوم فيه الجوارح,, والألسن,, كجزء من الصوم بمفهومه الشامل,.
أقول:
للأسف,, ان الساحة الرياضية لدينا شهدت في الايام الاخيرة وضعا مأساويا في تعاملها مع بعض الأحداث,, واتخاذها لبعض المواقف,.
وعندما أقول مأساويا,, فهو بالفعل كذلك ولا اخالني مبالغا فيه,, إذ عندما يصل الامر إلى الخوض في ضمائر الآخرين واتهاماتهم بخيانة الأمانة وغيرها من ادوار يمكن ان تدخل اطار القذف فإنني اعتقد ان ذلك الوصف يمكن ان ينطبق على مثل هذه الحالات.
وأنا هنا واعوذ بالله من الانا لا اتهم او اعني شخصا محددا بعينه ولا جهة معينة بذاتها لكنني اتكلم عن وضع عام بلغ فيه الامر اتهام اناس لهم قيمتهم كمواطنين,, ووضعهم الاجتماعي كرموز والذي يجب ان نحفظه لهم,, وهم الذين وضعت الدولة ممثلة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب كامل الثقة فيهم لإدارة وتسيير هذه المنشآت الشبابية والاجتماعية,, اتهام هؤلاء في امانتهم وضمائرهم.
وآخرون لهم قيمتهم ووضعهم كمواطنين,, وكمساهمين في بناء هذا الوطن,, نالوا ثقة تمثيل الوطن,, وحمل لوائه في المحافل الدولية.
فلماذا؟,, نعم لماذا هذه النظرة؟!,.
ان طرح السؤال,, مبني على موقفنا من المدرب البرازيلي وموقفنا من بعضنا,, وهذا ما يطرح سؤالا اكثر خطورة وأهمية,.
هل موقفنا الجماعي الرافض لتصرف المدرب البرازيلي كان متماشيا مع القرار الصادر من السلطة العليا,, صاحبة القرار؟!.
أم عن قناعة ذاتية بخطأ التصرف ووافق هذا الرفض,, وجهة النظر الرسمية ازاء الموقف؟!.
إذا كان كذلك,, وهو ما احسبه ان شاء الله فإن التساؤل يعود من جديد حول نظرتنا لضميرنا الوطني ولابناء الوطن,.
وكيف تتغير النظرة؟!
وما هو دور العقل,, وتأثير العاطفة في صناعة الرأي,, وبلورة الاتجاه,.
لقد اصبحت القناعات تتبدل,.
ونظرتنا للآخرين تتغير,.
قبل ذلك فقط,, لمجرد تفوقهم,, أو بحثهم عن مراتع اكثر خصوبة يسعون من خلالها لتأمين مستقبل حياتي افضل بالنسبة لهم,, دون ان نجهد انفسنا في البحث عن اسباب تفوق اولئك,, او الأسباب التي دعت هؤلاء للبحث عن مراتع اكثر خصوبة,.
ودون ان نجهد انفسنا في بناء ذاتنا,, من اجل التفوق على الآخرين,, والوقوف في الصفوف الأمامية,, او ان نوفر المناخ المناسب الذي يساعد هؤلاء على النمو,, والاحتفاظ بحيويتهم,, وقدرتهم على العطاء.
نسينا في خضم هذا كله,, العلاقات الإنسانية,.
ونسينا,, صلة القربى,, ومعنى الاخوة,.
ونسينا,, حق الزمالة,, ومعنى العشرة,.
نسينا ايضا,, اللوائح,, والقوانين,, وحقوق الآخرين التي يكفلها لهم النظام.
ونحن هنا,, وهو ما ارجو ان يفهم من كلامي هذا,, يجب ان نفرق بين الاختلاف في وجهات النظر الذي لا يفسد للود قضية,, وبين الخلاف في النظر إلى القضايا بما يخرجها عن الطابع الودي,.
فالقضية,, ليست فوزا,, او خسارة,, وليست اختلافا في وجهات النظر حول قضايا معينة او محددة,, إذ ان مثل هذا الاختلاف مطلوب ومن حق كل إنسان,, ان يبدي وجهة نظره,, وان يطرح رأيه تجاه قضية ما,, او موقف معين,, ومن حق الآخرين القبول بها,, او التحفظ عليها,, لكن يجب ان يدور هذا كله في إطار من النقاش الموضوعي بهدف الوصول إلى قناعات مشتركة تحقق الهدف المنشود وتحفظ لكل ذي حق حقه,.
لأن النتيجة في النهاية او المحصلة في النهاية ليست خسارة فريق,, او فوز فريق آخر ولكنها,, فوز الجميع,, او خسارة لهم,, وعلينا ان نختار الأصلح من النتيجتين.
والله من وراء القصد.
|