| عزيزتـي الجزيرة
تجاوباً مع موضوع أزمة الشباب المسلم في عصر العولمة الثقافية الذي نشرته جريدة الجزيرة يوم الجمعة الموافق 21/شعبان/ 1421ه في ملحق آفاق إسلامية نجد أن الأخ مرزوق العشير كاتب الموضوع قد تناول هذه القضية من جميع جوانبها فتطرق إلى طبيعة الأزمة التي يعانيها الشباب والفتيات المسلمات في العصر الراهن وبين مظاهرها وعلاماتها وسبيل الخروج منها ودور مؤسسات وأجهزة التربية والتنشئة الاجتماعية في حل مشكلات الشباب.
لقد شخّص الداء ووصف الدواء، غير ان القضية على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية وتحتاج لمزيد من البحث والتقصي وايجاد حلول واقعية وعملية وملائمة لمشكلات الشباب والفتيات في عصر الفتن والمنكرات الذي نعيشه اليوم لاسيما بعد ظهور الانترنت والقنوات الفضائية وشيوع استخدامها بين الناس استخداماً سيئاً مضراً وكذلك استغلال أهل السوء والفساد لهذه الوسائل العصرية المؤثرة في نشر الرذيلة والترويج للفواحش والمنكرات وافساد الأفراد والمجتمعات.
إن هذه الأزمة وهذه الآثار السلبية للعولمة ووسائلها والبث المباشر وبرامجه ليست قاصرة على الشباب والفتيات ولا خاصة بهم بل كذلك الرجال والنساء من كل الأعمار فالجميع يعيشون أزمة نفسية وفكرية وسلوكية وتناقضا واضحا بين قيم الإسلام وتعاليمه التي يؤمنون بها وسلوكياتهم التي يمارسونها في واقع الحياة وهي سلوكيات بدأت في السنوات الأخيرة تبتعد شيئاً فشيئاً عن تعاليم وقيم الإسلام وتقترب أكثر فأكثر من القيم الغربية المادية التي بدأت تغزو بلادنا ومجتمعاتنا بل وتغزو عقول أبناء المسلمين وبناتهم ورجالهم ونسائهم بفعل الغزو الثقافي الذي يستخدم سلاح الإعلام والبث المباشر وهو سلاح خطير كما نعلم وذو تأثير فعّال في غسل أدمغة الناس إنه سلاح ذو حدين إذا لم نحسن استخدامه في الخير والإصلاح استخدمه الاعداء في الشر والإفساد.
وفيما يتعلق بأسباب مشكلات الشباب والفتيات والازمات التي يعانون منها أود أن أركز على دور الآباء والأمهات وأولياء الأمور فالأسر لها دور مهم وخطير وتقع عليها مسؤولية جسيمة في تربية أبنائها وتقوية الوازع الديني لديهم وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة وتعميق العقيدة الإسلامية وماينبع عنها من قيم واخلاق وآداب في نفوسهم وتعويدهم على ممارستها في سلوكهم، غير ان الملاحظ هو ان كثيرا من الأمهات لاهيات غافلات عن دورهن التربوي وعن وظيفتهن الأساسية وهي رعاية شؤون المنزل والقيام بحقوق الزوج والأولاد والبنات وكثير من النساء يركضن وراء الموضة ومجلات الأزياء وكثرة الخروج من المنزل فتجدها خرّاجة ولّاجة من وإلى بيتها لأسباب غير مهمة فتهمل بذلك أطفالها وتخالف أمر ربها الذي يقول سبحانه: وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلين الأولى .
ومن الجانب الآخر نجد الأب أيضاً لايؤدي دوره التربوي المطلوب فهو مشغول عن أولاده وبناته بالسهر مع أصدقائه أو بعمله وتجارته التي تأخذ كل وقته وتفكيره لدرجة قد تنسيه مسؤولياته التربوية بل حتى واجباته الدينية والله سبحانه يقول: قل ماعند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين (الجمعة:11) هذا مع العلم أن طلب الرزق الحلال مطلوب شرعاً بل قد يتحول إلى عبادة إذا توفر شرطا الاخلاص ومتابعة الشرع الحنيف.
