أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 19th December,2000العدد:10309الطبعةالاولـيالثلاثاء 23 ,رمضان 1421

الثقافية

عمي نهاب
صالح الصقعبي
قذف بنفسه إلى الشارع,, أخذ يتدحرج عبر الأزقة والممرات لقد حفظ أدق تفاصيل الحي,, هذا منزل الكايد الكبير,, وهذا منزل زوجته الثانية، تميزت من بين زوجاته الأربع بقدرتها الفائقة على إسكات الكايد الكبير في الوقت الذي يقف جميع أهل الحارة عاجزين عن كبح جماح نزواته الكثيرة والمتنوعة,.
الا أن أم عيون العصلى قادرة على إسكاته بزخات متواصلة من صواريخ لحظيها الجريئين ينكمش بعدها ويتكور في عباءته العتيقة ويتمتم,, حسابك بعدين يا بنت,,.
الكثير من الصور تتزاحم في رأس مشعل، وقف أمام بيت طيني متهالك أخذ نفسا عميقا من سيجارته بعد أن رمى بباقي رغيفه الصباحي في صفيحة عتيقة ألقيت بإهمال أمام ذلك الباب المؤصد أبداً.
كل يوم يصل إلى هذه النقطة ويقف ليقرر,, هنا ينتهي غذاء البطن ويبدأ غذاء الروح,, يالها من غزال فاتنة تلك القاطنة في هذا المنزل الطيني الخرب,, بينما تعيش عقارب عديدة في قصور الحارة تحت رعاية وعناية الكايد الكبير، أما هذه المسكينة فقد طردت مثله من جنة الكايد بل ولم تسلم هي وأمها وأبوها من شروره بين الحين والآخر، اسند ظهره على عمود الإنارة الذي وقف شامخا في الحارة كشاهد إثبات على وجود أحياء في الحارة وقال: ولكن ما ذنبها؟ ليست مثلي، بل وأنا ما ذنبي؟ اني ابن أخيه هكذا تؤكد أمي وكثيرون من أهل الحارة، ولكن لوثت اسمه في التراب, لا لم أخطي على أحد لم أضر أحدا هي لحظة ضعف أردت أن أنسى همومي,, هكذا قال لي زميلي أحمد عند عودته صباح كل سبت مشرقا بعد إجازة حافلة، أردت أن أضحك ولو مرة في حياتي وصفه لي ما عليك إلا أن تدخل إلى المحل وتشير إلى زجاجة بيضاء من زجاجات العطور سيبتسم صاحب المحل ويقوم بوضعها في كيس ويستعجلك في دفع النقود مع عدد من الالتفاتات هنا وهناك, خذ اللفافة يا مشعل واذهب إلى البيت وضع قليلا منها في كأس أضف عليه الماء واشرب عصير السعادة والفرح لكني بعد أن شربت لم أفرح بكيت بكاء مريراً وأخذت أردد ما شاهدت وماحفظت من سوءات ونزوات الكايد الكبير.
من فوق السطح تجمع أهل الحارة,, قال أحدهم مشعل انجن! رد آخر مسكين كان يجب أن ينجن منذ مدة ألم يأخذ عمه كل أمواله وزوجات أبيه الثلاث ويحرمه من الميراث بدعوا أن أخيه لا ينجب.
سأل أمه بحرقة تلك الليلة هل أنا ثمرة خطيئة يا أماه؟ ألح في السؤال حضنته بحنان متفجر وأخذت حشرجة صدرها تزداد وصرخت أمام الجميع لا يا ولدي فأنت ابن محمد الكايد صاحب الأرض وثمرة زواج شرعي والله يعلم، ولكن لم نرزق بغيرك طيلة عشرين عاما من زواجنا مما دفع والدك رحمه الله في آخر أيامه على الزواج بحثا عن الإنجاب فكان يقول: يا أم مشعل أموالي كثيرة وتكفي مشعل وعشرة معه.
تزوج ثلاث مرات في ثلاثة أعوام متتالية، مات بعدها وكان عمك نهاب أحد المسؤولين عن أعمال والدك بل أهمهم، كان يا ولدي يكاد يقبل يدي عندما يحضر لاطلاع والدك على الدفاتر في أيامه الأخيرة.
استطاع نهاب أن يلعب بعقول زوجات والدك بعد وفاته تحت ذريعة حماية أموالهم مني ومنك فتزوجهم وساعده صبرنا وسكوتنا على ابتلاع كل الأموال، لم تكمل أم مشعل روايتها حتى صاح أحد أبناء نهاب مشعل سكران يا أهل الحارة شارب كلونيا كانت كلمة السر التي زلزلت الحارة، زاد هياج مشعل وقذف عمه بأفظع الأوصاف تدخلت الشرطة ومن يومها أصبح موصوما منبوذاً بعد فصله من عمله إلى أن خاله انتشله بتشغيله في إحدى محلاته.
حاول ابعاد هذه الصورة من ذاكرته فعليه أن يذهب إلى المحل فقد تأخر كثيرا، لم يذهب إلى مكتبه كما اعتاد فقد وجد نفسه أمام مدير مكتب المدير العام طالبا مقابلته بإلحاح، لم يكن سرا بأنه ابن أخت المدير العام إلا انه لم يسبق أن طلب مقابلته بمثل هذه الصورة، سمح له بالمقابلة بعد أن ألقى التحية قال: إلى متى سأبقى على هذه الحال اعمل أجيرا لديك بينما أموالي يبعثرها عمي نهاب لخدمة أغراضه ونزواته ورغبات أبنائه وبناته وزوجاته,, رد المدير العام دون أن يرفع عينيه عن ورقة كان منهمكا في قراءتها عند دخول مشعل ولكن أنت يا مشعل بتصرفاتك غير المسؤولة ساعدت عمك نهاب على سلب حقوقك، غلطة واحدة يا خالي هل تبرر ضياع كل شيء؟ أخذت العقاب عليه وأنت تعرف ذلك بينما غلطات العم نهاب عديدة ومشاهدة ولم يأخذ عقابه أهذا عدل يا خال؟؟
يا مشعل,, يا مشعل لا تنتظر من عمك أن يهديك حقوقك هذا كلام في القصص والروايات أما الواقع فإذا لم يكن لديك سلاح لانتزاع حقك لا تنتظر من أحد أن يهديك آباه، لدي سلاح يا خال ولكن أريد مساعدتك,, نظر إلى مشعل نظرة فاحصة وكأنه يراه لأول مرة ترك الأوراق التي بيده وقام من مكتبه واتجه إلى مشعل واحتضنه بقوة وقال: أكبر فيك إرادة الحياة وانا معك في استعادة حقك في الحياة.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved