صفا لك يوم ما تقطب حاجبه
وذكرني عهد الشباب ملاعبه
فيا لك من يوم مطير أهاجني
إلى حيث أيام السعود تداعبه
إذا ما رأته العين والأفق قاطب
تبهج قلب أثقلته متاعبه
بدا مستريضاً عانق الارض عاشقاً
كعشقي لها فارفض في الخذ ساكبه
مرته جنوباً إذ نشا وأراضه
صبا الشرق واستمرا من الغرب ثاعبه
فآنسني مرأى رأيت ومثله
لعمرك يسلي كل من جد ناعبه
قبيل ليال والوهاد كوالح
غبار ومحل أهلك الحرث لاحبه
وماهي إلا برهة فتبدلت
من السوء حسناً تستبيه أجاد به
يعز على وصف البليغ وإنه
ليملي إذا ما الوصف قام يقاربه
طباق تعالى بعضه فوق بعضه
يقرر أن الله لا شيء غالبه
لك الله كل الحمد والشكر والثنا
وكل عطاء كان فالشكر واجبه
فكم قد بدت من شدة ففرجتها
بلحظة كن إذ أنت للخير واهبه
مجل مسف مستجيش مجلجل
تساق الى تلك الوهاد ركائبه
فلما علا تلك القنان وطمها
وماج بها قلت: القنان تحاربه؟!
كأني به بدء انهمار ذنوبه
وما جد، صوت القعب إذ جد حالبه
سكوب دفوق مغدق متجهم
أجش شماريخ الجبال طحالبه
أناخ على الربع المحيل ركابه
فضاقت به مما أفاض مذاهبه
وعادت به تلك القنان كأنها
غريق، طفا أو غاص، فالموت سالبه
حبي تحابى مزنه وجهامه
إلى بعضه فاستقبلته مشاربه
دناذا، إلى هذا، وحط بثقله
دنو حبيب من حبيب يراقبه
ولم يكفه فيض الدموع وعبرة
سوى أن تضم النحر ضما ترائبه
محن مرن مدلهم بياضه
غطا الارض ليلاً مظلمات جوانبه
أسير به حال اجتوال ربابه
كأني ربان ترنح قاربه
يدهدي مصاليق الحجارة عارماً
تساوت به أقنانه وخرائبه
تلون فوق الارض جوناً حوانياً
وبيضاً وسوداً مدجنات سحائبه
ضحى فاستحال النور في الحال ظلمة
فما كاد يدري وجهة الدرب ساربه
إذا انفرجت عن قنة النيق فرجة
يخيل أن النيق قام يجاذبه
كأنك في البحر الجنوبي ماخر
محيط به لا تستقر مراكبه
فما عدت أدري، الارض من فيض وبله؟!
أم الارض فاضت، أم تفيض مذانبه؟!
إذا ما رأى الرائي إليه تعجباً
أجابته فيما لا يلم عجائبه
فيالك من يوم بهيج ومنظر
أهيم به ماهام في الماء طالبه
يخدد وجه القاع كالكي ظاهراً
على حر، وجه ميسم الكي شائبه
تغير ذاك الوجه، حتى أحاله
أخاديد قعراً يرهب العين شاعبه
وطم بما قد طم آطام أمة
لها أثر ماكان يعرف كاتبه
بدا دامياء الغيث في كل موضع
مباركة أنواؤه وثوائبه
وساق إلىام الذيابة فيضه
من الكسر أمواج البحار تصاحبه
أفاض بتلك الروضتين بعامه
خياماً تعالت كالقباب تواكبه
وقام إلى الأدعاص حالاً مناصباً
بجؤشوشه فانهار دعص يناصبه
يطوف بها في جيشه فكأنه
يحاسبها أو أنها ستحاسبه
يقيم عليها لحظة فيلفها
بقاصفة كالرعد زمجر صاخبه
فيجتثها من فوره من جذورها
فتأتي على تلك الفلول كتائبه
أزال الشعاف النبابيات فأصبحت
مع الماء عهناً خف إذ خف هاربه
لحاها وسوى حدها وأقامه
كحد بناء أحكم القطع شاذبه
كأن به إذ قام يلغط فاتكاً
بأعجازها قصفاً يقوم يعاتبه
إذا حفها أو حف فيها تراقصت
تراقص مجنون لجن يشاغبه
يقبلها حيناً وحيناً يضمها
كما ضمت الاطياف شوقاً خراعبه
فتبدو عياناً زبدة في سقائه
يد صدصها حتى تطيش رواسبه
تراها إذا قامت تقصف فوقه
تقصف رعد لم تخنه قواضبه
تمطى إليها صلبه وهو فاغر
بفيه لهاً يستافها إذ تناكبه
يسير كسير الأفعوان تدافعاً
إذا ما انتحى للدعص قامت نوادبه
إذا جسها جس النطاسي مرة
تلين له اوراكها ودبادبه
إذا ما بدا سرعان ما تأتلي له
وقدراعها مما رأته خضاربه
يسخرها تسخير صولة فاتك
كما سخر القين العصي مكاتبه
كأني به حين استقام مساره
مجرتها تطفو عليه كواكبه
فقرت هناك الدهر منه بحيرة
يناسبها في وصفه وتناسبه
وحفت به أدعاصها فكأنها
شقائق نعمان تكاد تخاطبه
تألف منه الحسن يالجماله
ثلاثة أركان الجمال تكاربه
فيا لك من أنس تجدد متعة
يناغيه طير فوق موج يلاعبه
ولولا فؤاد كلما رمت سلوة
تفاجئه أعباؤه ونوائبه
أقمت عليه العمر غير مبارح
إلى حين يدعو الحر في القبر نادبه