| الاقتصادية
* تقرير : أحمد الفهيد
يتمتع سوقنا المحلي بوجود واحد من أكبر الاسواق العالمية لعود البخور وزيوته العطرية مما أضاف لسوقنا المحلي ميزة نوعية جديدة بتميزه في تركيب وتسويق العطور الشرقية من خلال التنافس في الجودة وطرح البدائل أمام السوق الذي أصبح مجالاً خصباً لتدوير مئات الملايين من الرساميل الاستثمارية فيه.
هذا السوق ليس من الأسواق الموسمية برغم استفادته من كثير من المواسم (خاصة هذه الأيام) إلا أنه يتمتع بمحفظة استثمارية جيدة مستمرة في التوسع.
وعلى الرغم من عدم توفر احصائيات دقيقة فقد أشارت دراسة نشرت في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أن واردات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من الزيوت العطرية والبخور بلغت أكثر من 4 مليارات درهم.
فيما تشير قراءاتنا في (الجزيرة) إلى السوق من خلال الاحصائيات المتوفرة إلى ان حجم سوق العطور الشرقية والبخور يبلغ أكثر من 2,5 مليار ريال تقريباً, هذه هي حقيقة العلاقة بين الجن والسحر والبخور
وطبقاً لاحصائيات رسمية نجد أن واردات المملكة من العود تناقصت عام 99م إلى 743 طناً بقيمة بلغت أكثر من 18 مليون ريال فيما كانت واردات السوق من العود عام 98م حوالي 847 طناً بقيمة 22 مليون ريال.
أما بالنسبة للزيوت العطرية فنلاحظ حدوث قفزة كبيرة في حجم الاستيراد مقارنة بالأعوام السابقة والتي نتوقع أنها عائدة لتراجع اسعار زيوت العنبر والمسك وزباد الخنة حيث قفزت واردات المملكة من هذه المواد الأساسية لتحضير الدهون العطرية من 33 طناً بلغت قيمتها أكثر من (551) ألف ريال عام 97م, إلى (104) طن بقمية (579) ألف ريال عام 98م وكذلك استمرت عام 99م حيث بلغت (109) أطنان بقيمة أكثر من (760) ألف ريال.
فيما تؤكد المؤشرات الأولية لهذا العام قفزة كبيرة في حجم واردات هذا السوق حيث بلغ حجم واردات هذه الدهون حتى النصف الأول من هذا العام (خلال الشهور الستة الأولى) أكثر من (164)طناً بقيمة حوالي (362) ألف ريال وهذا الرقم يتجاوز حجم الاستيراد لعام كامل خلال السنوات الماضية ويعود ذلك لتراجع اسعار هذه الزيوت بشكل حاد خلال الثلاث سنوات الماضية وحتى النصف الأول من العام.
ويأتي ذلك نتيجة لتراجع أسعار هذه الزيوت ويلاحظ ذلك من خلال تراجع قيمة متوسط سعر الطن الخام، فقد بلغ متوسط الطن لعام 97م 16 ألف ريال فيما تراجع إلى 5,5 ألف ريال عام 98م وبلغ 6,9 الف ريال عام 99م وهذا العام حدث هبوط حاد في متوسط أسعار الزيوت حيث بلغ 2,2 ألف ريال للطن الواحد، على الرغم من أن هذا التراجع في الأسعار العالمية لم ينعكس بشكل واضح على أسعار السوق المحلي والتي لاتزال مرتفعة نسبياً.
البخور في الهند واليابان
وسوق عود البخور وزيوته ليس مقتصراً على سوقنا المحلي أو الخليجي فهناك كثير من الأسواق العالمية التي تعطي أهمية خاصة لهذا المنتج، إلا أن الشيء المشترك بين جميع شعوب هذه الأسواق هو ارتباط حجم ونشاط هذا السوق بثقافات تلك الشعوب والتي ربطته بكثير من طقوسها وعاداتها وتقاليدها الشعبية, فاليابان على سبيل المثال تستورد من هذه العطور مايعادل واردات دول الخليج نتيجة لدخوله في طقوسهم العبادية وفي الهند تم حظر تصدير العود والذي يستخدمون أخشابه لحرق جثث الموتى من كبار الشخصيات وذوي المكانة ويتمتع باهتمام خاص من الحكومة الهندية والتي خصصت منصباً لكبير خبراء العود يسجل ويراقب أشجار العود ويحدد، وحده فقط متى يمكن جز هذه الشجرة واستخدام أخشابها كبخور.