ان الشباب والفتيات يمرون بظروف يحتاجون فيها إلى من يرعاهم ويوجههم ويحل مشكلاتهم وإيقاظهم من غفلتهم ويقودهم إلى طريق النجاة وهذه مسؤولية الوالدين أساساً ويجب ان يقوما بها مع الطفل منذ الصغر والاستمرار معه إلى ان يكبر وينضج ويصبح هو مسؤولا عن نفسه بعد أن ينضج عقله ويعي حقوقه وواجباته ومع ذلك لابد من تعاون كل الجهات المسؤولة عن التربية والتوجيه في المجتمع كالمدرسة والمسجد والجامعة والإعلام وغيرها فاليد الواحدة لاتصفق والوضع لايمكن ان يستقيم والجهود لايمكن ان تثمر إذا كانت جهة تبني وجهة أخرى تهدم، جهة تربي وتصلح وجهة أخرى تخرب وتفسد في المجتمع الواحد, ولذلك اتفق مع ما ذهب إليه الأخ مرزوق العشير من ضرورة وضع سياسة موحدة لتربية الأجيال من الجنسين تلتزم بها كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية في بلادنا وتعمل على تحقيق أهدافها وهذه السياسة التربوية تنبع من شريعتنا الإسلامية وتقوم على غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الشباب والفتيات منذ الصغر وأؤكد على كلمة منذ الصغر فهذه مسؤولية الجميع وفي مقدمتهم الوالدان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته وكذلك قوله: مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وقبل ذلك قول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة (التحريم: 6) وغير ذلك كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على حسن تربية الأولاد والبنات وتجعل ذلك من مسؤولية أولياء الأمور من الآباء والأمهات.
واتفق معه أيضاً في أنه لايكفي التوجيه والإرشاد فقط بل لابد كذلك من وضع خطط وبرامج لإعداد الشباب والفتيات إعداداً عقدياً وعلمياً وفكرياً ونفسياً وسلوكياً يتناسب مع التحديات والمشكلات التي تواجههم في هذا العصر وتمكنهم من التمسك بثقافتهم وهويتهم الإسلامية في عصر تداخلت فيه الثقافات وتشابكت الحضارات واختلطت الأمور وانقلبت الموازين نتيجة للتطور الهائل والسريع الذي حدث في مجال المعلومات والاتصالات .
نعم إن القول وحده لايكفي والخطب والمواعظ لوحدها لم تعد تجدي بل لابد من العمل وفق خطط مدروسة ولابد من تعاون الجميع عملاً بقول الله سبحانه: وتعاونوا على البر والتقوى ولابد من القدوة من الوالدين والاقربين ليجد الطفل والطفلة القيم والتعاليم التي يدعو إليها الإسلام تُطبّق أمامه ويراها بعينه ليقتنع بها أكثر ويطبقها فلا يفيد أن يأمر الأب ابنه بالصلاة جماعة وهو لايفعل ذلك أو يمنعه من شرب الدخان وهو يشتريه أمامه ويشربه وهكذا بالنسبة لبقية الأمور, وكذلك بالنسبة للأم يجب ان تكون قدوة صالحة لابنتها في دينها وسلوكها وحجابها وقرارها في بيتها وتجنبها للكذب والغيبة والنميمة والقيل والقال الذي يحصل في مجالس النساء.
وأختم كلامي بالتأكيد مرة أخرى على ان المسؤول عن صلاح الأولاد والبنات أو فسادهم هو ولي أمرهم لأن الله سبحانه حمّله المسؤولية وجعلها على عاتقه فيجب عليه أن يقوم بأدائها على أكمل وجه فيربي أبناءه وبناته تربية إسلامية سليمة فيحميهم من قرناء السوء ومن التسكع في الشوارع والأسواق ويقيهم من المفاسد والمنكرات التي في وسائل الإفساد.
وإني أخاطب كل أب مسؤول ان يتقي الله سبحانه في نفسه أولاً ثم في أهله وأسرته ثانياً وذلك بالمحافظة عليهم من وسائل الشروط من الفساد وإبعادها من المنزل قبل فوات الأوان حتى لايموت وهو غاش لرعيته فيحرمه الله سبحانه رائحة الجنة كما ورد في الحديث النبوي فعلى كل أب وكل أم وكل ولي أمر مسؤول عن رعيته ان يتقي يوما يقف فيه أمام الله سبحانه فيسأله عمن استرعاه عليهم يوم قال سبحانه عنه: يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (الحج:2) وقال سبحانه يوماً يجعل الولدان شيباً (المزمل:17) وقال عز من قال: ليوم تشخص فيه الأبصار (ابراهيم:42)، وهو يوم آت لامحالة قال تعالى: وإن الساعة آتية لاريب فيها,, (سورة الحج: آية7).
أسأل الله سبحانه ان يعيننا على أنفسنا وان يعيننا على تربية أبنائنا وبناتنا وان يصلح لنا ولجميع المسلمين ذرياتنا إلى يوم الدين.
دولة بنت محمد (أم عبدالله) معلمة بمدارس محو الأمية بنجران
|
|
|
|
|