| عزيزتـي الجزيرة
تعاني ساحتنا الثقافية العربية من داء مستشرٍ ومرض متأصل ومتوغل في أنساقنا الثقافية وهو أن هناك مجموعة من الذين حشروا أنفسهم في زمرة المثقفين يعيشون حالة التذبذب بين التراث والآخر مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء فلم يفتحوا علينا من فتوحات الآخر ويأتوا ببدع جديد واكتشافٍ جديد ويجوسوا عوالم الآخر ويقلبوا في نظرياته وفلسفاته فيتشربوا علومه ويحاولوا فهمه وقراءته من عمقه,, ولاهم من الذين عرفوا الآخر وفهموه فاعتزلوه وانكبوا على المخزون والموروث فنهلوا منه وتأصلوا فيه وحاولوا الاحتماء والتحصن به ,, فقط تعرفوا واطلعوا على بعض القطع والنتف والاشياء البسيطة المجزوءة والمقطوعة من ثقافة الآخر ثم عادوا الينا فاتحين ارتفعت راياتهم ببعض ( الاثاث) المكسر والمجزأ وغير الململم الذي جاؤوا به من عند الآخر,, والمصيبة والطامة الكبرى ان هذه الالات المجلوبة من مناخات وأرضيات الاخر لابد من استنباتها وزرعها وغرسها في تربة غير تربتها وفي بيئة تختلف عن بيئتها وهذه الارضية وهذه التربة وهذا المناخ هو الموروث والعقل العربي الذي هو همّهم وهو شغلهم الشاغل وهو الشماعة التي يعلقون عليها نقصهم وتأخرهم وتراجعهم.
واذا كنّا في عصر العولمة عصر اختصار المسافات عصر قولبة وكوننة العالم وحصره وجمعه في قرية واحدة عصر التكتلات والاحتماء بالحضارات والثقافات فما الفائدة التي اجنيها من جرجرة وغربلة و نبش و خلخلة هذا الموروث وتبيان مساوئه وفضح عيوبه ما المردود الثقافي والحضاري عندما اخفي الصورة الزاهية واللامعة لثقافتي ابرز للآخر الصورة القاتمة المشوّهة والملفقة؟! وما الذي ابتغيه واطلبه وابحث من ورائه عندما أُضحك الآخرين على ثقافتي بل على سخافتي ,, وبلادتي وذلك عندما احمل كمراتي واجعل عدساتها ترصد وتلتقط كل سقطة وكل خطأ ونقيصة في تاريخي وثقافتي واجمعها في كتاب واقدمها للعالم على ان هذا هو تاريخ التمدن الاسلامي مثلما فعل جورجي زيدان,, أو عندما احمل معولي واستقبل فيه التراث واعمله فيه بالتكسير والتحطيم حيناً وبالنبش والقلب والتغيير احياناً أخرى,, عندما استنزف وقتي واقتل عمري وجهدي وابحث عن تصدعات وشقوق هذا الموروث وهذا المخزون مثلما فعل الجابري في مشروعه نقد العقل العربي والذي نسف فيه العقل العربي وهمّش جهدهم ونتاجهم وجعلهم عبارة عن نقلة مقلدين ليس لهم شيء من الابداع,, وحتى ننصف الجابري فكل هذا الموروث لم يعجبه فيه سوى بعض النتف البسيطة ففي الفقه أعجب بالفقه الظاهري عند ابن حزم وبالسياسة بالموحدي ولم يعجبه بالفلسفة الغزالي لأنه مشرقي وأعجب بابن رشد لانه مغاربي,,ما الفائدة التي اجنيها عندما ادرس وأتعلم نظرية ثم أسلطها وأطبقها على التراث ويكون تركيزي وهدفي من وراء هذا التسليط هو البحث عن شقوق وتفكك وخلل,, هل أنا لا استطيع ان اتقدم الا من خلال هذا النقد الحاد وغير المنصف للماضي,.
ثم اننا في هذا العصر الذي اخذت فيه الامم تتكتل وتنكب على ماضيها وتراثها,, تحتمي وتتحصن بثقافتها وتاريخها,, بحاجة الى أن نلملم أغراضنا وأدواتنا ونرتِّب اوراقنا المبعثرة ونحاول التحصن والتمترس بهذا الموروث لأنه هو القاعدة والمتكأ الذي نركن اليه ونتكئ عليه في تعاملنا مع الآخر واستقبالنا لهذا التفجر المعلوماتي، أما إن كان همّنا وشغلنا الشاغل هو هذا الموروث والنبش فيه والبحث عن التصدعات والشقوق فيه واصدار الموسوعات والمجلدات في نقده وانتقاصه واحتقاره فمرة في تهميش العقل العربي والبحث عن الخلل في تكوينه ومرة في نبش التاريخ العربي وتشويه رموزه ورجاله .
فإذا كان هذا وضعنا وهذه رؤيتنا للعقل العربي وهذه طريقة تعاملنا معه فإننا سنتآكل وستصهرنا الرأسملة الجارفة وتجعلنا نذوب داخل بوتقتها,.
خالد عبدالعزيز الحماد بريدة
|
|
|
|
|