كما توارثت كثير من الثقافات الأخرى نظرة لعلاقة ترابط ما، تربط البخور بعوالم السحر والشياطين أو الأجواء الروحانية، وتناقلت بعض الثقافات الأخرى فوائد أو مضار تطبيبية للعود وزيوته العطرية.
وفي مجتمعنا السعودي والخليجي فالبخور مرتبط بكثير من المناسبات ويعتبر من الرموز الاحتفالية العريقة والذي يعكس المكانة الاجتماعية للمضيف كما يعتبر هدية مرموقة من أي شخص لآخر مهما كبر مقامه.
ولكي نحصل على تصور أكثر دقة للمناخ الاستثماري في هذا السوق حاولنا في (الجزيرة) عبر هذا التقرير ان نعطي لمحة تاريخية عن هذه الشجرة الاقتصادية والتعرف على جذورها في ثقافتنا العربية وبعض ما يشاع عنها ومدى امكانية استزراعها محلياً وكيفية تمييز جودتها عند الشراء والطرق المثلى لاستخدامها.
فشجرة العود من الأشجار المعمرة وتصبح مجدية اقتصادياً (ربحياً) في عمر يتراوح بين 60 و 100 سنة وتحتاج مناخا يتميز بارتفاع درجة الحرارة والرطوبة ويروى ان سيدنا آدم عليه السلام عندما نزل من الجنة إلى الارض كان في يده عود من شجرة من الجنة ركزه في الهند وهكذا جاءت شجرة العود وقيل انه كان عود أراك والله أعلم .
وتشير بعض المصادر التاريخية الأخرى إلى أن شجرة العود كانت مزروعة في الجزيرة العربية وانقرضت كغيرها من بعض النباتات والحيوانات التي انقرضت ومن هنا يرجع اهتمام العرب بالبخور منذ القدم وتلازمه في ثقافتهم على مر العصور.
ويدعم هذه الفرضية التاريخية نجاح محاولة استزراع شجرة العود في سلطنة عمان في السنوات القليلة الماضية.
وإضافة إلى الاستخدامات العطرية للعود فله بعض الاستخدامات التطبيبية حيث استخدمه الأطباء الهنود والباكستانيون البخور لتعقيم غرف العمليات قبل إجراء العمليات الجراحية, كما أشعل اليابانيون نارهم بأخشاب العود كنوع من الرفاهية جعلت اليابان مؤخراً من أكبر الدول المستوردة للعود.
ولعل من الثابت لدى العارفين بعوالم المخلوقات الأخرى والعوالم (الماورائية) ان البخور يساعد في جلب وتحضير الجن وخاصة (الرحمانيين) منهم كاللبان والمستكة إذ ان من الثابت لديهم وجود علاقة ارتباطية بين عوالم الجن وهذا النوع من الروائح المحترقة.
وتعتمد بعض من الدول في صادراتها على العود حيث تسيطر على سوق المصدر لهذا المنتج عدة دول كإندونيسيا وماليزيا وكمبوديا وتايلند فيما تقلصت صادرات واحدة من أكبر الدول المصدرة وهي الهند نتيجة للحظر الداخلي المفروض على هذا المنتج واقتصر المعروض في السوق العالمي على مايتم تصديره بطرق خاصة بشكل أضاف إلى جودته ندرة رفعت أسعاره بالسوق حيث تصل قمية الكيلو غرام الواحد من هذا المنتج إلى أكثر من (100) ألف ريال.
ويوجد العود في كثير من رموز ثقافتنا الخليجية والمحلية وقد أفردت له كثير من الأمثال ويوجد في مطالع كثير من القصائد حيث أن العود يعد من المؤن الأساسية للبيت السعودي منذ القدم ولعل البعض يقدمه مع القهوة العربية والهيل على بقية المؤن الضرورية للبيت لما له من اعتبارات اجتماعية وشرفية.
هذا الاهتمام وهذا الإرث الثقافي جعل من السوق السعودي للعطور الشرقية مختبر تنافس كبير لإرضاء المستهلك المحلي الذي يتمتع بذائقة عطرية راقية سهلت لمنتجات هذا السوق اختراق الحدود والمنافسة في الأسواق المجاورة والدولية وأضافت ميزة نوعية لمنتجات السوق السعودي.
كيف نشتري العود؟
تكمن صعوبة التعامل في هذا السوق حتى على أبسط المستويات في احتياجه للخبرة واعتماده بشكل مباشر على التجربة والذوق الرفيع حتى ان البعض يلجأ إلى الاستعانة بأحد أقاربه أو أصدقائه من كبار السن في مساعدته على اختيار أفضل الأنواع خصوصاً إذا تقاربت الأسعار في ارتفاعها.
وللاطلاع على هذا الجانب من تقريرنا التقت (الجزيرة) جمال الدين الجمالي والذي يشرف على واحد من أهم فروع الشركة العربية للعود والذي يتعامل في هذا السوق منذ فترة طويلة والذي سألناه عن كيفية التعرف على أجود الأنواع قبل شرائها؟ حيث أجاب بأنه بالنسبة لعود البخور الكمبودي فجودته تعتمد على كثافته (ثقله) في الوزن وأيضاً درجة سواده ويضيف: أما بالنسبة (للجاوي) فإنه كلما كان أسود وخاليا من الحشو كان أجود وعموماً يفضل شراء العود على حالته الطبيعية أي غير مصبوغ (ملمع أو منظف).
أما بالنسبة لدهن العود فهو كما تعلمون (زيت مسحوق العود) ويعتمد بالدرجة الأولى على جودة العود المستخلص منه هذا الزيت، وأغلب الدهون التي يكون فيها خلط تفقد اللزوجة وتصبح نوعين مع مرور الزمن, ولمعرفة جودة دهن العود فانه من الضروري توفر الخبرة اللازمة لذلك ولكن في حالة عدم توفر هذه الخبرة فهناك بعض الاختبارات البسيطة والتي يمكن من خلالها الوقوف على جودة دهن العود من عدمه كأن تأخذ كأس ماء وتضع فيه قطرة من هذا الدهن فإذا وجدت هناك بقعة زيت طافحة فوق الماء فهذا الدهن مخلوط.
وبالنسبة لدهن العود الصافي فانه يبقى في الشماغ لمدة طويلة من اسبوع إلى 10 أيام.
وفيما يتعلق بما يشاع عن تأثير دهن العود على جروح المرضى وعلاقته بالتهاب الجروح أو ما يعرف شعبياً باسم (الشمم) يضيف الجمالي:
- هذه المقولة غير صحيحة البتة فدهن العود ليس له تأثيرات سلبية على الجروح ولكن (الشمم) أو الالتهابات تحدث مع الدهون المخلطة لأنها تخلط بزيوت طيارة أما دهن العود الصافي فإن البعض يستخدمه في حالة وجود ضيق أو انغلاق في الصدر عن طريق وضع نقطتين في كوب شاي وشربها لما لها من نتائج مريحة.
وفيما يتعلق بتفاوت أسعار العود فكما ذكرت سابقاً انها تعتمد علىجودة العود (المجروش) أولاً ولكنها تبقى في حدود معينة أما الدهون الرخيصة جداً (15 20) ريالا فهي زيوت محضرة كيميائياً وتتطاير وتتغير بسرعة وان كان يبدو للبعض أنها بنفس الرائحة في المقابل نجد ان تولة بعض الدهون الهندية مثل أبو سمكة والسيوفي تصل إلى اكثر من 5000 للتولة وعن ظهور العديد من الخلطات الخاصة في السوق نتيجة لتراجع سوق العود والدهن الصافي ومنافسة العطور الغربية يضيف الجمالي:
- يوجد في السوق الكثير من الأنواع الجيدة والتي أصبحت علامة لبعض تجار العود والذين يعدون تراكيبهم الخاصة واعتقد ان هذه الخلطات جيدة وساعدت السوق على الاحتفاظ بمكانته لدى المستهلك خاصة الشباب.
وعن أفضل الطرق لاستخدام هذه الدهون وما إذا كان هناك علاقة بين دهن العود و(الشعر) يختتم جمال الجمالي حديثه (للجزيرة) حيث قال:
- بالنسبة لعلاقته بالشعر فهناك أنواع من المخلطات الخاصة بتعطير شعر المرأة إذا كان هذا هو ما تقصد أما بالنسبة لعلاقته (بنمو) الشعر فلم يثبت شيء من ذلك ولا اعتقد ان هذا صحيح.
وبالنسبة للاستخدام فان أفضل الطرق بالنسبة للرجل هو وضع دهن العود في الشماغ ثم التبخر بالعود من أجل ثبات أكثر ورائحة أطيب وفي الجسم يفضل استخدامه على شعر الوجه في اللحية والشارب.
|
|
|
|
|